MBS metoo

زيارة السعودية.. سلاح ذو حدين بالنسبة لبايدن

أوضح البيت الأبيض مجموعة القضايا التي يسعى الرئيس الأمريكي “جو بايدن” مناقشتها في الاجتماعات الثنائية التي يعقدها أثناء جولته الشرق أوسطية، لكن لم يتم تحديد رسالة واضحة وموحدة من الرحلة.

ومنذ تولي “بايدن” منصبه في يناير/كانون الثاني 2021، سعت إدارته إلى تكريس وقت وموارد أقل للشرق الأوسط؛ حيث يرى المسؤولون الجدد في البيت الأبيض أن هذه المنطقة جذبت الكثير من الاهتمام والجدل خلال رئاسة “دونالد ترامب”.

وأخذت القضايا المحلية الأولوية؛ حيث ركز البيت الأبيض على تدابير الصحة العامة والإجراءات الاقتصادية اللازمة للتعافي من جائحة “كوفيد-19”. وتراجع الاهتمام بالقضايا المتعلقة بالشرق الأوسط  لتقتصر على محاولات إنهاء الحرب في اليمن وإعادة الانخراط في الاتفاق النووي مع إيران.

وبالفعل، نجح وقف إطلاق النار باليمن، الذي تم التفاوض عليه كهدنة رمضانية في أبريل/نيسان 2022 وتم تمديدها منذ ذلك الحين، في خفض حدة العنف في جميع أنحاء البلاد، لكن إحياء الاتفاق النووي الإيراني واجه عقبات وانتكاسات متكررة.

 

المواربة في هدف الرحلة الرئيسي

تأتي زيارة “بايدن” على خلفية تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، وكذلك التحديات السياسية والاقتصادية المتزايدة الناجمة عن ارتفاع أسعار الوقود والتضخم وتعطل سلاسل التوريد. وتفسر هذه العوامل قرار “بايدن” السفر إلى السعودية رغم أنه وعد خلال حملته الرئاسية بتحويلها إلى “دولة منبوذة”.

وتعد زيارة “بايدن” إلى إسرائيل والسعودية فرصة للبيت الأبيض لإعادة ضبط علاقاته مع البلدين بعد فترة من التوتر.

بالنسبة لإسرائيل، تأخر “بايدن” ما يقرب من شهر بعد تنصيبه قبل أن يتحدث إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك “بنيامين نتنياهو”، بينما واصل رفض الانخراط المباشر مع ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان”.

وقام مسؤولو البيت الأبيض، بمن فيهم “بايدن” نفسه، بالتقليل من أهمية أي فكرة تشير إلى ضرورة سفر الرئيس إلى السعودية لحث السعوديين على إنتاج المزيد من النفط، حتى إن الرئيس الأمريكي لم يذكر كلمة النفط إلا مرة واحدة في مقالة الرأي المكونة من 1300 كلمة، والتي نشرها في صحيفة “واشنطن بوست” في 9 يوليو/تموز، والتي جاءت لتبرير هذه الجولة الشرق أوسطية.

وبدلا من التركيز على النفط، سعى “بايدن” إلى تبرير زيارته باعتبار أنها فرصة لتوسيع السلام الإقليمي والتمهيد لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية. وعبر إعلانه أن “الإسرائيليين يعتقدون أنه من المهم حقا أن أزور السعودية”، وإضافته غير المبالية: “أعتقد أنني سأرى الملك وولي العهد”، حاول “بايدن” تضخيم المكون الإقليمي في رحلته مع التقليل من أهمية البُعد السعودي الخاص، في محاولة لاتخاذ موقفين متناقضين في الوقت ذاته، وهو أمر من الصعب أن ينجح من الناحية العملية.

ومع اتخاذ “بايدن” وضعا دفاعيا بشأن زيارته، فليس من المستغرب أن يناضل البيت الأبيض من أجل الترويج لسردية واضحة حول الرحلة. إن التركيز على مد جسور التعاون الإقليمي في إسرائيل والضفة الغربية ومجلس التعاون الخليجي والدول الثلاث (الأردن ومصر والعراق) يشير إلى محاولة لنقل التركيز إلى مشهد ألطف بالنسبة للبيت الأبيض مقارنة بمشهد ذهاب “بايدن” إلى السعودية لطلب النفط.

