ما تزال القيود على حرية الرأي مستمرة في السعودية، خاصة في قضايا الرأي العام، فمصير من يستخدم حسابه في مواقع التواصل الاجتماعي للحديث عن أي قضية ويستخدم أسلوب النقد، أو إبداء الرأي المخالف، هو وضعه في السجون.

آخر النشطاء الذين اعتقلتهم السلطات السعودية هو المعلق الرياضي الشهير أحمد المصيبيح، وذلك بعد خروجه في برنامج تلفزيوني، تحدث فيه عن إجازة المعلمين بالمملكة، وغياب اللاعبين عن الملاعب 8 أشهر، بسبب جائحة فيروس كورونا.

ووجَّه النائب العام تهماً إلى المصيبيح بإهانة التعليم، رغم أن الناشط سارع إلى الاعتذار عن سوء فهم ما تحدث به، مع تأكيده أن حديثه جاء بشكل عفوي.

وأمام تلك الاعتقالات، سارعت الجمعية الفرانكفونية لحقوق الإنسان لإبداء قلقها البالغ من تصاعد اعتقالات المدنيين في السعودية على خلفية تعبيرهم عن آرائهم ومشاركاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي.

الجمعية، وفي بيان لها، نشرته الاثنين 10 أغسطس، استشهدت بتوجيه النائب العام السعودي أوامر قضائية بتوقيف وجلب مجموعة من الأشخاص بتهمة “الإساءة إلى التعليم على وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية”، دون معرفة هوية أو أعداد المعتقلين.

وتشن السعودية، وفق الجمعية، حملة اعتقالات ضد النشطاء، شملت أيضاً الناشط عبد السلام الشهراني الذي نشر على موقع “تويتر” مقطع فيديو انتقد فيه فترة العطلة الطويلة للمدرسين والتي تصل إلى 8 أشهر.

وشكلت الاعتقالات السعودية الأخيرة، حسب الجمعية، تعدياً خطيراً على الحق في الرأي والتعبير في المملكة، إضافة إلى أنها تخالف أساسيات القانون الدولي والقانون السعودي الذي يكفل حرية الرأي دون تقييد أو ملاحقة.

مخالفة دستورية

وتنص المادة 36 من النظام الأساسي للسعودية (الدستور) على أنه “توفر الدولة الأمن لجميع مواطنيها والمقيمين على إقليمها، ولا يجوز تقييد تصرفات أحد أو توقيفه أو حبسه إلا بموجب أحكام النظام”.

كما أن المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص كفلت حرية الرأي بشكلٍ مطلق، حيث جاء فيهما أن “لكل إنسان حقاً في حرية التعبير”.

ويشمل الحق “حرية المواطنين والمقيمين في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى”.

ويعد أكثر ما يبعث على التشاؤم في التصرفات السعودية هو مخالفة الجهات التنفيذية أو القضائية التعهدات والالتزامات الدولية من خلال الانسياق وراء حملات ضغط وتحريض على مواقع التواصل الاجتماعي، والتصرف بمزاجية دون مراعاة لأي معايير قانونية موجبة للاعتقال، مع عدم وجود نظام عادل للرقابة والمحاسبة في السعودية، كما تؤكد “الفرانكفونية”.

الجمعية دعت إلى متابعة الأجهزة الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة، لسجل حقوق الإنسان في السعودية، الذي “يشهد تراجعاً مستمراً إثر الانتهاكات المتكررة وفي مقدمتها الاعتقال التعسفي”.

وإلى جانب الاعتقالات الأخيرة، استغلت السلطات السعودية جائحة فيروس كورونا المستجد وانشغال الرأي العام المحلي والدولي بها، لشن حملة اعتقالات بحق سياسيين وزجهم في السجون، وفق تأكيدات حساب “معتقلي الرأي”.

وطالت الاعتقالات الأخيرة الناشط الإعلامي محمد الجديعي، وطالب الدكتوراه ماجد الغامدي، كما شملت الناشط الإعلامي المعروف منصور الرقيبة، وهو من بين المعتقلين تعسفياً ضمن حملة الاعتقالات الجديدة، وذلك على خلفية التعبير عن الرأي في سنابات وتغريدات قديمة.

ولم تشفع جائحة فيروس كورونا للمعتقلين في السعودية معانقة الحرية، رغم إطلاق حساب “معتقلي الرأي” المهتم بشؤون المعتقلين بالسعودية، أكبر حملة تغريد لدعم معتقلي الرأي في السعودية والعالم العربي من خلال وسم “قبل الكارثة”، في ضوء المخاوف من انتشار فيروس كورونا المستجد.

وهدفت الحملة، التي أُطلقت في بداية انتشار فيروس كورونا، إلى الضغط من أجل الإفراج عن جميع المعتقلين تعسفياً قبل فوات الأوان وانتشار المرض التاجي، ولكن السلطات السعودية لم تستجب لها واستمرت في الاعتقالات.

ويوجد في السجون السعودية آلاف من السجناء الجنائيين والمعتقلين السياسيين (لا تفصح الحكومة عن أعدادهم)، وأعلنت السلطات اتخاذ “تدابير” حتى الآن لحمايتهم.

ومنذ صعود محمد بن سلمان إلى ولاية العهد، اعتقلت السلطات السعودية دعاة وعلماء وناشطين وناشطات في حقوق الإنسان، كما شملت الحملات وزراء وأمراء وقضاة وضباطاً بوزارتي الدفاع والداخلية.

توثيق دولي

منظمة العفو الدولية أكدت أن السلطات السعودية مستمرة في استهداف وقمع واعتقال “المنتقدين والنشطاء الحقوقيين”.

وصعَّدت السعودية، خلال الفترة الماضية، حسب بيان للمنظمة نشرته في مايو الماضي، من حملتها ضد الناشطين الحقوقيين، إذ تم اعتقال 14 شخصاً، منهم صحفيون وكُتاب وأكاديميون في شهر أبريل الماضي.