لم يكن 2020 عاما لطيفا بالنسبة لولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان”. وكانت واحدة من الأخبار السيئة الأخيرة عندما صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة، الشهر الماضي، برفض ترشيح السعودية لمقعد في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

وفي سباق خماسي على 4 مقاعد تمثل آسيا والشرق الأوسط، حلت السعودية في المركز الخامس. ومن الواضح أن الجمعية العامة للأمم المتحدة قررت أن نيبال ستكون خيارا أفضل.

ومن النادر أن يخسر منتهكو حقوق الإنسان الكبار السباق للحصول على مقعد في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. وفي الواقع، كشف هذا التصويت بالذات إلى أي مدى تراجعت السعودية، حيث فازت الصين وروسيا وأوزبكستان في التصويت، ومن المرجح أن تستخدم موقعها لإخفاء انتهاكات حقوق الإنسان الخاصة بها. ومهما كانت الإغراءات وراء الكواليس التي قدمها النظام الملكي البترولي السعودي، فمن الواضح أنها لم تكن كافية للفوز بأصوات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وهذه هي أحدث علامة على المد المتصاعد للرفض العالمي لولي العهد السعودي الكارثي. وقد واجهت قمة مجموعة العشرين التي استضافتها السعودية هذا العام، وهي سلسلة من الأحداث التي تتوج باجتماع رؤساء الدول تقريبا في وقت لاحق من هذا الشهر، مقاطعة وراء مقاطعة بالفعل.

وبعد الحملات الناجحة التي قامت بها منظمة “فريدوم فوروارد”، وهي منظمة أديرها، وكذلك العديد من الحلفاء والشركاء، اختار رؤساء بلديات باريس ولندن ونيويورك ولوس أنجلوس جميعا الانسحاب من قمة رؤساء بلديات مجموعة العشرين السعودية، التي كان -للسخرية- مقرر عقدها في ذكرى مقتل “جمال خاشقجي”.

وأشار مكتب عمدة باريس “آن هيدالجو” بشكل واضح إلى المدافعة عن حقوق المرأة السعودية “لجين الهذلول”، المسجونة في السجون السعودية، كسبب رئيسي لقرارها مقاطعة مجموعة العشرين السعودية.

وبعد 9 أيام فقط، صوت البرلمان الأوروبي بأغلبية ساحقة لحث قادة الاتحاد الأوروبي على عدم الذهاب إلى مجموعة العشرين السعودية وإرسال “مراقبين” من المستوى الأدنى بدلا من ذلك.

وقادت الأحزاب السياسية اليسارية التصويت، وكان أعضاء البرلمان الأوروبي الأكثر تحفظا الذين عارضوا ذلك محرجين للغاية من فعل أي شيء سوى الامتناع عن التصويت. لقد كان سقوط السعودية دراماتيكيا بالفعل.

وتظهر معارضة جديدة لمجموعة العشرين السعودية في الولايات المتحدة أيضا. وقاد النائب الديمقراطي “جان شاكوفسكي” دعوة 45 عضوا في الكونجرس إدارة “ترامب” لمطالبة السعودية بإصلاحات جذرية في مجال حقوق الإنسان وإما الانسحاب من قمة مجموعة العشرين السعودية.

وفي مؤتمر صحفي عاطفي نظمته “فريدوم فوروارد” مع “شاكوفسكي” والنائبة “إلهان عمر”، كشفت النساء الأمريكيات والسعوديات عن كفاحهن مع التمييز والعنف الذي تمارسه الدولة السعودية ضد النساء وعائلاتهن.

وبالطبع، أظهر “ترامب” ووزير الخارجية “مايك بومبيو” مرارا وتكرارا استثمارهما العميق في حماية هذه الديكتاتورية الأسرية الوحشية بشكل خاص.

ولقد تم توثيق تعاملات “ترامب” المالية مع العائلة المالكة السعودية جيدا، حتى مع استخدام المملكة للحصار الاقتصادي والمجاعة كأسلحة حرب ضد آلاف المدنيين في اليمن.

واستخدم “ترامب” حق النقض 8 مرات ضد تشريعات في الكونجرس كرئيس. وكانت 4 منها لحماية التحالف العسكري الأمريكي السعودي والحروب السعودية الإماراتية في اليمن.

لكن الرهان على إدارة “ترامب” لحماية التحالف الأمريكي السعودي يمثل استراتيجية هشة بشكل متزايد. ويُعد توقع نتائج الانتخابات الأمريكية أمرا محفوفا بالمخاطر، ولكن حتى إذا ضمن “دونالد ترامب” إعادة انتخابه، وهو أمر غير محتمل على نحو متزايد، فإن استراتيجية تأمين النظام الملكي السعودي يبقى في حالة يرثى لها. فبالطبع خسارة ثقة البرلمان الأوروبي والجمعية العامة للأمم المتحدة على مدى 9 أيام فقط ليس بالأمر الهين.

وتقود هذه التطورات حملات مساءلة عالمية قوية يمكن أن تشجع القادة السياسيين من جميع الأطياف على نبذ الدولة التي تقمع حقوق الإنسان. ولا تعد هذه استراتيجيات جديدة. بل هم يستمدون هذا من إرث “نيلسون مانديلا” والحملة العالمية ضد الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.

وعندما يُسحب عنه رداء الشرعية، يُترك الديكتاتور في ظل سلطته المتضائلة. ثم يختار بعض الحكام المستبدين مضاعفة قمعهم. لكن مزيج الضغوط الداخلية والخارجية يمكن أن يجبر الكثيرين على التنازل وقبول الإصلاح.

وفي حالة السعودية، فإن أصوات الإصلاح هذه موجودة داخل البلاد وعبر مجتمع المنفى السعودي. ومن بينها الرؤى الديمقراطية لحزب “المجلس الوطني”، الذي شارك في تأسيسه الأكاديمية البارزة “مضاوي الرشيد” والمدافعون عن حقوق الإنسان “يحيى عسيري” و”عبدالله العودة” من المنظمة التي أسسها “جمال خاشقجي”، وهي “الديمقراطية في العالم العربي الآن” (داون).

وسوف تعلم النخب الحاكمة في السعودية قريبا أن استراتيجية الخروج الوحيدة من العزلة العالمية هي تلك التي تتضمن تبني حقوق الإنسان والديمقراطية. ولقد أدت الاستراتيجية السعودية القديمة إلى نتائج عكسية وسط المد المتصاعد للمقاطعات العالمية والمطالبات بالتغيير. وسوف تزداد هذه الاتجاهات فقط، وكذلك الضغط على هذا النظام الملكي لإنهاء وحشيته المستمرة.