لا يزال الرفض الشعبي في السعودية يتصاعد يوماً تلو الآخر ضد الفعاليات المختلفة التي تقوم بها “هيئة الترفيه” في المملكة، والتي تسببت بصدمة كبيرة في المجتمع السعودي.

وأثارت الحفلات المختلفة التي أقامتها الهيئة السعودية، وافتتاح أول ملهى ليلي في جدة، الغضب والانتقاد بين السعوديين خلال العامين الماضيين، ووصل إلى حد الانتقاد على منابر المساجد.

ورغم التهديدات بإجراءات عقابية ضد المنتقدين، لم يخشَ دعاة وشخصيات سعودية من رفع أصواتهم الرافضة لما تقوم به سلطات بلادهم، من “انسلاخ من العادات والشريعة الإسلامية”، منذ صعود محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، إلى منصب ولي العهد وتحكمه بمعظم القرارات بالمملكة.

داعية يهاجم الترفيه

وفقد المجتمع السعودي العديد من السمات التي ميّزته عن مجتمعات العالم؛ فبعد أن كان محافظاً يغلب عليه طابع الالتزام الديني، بات منسلخاً من عاداته وتقاليده وأعرافه، وهو ما دفع داعية سعودياً إلى شن هجوم ضد هيئة الترفيه.

ووصف الداعية السعودي عمر المقبل، أستاذ الحديث في جامعة القصيم، النشاطات التي تنفذها هيئة الترفيه في بلاده بأنها “تؤدي إلى سلخ المجتمع عن هويته وتجلب سخط الله”.

وأضاف المقبل، خلال خطبة له، أنه ليس ضد الترفيه، بل معه؛ “إذا كان ضمن الضوابط الشرعية قولاً وفعلاً، ونحن ضد سلخ المجتمع عن هويته، وضد ذبح الحياء باسم الترفيه”، وذلك في إشارة إلى مشاركة فنانين ومشاهير في حفلات غنائية راقصة في المملكة ضمن أنشطة الهيئة.

وتابع المقبل: “نحن ضد جلب شذاذ الآفاق وفساقهم إلى بلاد الحرمين باسم الترفيه، لتتفتح أجيالنا الناشئة على تلك النماذج الساقطة التي تصدّر على أنها نجوم وقدوات”.

تحذيرات للخطباء

وتسببت كثرة الانتقادات التي وجهها دعاة سعوديون وخطباء الجمعة لهيئة الترفيه المستحدثة، على خلفية عودة نشاطات الترفيه والحفلات الغنائية والموسيقية والعروض المسرحية إلى صالات المملكة عقب عقود من المنع، بتهديد من الحكومة السعودية لمنتقدي الهيئة بعقوبات رادعة.

وسبق أن ذكرت وسائل إعلام محلية، نقلاً عن وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بالمملكة، أن “انتقاد الخطباء عبر منابر المساجد لفعاليات هيئة الترفيه أو أي جهة حكومية يعرضهم للتعهد أو الحسم أو الفصل”.

وأشارت إلى أن الوزارة حددت، في مارس من عام 2017، ثلاثة خيارات تواجه من ينتقد هيئة الترفيه؛ من خلال “أخذ تعهد على الخطيب، أو الحسم عليه، أو طي قيده”.

ونقلت صحيفة “الوطن السعودية” عن نائب وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، توفيق السديري، قوله: إن “انتقاد أي جهة حكومية من الخطباء؛ سواء كان موجهاً إلى هيئة الترفيه أو غيرها من الجهات الحكومية، فهذا أمر مرفوض ويحاسب عليه الخطيب”.

عقوبات سابقة.. إمام المسجد النبوي ضحية

ونفذت السلطات في المملكة العقوبات التي أقرتها ضد من انتقد هيئة الترفيه، وكان أبرز من نُفذت فيه الإجراءات إمام المسجد النبوي، الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ، الذي استبعد، في مارس 2017؛ بعد انتقاده لهيئة الترفيه.

