ألقى التنافس المحموم بين السعودية والإمارات الضوء على المسارات المتقاطعة للحليفين التقليديين في العديد من الملفات السياسية والاقتصادية، مع السعي نحو زعامة المنطقة.

ويسعى ولي عهد السعودية محمد بن سلمان لأن يصبح أقوى حاكم في الشرق الأوسط، ويجعل من بلاده قبلة للمؤسسات والشركات العالمية.

لكن يبدو أن رئيس الإمارات محمد بن زايد، الذي قطع شوطا طويلا في جعل دبي مركزا عالميا، للمال والأعمال يعمل على عرقلته وسحبه للوراء.

ومن عناصر التحفيز الأخرى للصراع رغبة الدولتين الخليجيتين المعتمدتين على النفط في تنويع مواردهما الاقتصادية.

لذلك فإن التنافس السياسي والاقتصادي بين الدولتين يتصاعد مع جدية إجراءات الرياض، وعدم استسلام أبوظبي إزاء مساعي المملكة إزاحتها عن موقعها كمركز رائد للأعمال في منطقة الخليج والشرق الأوسط.

 

الطريق لليونسكو

وانطلاقا من تلك الحالة، تأمل السلطات السعودية بتعزيز حظوظها لاستضافة أحداث دولية متنوعة، مثل بطولة “كأس العالم لكرة القدم 2030” ومعرض “إكسبو الدولي 2030” اللذين تسعى المملكة لاستضافتهما.

والتقى محمد بن سلمان في الرياض وفدا من المكتب الدولي للمعارض برئاسة المخرج باتريك سبيخت، الذي ينظم معرض إكسبو الدولي في 7 مارس/آذار 2023.

فيما نشرت مجلة “إنتيليجنس أونلاين” الفرنسية المتخصصة في شؤون الاستخبارات في 14 مارس 2023، أن رئيس المخابرات السعودية الأسبق الأمير تركي الفيصل، يلعب دورا بارزا في الجهود السعودية لرئاسة اليونسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة).

وقالت: “إن الفيصل زار مقر اليونسكو بباريس، في 13 مارس 2023، لدعم حملة المملكة للحصول على موقع الصدارة في المنظمة”، وكذلك لحضور معرض تكريم والده الراحل الملك فيصل بن عبد العزيز، الذي اغتيل عام 1975.

وكان المعرض بعنوان “فيصل: حياة في قلب القرن العشرين” واستمر من 13 إلى 24 مارس بتنظيم من هيئة التمثيل السعودية التابعة للأمم المتحدة.

وأرجعت المجلة الفرنسية تقديم الأمير تركي الفيصل لمهمة إدارة ملف رئاسة السعودية لليونسكو، لكونه موثوقا لدى محمد بن سلمان.

وأيضا لتاريخه الطويل حيث شغل منصب المدير العام للاستخبارات العامة السعودية بين عامي 1977 و2001، وعمل سفيرا للمملكة في لندن بين عامي 2002 و2005 وفي واشنطن بين عامي 2005 و2007.

وجاءت زيارته الأخيرة إلى باريس في إطار توظيف نفوذه لدعم الترشح السعودي لمنصب المدير العام لليونسكو.

 

مواجهة أبوظبي

وقالت “إنتيليجنس أونلاين” إن تركي الفيصل ليس وحده المخول بهذه المهمة، إذ تقود مندوبة السعودية الدائمة لدى اليونسكو هيفاء بنت عبد العزيز المقرن، ومستشارها محمد السميران، في باريس الحملة السعودية للفوز برئاسة المنظمة.

وستنتخب الدول الأعضاء مديرا عاما للمنظمة في عام 2025 مع انتهاء الولاية الثانية للمديرة الحالية، الفرنسية أودري أزولاي.

وفي هذا السياق، تخطط المملكة لبدء حملة مكثفة للتأثير مستغلة في المقام الأول الأحداث المنعقدة في باريس، حيث ستعمل على حشد دعم الدول الإفريقية الأعضاء في اليونسكو.

لكن الإمارات لها خطتها الموازية وأطلقت حملة مماثلة لا تقل قوة عن الحملة السعودية، لدعم انتخاب وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة الإماراتية السابقة نورا الكعبي لمنصب المدير العام للمنظمة.

وبدأ الأمر عندما أجرى حاكم دبي ورئيس مجلس وزراء الإمارات محمد بن راشد آل مكتوم، تعديلا وزاريا، في 7 فبراير/شباط 2023، شهد تنحي نورة الكعبي عن منصبها كوزيرة للثقافة، لتستعد للترشح لمنصب مدير اليونسكو.

وحشدت الإمارات قوتها لإعداد الكعبي لمنصب اليونسكو، حيث ستعتمد على مشاركة المكتب الباريسي الخاص بشركة الاستشارات الإستراتيجية البريطانية (Project Associates)، التي لها باع طويل في التعاون مع الحكومة الإماراتية.

وسيعمل المستشار الفرنسي “باوليوس راماناوسكاس” على التنسيق بين أفراد فريق الشركة البريطانية المكلف بإدارة حملة نورة، وذلك تحت إشراف بييترو فيمونت.

ويتمتع الأخير بخبرة في نظام الأمم المتحدة، بعد عمله ضمن الوفد الإيطالي في المقر الرئيسي للأمم المتحدة بنيويورك.

كل ذلك يوضح أن الإمارات عازمة بقوة على مناجزة السعودية في رئاسة اليونسكو، وأنها لن تترك المنصب الرفيع عالميا، لقمة سائغة لحليفتها.

