تهدد جريمة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، التي سيكون 2 أكتوبر المقبل ذكرى مرور عام على وقوعها، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنفاد شعبيته؛ وفشل توليه فترة رئاسية ثانية، بالانتخابات المقرر إجراؤها في نوفمبر 2020.

وعلى الرغم من مرور عام كامل على الجريمة، ووجود أحداث عالمية مهمة يعيشها العالم والمنطقة، بينها تهديدات بوقوع حرب عالمية ثالثة، فإن جريمة اغتيال خاشقجي بقيت تتصدر اهتمام وسائل الإعلام العالمية حتى اليوم.

فتحُ ملف اغتيال خاشقجي المستمر بات يُطارد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في لقاءاته كافة إقليمياً ودولياً، وهو ما أزعج سلطات الرياض بشدة، خاصة أن محاولات سعودية تجري على قدم وساق لإغلاق القضية، وإسدال الستار على هذا “الكابوس”، الذي يؤرق بن سلمان، الملك المنتظر للبلاد.

ويسعى بن سلمان إلى محو قضية اغتيال خاشقجي من الذاكرة قبل الانتخابات الأمريكية، بحسب ما يشير إليه عديد من المراقبين.

هذا ما تطرق إليه مقال نشرته صحيفة “الإندبندنت” البريطانية، السبت (14 سبتمبر الجاري)، للكاتب المختص بالشؤون العربية باتريك كوبيرن.

وقال كوبيرن، في مقاله الذي حمل عنوان “ولي العهد السعودي يسعى لجعلنا ننسى اغتيال خاشقجي قبل الانتخابات الأمريكية”: إنه “خلال أيام قليلة ستحل الذكرى السنوية الأولى لجريمة قتل خاشقجي، في الوقت الذي تسعى فيه السعودية بكل قوتها للتخلص من صورة الدولة المنبوذة التي أصبح كثيرون حول العالم ينظرون إليها عبر منظارها”.

ويرى كوبيرن أن العلاقة الوطيدة بين بن سلمان والرئيس دونالد ترامب ستضع كثيراً من العراقيل أمام حملة ترامب الانتخابية، وستوفر لمنافسه الديمقراطي الفرصة لشن الانتقادات وتوجيه الاتهامات إليه على مدار العام الانتخابي.

وأضاف أنه وحسب تقرير نشره موقع “ميدل إيست آي” الإخباري، نقلاً عن مصادر وصفها بأنها رفيعة المستوى في دولة الإمارات، فإن بن سلمان يتبنى سياسة تهدف إلى تقليل التركيز على الجريمة، بل إبعادها عن بؤرة الاهتمام الإعلامي بقدر ما يستطيع خلال العام المقبل وحتى نهاية الانتخابات.

ويختم كوبيرن قائلاً: إنه “بغض النظر عما كان ترامب ينتظره قبيل زيارته التاريخية للسعودية عام 2017، فإن النتائج كانت أكبر بكثير. وعلى الناحية الأخرى فإن الرئيس الأمريكي دفع ثمناً سياسياً باهظاً؛ بعد الكشف عن جريمة اغتيال خاشقجي بسبب علاقاته الوطيدة مع بن سلمان”.

 

تسوية قضية خاشقجي

ما ذكره كوبيرن جاء تأكيداً لما كشف عنه موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، في أغسطس الماضي، بخصوص اعتزام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إغلاق ملف قتل جمال خاشقجي بأسرع ما يمكن قبل أن يبدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حملته لانتخابات الرئاسة المقبلة.

وذكر الموقع في تقرير حصري للكاتب ديفيد هيرست، أن محمد بن سلمان يسعى لطي ملف اغتيال خاشقجي، من خلال تسريع محاكمة منفذي الجريمة التي نفذها فريق أمني سعودي.

ونقل عن وثيقة مسربة صدرت بتاريخ 24 مايو الماضي، عن مركز الإمارات للسياسات المرتبط بالحكومة الإماراتية وأجهزة الأمن التابعة لها؛ أن ما يسعى إليه ولي العهد السعودي هو “خطوة حكيمة لطي صفحة الحادثة، من خلال إدانة أعضاء الفريق الأمني الذي تولى قتل خاشقجي، حتى لا تتم إثارة الموضوع في الحملات التي تسبق انتخابات الرئاسة الأمريكية المقرر تنظيمها في نوفمبر 2020”.

 

تحقيقات كالامارد

سهام الاتهامات الدولية باتت توجَّه إلى السعودية من كل صوب، وهو ما جعل صورة المملكة مشوَّهة في الأوساط الدولية، خاصة بعدما أكدت المحققة الأممية أغنيس كالامارد، عقب انتهائها من تحقيقاتها في قضية قتل جمال خاشقجي، امتلاكها أدلة تشير إلى ضلوع مسؤولين سعوديين كبار في الجريمة، من بينهم محمد بن سلمان.