وقال نشطاء على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” إن استبعاد آل الشيخ جاء بأمر من من محمد بن سلمان، إثر انتقادات حادة وجهها إمام المسجد النبوي لهيئة الترفيه.

وقال الناشط يزيد الغامدي: “السديس لأول مرة في حياته يخطب الجمعة في المسجد النبوي.. والدكتور حسين آل الشيخ بعد انتقاده لهيئة الترفيه تم استبعاده من قبل محمد بن سلمان”.

وكان إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف في المملكة انتقد عبر حسابه بموقع “تويتر” فعاليات “كوميك كون” في جدة، التي أقيمت تحت إشراف “هيئة الترفيه”، قائلاً: “إن هيئة الترفيه تصرفت بشكل مشين (..) إنه تصرف لا يقره خلق كريم ولا دين، وعلى المسؤولين أن يتقوا الله”.

وأضاف: “من العار أن يكون في بلاد التوحيد مثل هذه الفعاليات التي تقوم عليها هيئة رسمية، فكيف يحصل النصر ومثل هذه الفعاليات المستهجنة ديناً وخلقاً تقام؟”.

رفض شعبي

وفي يوليو الماضي، اعترفت هيئة الترفيه لمجلس الشورى السعودي بأنها واجهت “عدم قبول اجتماعي لدورها”؛ إثر الفعاليات التي نفذتها ورخصت لها الهيئة بالسعودية، وفق ما قالت لجنة الثقافة والإعلام والسياحة والآثار.

وقالت صحيفة “الرياض” ما نصه: “اعترفت هيئة الترفيه لمجلس الشورى بأن من بين الصعوبات التي واجهتها عدم القبول الاجتماعي لدورها، ورأت لجنة الثقافة والإعلام والسياحة والآثار أن بعض الفعاليات التي قامت بها الهيئة أو رخصت لها قد تكون هي السبب في ذلك”.

وأشارت اللجنة، وفق ما نشرت الصحيفة، إلى أن هذه الفعاليات “لا تتوافق مع رسالة الهيئة المنصوص عليها”؛ وهي: “نفخر بهويتنا الإسلامية والعربية وموروثنا التاريخي والثقافي والحضاري”.

وترى اللجنة أن هذه الرسالة تنبثق مما قضى به النظام الأساسي للحكم الصادر في عام 1412 (1992)، ونص في المادة الأولى منه على أن “السعودية دولة عربية إسلامية، ذات سيادة تامة، دينها الإسلام، ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله، ولغتها هي اللغة العربية، وعاصمتها مدينة الرياض”.

الانفتاح.. خطة بن سلمان

ومنذ بدء خطة “الانفتاح”، التي يرى مراقبون أنها تأتي في إطار صرف الأنظار عن سياسة ولي العهد، محمد بن سلمان، شهدت السعودية مجموعة حفلات غنائية، وهو ما لم يكن معهوداً من قبل.

وإلى جانب الحفلات والفعاليات الموسيقية تصرف الرياض مبالغ ضخمة في قطاعات الترفيه، تزامناً مع معاناة قسم كبير من السعوديين من صعوبة الحصول على مسكن؛ بسبب ارتفاع الأسعار وعدم توفر الأراضي الصالحة للبناء.

ومنذ وصول بن سلمان إلى منصب ولي العهد، منتصف 2017، اتخذ مجموعة قرارات “إصلاحية”؛ كان أبرزها اعتقال أمراء ورجال أعمال ودعاة ورجال دين ونشطاء وحقوقيين، وهو ما اصطدم بمعارضة شعبية.

ورفعت المملكة الحظر عن دُور السينما، وصارت المقاهي تعجّ بالموسيقى، بعد أن كانت تعتبر من الممنوعات في المملكة التي عُرفت بالطابع المحافِظ.

كما فتحت أبوابها لكثير من شركات صناعة الترفيه العالمية، لكنها تعرضت لانتقادات لاذعة تسببت في محاسبة وإقالة مسؤولين في القطاع خلال الفترة السابقة.