كما ترغب في تعزيز نفوذها داخل المجتمع الدولي، بعدما نجحت في تعيين اللواء أحمد ناصر الريسي رئيسا للشرطة الدولية (الإنتربول) في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، وهو ما يزيد من إصرار السعودية على انتزاع رئاسة اليونسكو.

 

استقطاب الشركات

وفي 3 مارس 2023 تحدثت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، عن التنافس السعودي الإماراتي المتصاعد في مجال استقطاب الشركات العالمية، وهي خطوة تسعى الرياض بها لملاحقة أبوظبي التي كانت قبل سنوات مركزا للشركات العالمية في الشرق الأوسط.

وذكرت الصحيفة أن السعودية تقدم مزيدا من الإغراءات الجديدة في مسار التنافس مع الإمارات لاستقطاب المكاتب الإقليمية للمؤسسات العالمية الكبرى.

وأوردت أن المملكة بداية من عام 2021، كشفت عن نواياها في جعل الرياض عاصمة الأعمال في المنطقة، وهو ما أثار قلقا عارما في دبي.

وكان القلق في محله، فلم يمض الكثير من الوقت حتى بدأت شركات عالمية بالفعل في نقل مكاتبها الإقليمية من دبي وغيرها من عواصم الخليج إلى الرياض، على غرار “يونيليفر”، و”سيمينز”، و”بيبسي”، ليتخطى مجموع الشركات المنتقلة بداية من 2021 حتى 2023 حوالي 80 شركة.

إضافة إلى تلك الضربة الإستراتيجية من قبل المملكة، فقد وجهت ضربة أخرى، في إطار حرب استقطاب الشركات المتصاعدة.

إذ قررت ابتداء منذ 16 فبراير 2021، وقف التعاقد مع أي شركة، أو مؤسسة تجارية أجنبية لها مقر إقليمي في المنطقة في غير المملكة، وسيكون القرار نافذا بداية من العام 2024.

حينها علق وزير المالية السعودي محمد الجدعان لوكالة “رويترز” البريطانية، على القرار، قائلا: “إن الشركات العالمية التي ترغب في المشاركة في الفرص الاستثمارية التي تمنحها الحكومة السعودية سيتحتم عليها أن تتخذ قرارا، فيما يتعلق بإنشاء مقار إقليمية في المملكة، وإلا فلن تفوز بتعاقدات حكومية”.

 

الفنون والتراث

التنافس ذهب أيضا إلى مجال الفنون والتاريخ ففي 8 نوفمبر 2017 افتتح متحف اللوفر في أبوظبي، بالتعاون بين حكومتي الإمارات وفرنسا.

كان الأمر يؤذن بأن تصبح الإمارات مركزا ثقافيا وسياحيا رائدا في منطقة الخليج. لكن الرياض دخلت على الخط عندما جذبت مسؤولي الثقافة الفرنسية إلى مشاريع التراث الثقافي في المملكة.

وفي 4 فبراير 2019 أعلنت وزارة الثقافة السعودية تحويل مدينة العلا القديمة المدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي إلى منطقة جذب سياحي.

وكانت فرنسا قد وقعت مع السعودية اتفاقية مدتها 10 سنوات في عام 2018 تمنح باريس دورا بارزا في المشروع الذي يغطي منطقة بحجم بلجيكا تقريبا، بحسب وكالة “رويترز”.

وقالت الوكالة إن جيشا من المستشارين الفرنسيين، جرى توظيفهم في وزارة الثقافة السعودية.

وحينها علقت صحيفة “لا تربيون دي آرت” الفرنسية في يوليو/تموز 2021، إن الإمارات تعد المشاريع الفرنسية السعودية ضارة بمبادرات القوة الناعمة الثقافية التي أبرمتها هي مع فرنسا.

وكشفت الصحيفة الفرنسية أن الإمارات تتطلع إلى إدخال بند حصري في عقدها مع فرنسا، يستمر حتى 2037، يستهدف الحد من نطاق مشاركة باريس في المشاريع الثقافية السعودية تحديدا.

 

قطاعات متعددة

ويبدو أن المنافسة استفحلت لتشمل قطاعات عدة، ضمن النزاع الدائر لتقليص دور دبي كمركز إقليمي بارز للشركات متعددة الجنسيات.

ونقل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان السجال نحو قطاع الطيران المدني، الذي طالما سيطرت عليه الإمارات وقطر لسنوات طويلة.

ففي 30 يونيو/حزيران 2021، أعلن قرار بإنشاء شركة طيران جديدة كجزء من إستراتيجية وطنية أوسع للنقل والخدمات اللوجستية.

وكان الهدف الأساسي من القرار جعل السعودية من أفضل خمس خطوط نقل جوي عالمية للركاب، مع زيادة عدد الوجهات الدولية إلى 250 ومضاعفة سعة الشحن إلى أكثر من 4.5 مليون طن سنويا.

وهو الأمر الذي يعني أن شركة الطيران المزمع إنشاؤها ستكون في منافسة شرسة مع طيران الإمارات والخطوط الجوية القطرية.

وفي سباق امتلاك القوة الناعمة، نقلت السعودية في سبتمبر/أيلول 2022، مجموعة “إم بي سي” بالإضافة إلى قنوات العربية والحدث، المملوكتين للدولة، إلى الأراضي السعودية، وذلك بعد سنوات من البث في دبي بشكل كامل.