ومن المفارقات أن ازدراء “بايدن” لـ”ترامب” جعله يتجاهل ذكر اسمه في مقالة “واشنطن بوست”؛ حيث أشار له بالقول “سلفي”، فيما هو في الوقت ذاته يقدم زيارته للشرق الأوسط كفرصة للبناء على شيء من الإرث الذي تركته إدارة “ترامب” والمتمثل في “اتفاقات أبراهام”

وفي 22 يونيو/حزيران، أخبرت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى “باربرا ليف” لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب بأن الزيارة تتمحور حول ترسيخ العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، وتنبأت بـ”أشياء مثيرة” خلال الرحلة دون الخوض في تفاصيل محددة.

 

ما لا يمكن إصلاحه

هناك تحديات متعددة تنتظر إدارة “بايدن” خلال الرحلة؛ أحدها هو أن الشركاء الإقليميين للولايات المتحدة بدؤوا بالفعل في الترويج لأسباب خاصة تتعلق بالزيارة؛ مما يخلق توقعات قد يكون من الصعب الوصول إليها في الواقع أو أنها لا تتماشى مع رسائل البيت الأبيض.

ويمثل ذلك تهديدا لجولة “بايدن”، خاصة إذا لم تؤد إلى أي اختراق دبلوماسي في التطبيع وإذا تم تسليط التركيز الإعلامي في السعودية على لقاء “بايدن” مع “بن سلمان”.

وإذا لم تتطابق النتائج مع التوقعات، فسيظهر “بايدن”وكأنه عاد خالي الوفاض (على الأقل لدى وسائل الإعلام والمتشككين الذين يعارضون تعميق العلاقات السعودية الأمريكية)، وسيكون الأمر صعبا بالنسبة لـ”بايدن” إذا لم تطبع السعودية مع إسرائيل أو لم تنخفض أسعار النفط بشكل كبير.

ولن يضحي قادة السعودية والإمارات بعلاقاتهم مع روسيا (داخل وخارج إطار “أوبك+”). وبما أن دول الخليج، بالإضافة إلى مصر والأردن، لم تستطع الاتفاق على أجندة أمنية ودفاعية مشتركة في عام 2019، فمن الصعب تصور أن ينجحوا في ذلك مع إضافة إسرائيل والعراق لهذا المزيج.

وقد يكون هناك مجال للتعاون الأمني ​​الإقليمي بشأن قضايا محددة لا ترقى إلى تحالف رسمي، ولن يكون ذلك كافيا حتى يحتفل “بايدن” بنتائج الجولة إذا لم يحدث انخفاض مستمر في أسعار النفط.

وإذا كانت نتيجة هذه الرحلة سلبية، فمن شأن ذلك أن يعزز الاعتقاد الذي تنامى بين العديد من العواصم الإقليمية، بما في ذلك الرياض وأبوظبي، بأن الولايات المتحدة أقل موثوقية كشريك طويل الأمد. كما سيُعقد ذلك محاولة الإدراة إظهار أن واشنطن “عادت” إلى المسرح العالمي بعد اضطراب عصر “ترامب” وانسحاب “بايدن” الفوضوي من كابل في عام 2021.

 

خطورة العودة خالي الوفاض

وهنا يكمن تحدٍ ذو صلة لـ”بايدن”؛ فقد أشار استطلاع لجامعة ماريلاند أن زيارته لا تحظى بالشعبية، وأن الناخبين الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء يرفضون الرحلة، وإن كان ذلك لأسباب مختلفة.

وإذا التقى”بايدن” مع “بن سلمان” دون الحصول على شيء كبير في المقابل، فإن ذلك سيؤدي إلى أضرار بالغة حتى بين الناخبين الديمقراطيين الذين يشعرون بخيبة أمل بالفعل إزاء سياسته المحلية والخارجية في الوقت الذي تلوح فيه الانتخابات النصفية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني.

وسيلاحظ قادة المنطقة هذا التراجع في شعبية “بايدن” ووصولها إلى مستويات أقل مما كانت عليه شعبية “ترامب” قبل 4 سنوات.

وإذا اعتقد قادة الشرق الأوسط أن “بايدن” لن يكون رئيسا لأكثر من فترة واحدة، فربما يصبحون أقل ميلا إلى الانحياز له في القضايا الجيوسياسية الكبرى في وقت يتطلعون فيه إلى تنويع العلاقات الاقتصادية والسياسية على المدى الطويل.

Exit mobile version