وبينت، في مؤتمر صحفي بجنيف عقدته في يونيو الماضي، أن ولي العهد السعودي ومساعده (سعود القحطاني) ضالعان في جريمة قتل خاشقجي.

وكشفت أنها طلبت تفويضاً لزيارة السعودية، لكنها لم تحصل على إجابة، مضيفة: “نحن أمام جريمة قتل وقعت في تركيا لإسكات صحفي يقيم بأمريكا”.

وأعلنت كالامارد، وهي المحققة الأممية المعنية بالقتل خارج نطاق القضاء والإعدام الفوري والتعسفي، أن هناك أدلة موثوقة تستدعي التحقيق في مسؤولية المسؤولين السعوديين، ومن ضمنهم ولي العهد، في جريمة خاشقجي.

وأوضحت في تقريرها الذي استند إلى تحقيق بالجريمة دام ستة أشهر، أن قتل خاشقجي جريمة دولية يتعين على الدول إعلان اختصاصها القانوني بشأن البت فيها.

 

ضغط الكونغرس

لم يهدأ الكونغرس الأمريكي منذ جريمة اغتيال خاشقجي في أكتوبر الماضي، إذ شهد مطالبات بفرض عقوبات على السعودية، من جراء هذه الجريمة، بالإضافة إلى تدخل الرياض في حرب اليمن.

وفي أغسطس الماضي، قدَّم عضوا الكونغرس الأمريكي؛ الجمهوري ليندسي غراهام، والديمقراطي كريستوفر كونز، مشروع قانون جديداً ينص على المطالبة باعتبار السعودية مسؤولة عن جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي.

جاء ذلك بحسب بيان صادر عن السيناتور غراهام، الذي قال إنه والديمقراطي كونز قدَّما مشروع القانون بالاشتراك.

وكان من اللافت للانتباه أن مشروع القانون مشابه لمشروع قانون مرَّره مجلس النواب الأمريكي في يوليو الماضي.

ومشروع القانون طالب الاستخبارات الوطنية الأمريكية بتحديد المسؤولين السعوديين الضالعين في جريمة قتل خاشقجي؛ ومن ثم فرض حظر على إصدار تأشيرات دخول تلك الأسماء للولايات المتحدة.

وقال السيناتور غراهام في بيانه: “هذا المشروع رسالة إلى الإدارة السعودية، مفادها أن جريمة قتل خاشقجي لن تبقى دون عقاب، فإذا كُنتَ ضالعاً في الجريمة فلن تستطيع القدوم إلى الولايات المتحدة، وهذا هو هدف مشروع القانون”.

بدوره قال السيناتور كونز: “إن لم تكن قِيمنا أهم من مصالحنا، فهما على الأقل على الدرجة نفسها من المساواة. هناك تاريخ طويل لنا مع السعودية؛ لكن الرئيس (دونالد ترامب) فشل في تحميل كبار المسؤولين التنفيذيين بالمملكة الضالعين في الجريمة المسؤولية عن قتل خاشقجي”.

وأضاف: “ومن ثم فإن مشروع القانون هذا يوضح أن الولايات المتحدة لن تغض الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان”.

 

سهام الجريمة تحاصر ترامب

كل تلك الأصوات المؤثرة التي تؤكد ضلوع بن سلمان في جريمة اغتيال خاشقجي، ستكون ذات صدى قوي يهز صورة الرئيس دونالد ترامب أمام ناخبيه في حملة الانتخابات الرئاسية المقبلة.

فالعلاقة الوطيدة التي وثقها ترامب مع بن سلمان، ودفاعه المستميت عنه، قد يكتبان نهاية حكمه، ويكونان سبب فشله في نيل ولاية رئاسية ثانية، وهذا ما ذهب إليه مراقبون، مثل باتريك كوبيرن، في مقاله بصحيفة “الإندبندنت” البريطانية، وديفيد هيرست بموقع “ميدل إيست آي” البريطاني.

فالكاتبان أكدا أن نجاح ترامب مرتبط بتحديد علاقة بن سلمان بقضية خاشقجي، وأن على ولي العهد السعودي أن يغلق ملف هذه القضية، لكي يُبقي على علاقته بالرئيس الأمريكي دون أن يؤثر في سير عملية الانتخابات.

في حين أن الطريق الأسهل والأسرع بالنسبة لترامب، لكي ينجو بسمعته؛ ومن ثم يكسب ثقة مرشحيه، هو أن يوقف دعمه للسعودية وولي العهد محمد بن سلمان؛ لا سيما أن الطريق أمام الأخير لإغلاق ملف القضية يبدو مغلقاً؛ حيث تتعاظم التأييدات الدولية المطالِبة بفرض عقوبات على قتلة خاشقجي، وتستمر الأدلة في الكشف عن تورط بن سلمان في هذه الجريمة.