أعادت تغريدة سابقة للداعية السعودي المعتقل سلمان العودة، أطلقها بتاريخ 10 يوليو/تموز 2014 عن ليلة سقوط عمران (شمال صنعاء) بيد الحوثيين، الحديث بين اليمنيين عن تفاصيل تلك الليلة ومآلاتها، التي مثلت بداية النهاية للدولة والجمهورية في اليمن.

في تلك الليلة، قلّل البعض من خطورة ذلك الحدث، ونظر إلى كونه صدامات عسكرية تأتي في سياق مواجهات الكر والفر المعتادة بين الجيش الوطني وجماعة الحوثي، وصرحت بعض القيادات السياسية اليمنية أن أحداث عمران عملية “قيصرية” ستعيد للدولة هيبتها، وقال آخرون إنها عملية عسكرية استهدفت القوى التقليدية، في إشارة للجناح القبلي والعسكري المحسوب على حزب الإصلاح.

لكن البعض وصف الأحداث هناك بأنها مواجهات بين جماعتي “الحوثي” و”الإصلاح”، لا تستهدف الدولة، وليست الدولة طرفا فيها، غير أن الدكتور سلمان العودة كتب في تغريدة له قال فيها: “سقوط عمران مؤذن بفترة خراب ليمن الحكمة والإيمان”، مستشعرا حجم الكارثة، إلى جانب عدد قليل من اليمنيين الذين أدركوا خطورة ذلك الحدث.

 

ليلة سقوط عمران

مثّلت ليلة سقوط عمران بيد الحوثيين الفصل الأول من فصول الانقلاب، وبسقوط المدينة سقط أول حصون الدولة، إذ قامت جماعة الحوثي باستغلال اتفاق لوقف إطلاق النار مع الحكومة الشرعية، وهجمت على قيادة اللواء 310 مدرع، في الثامن من يوليو/تموز 2014، ومباغتة من كانوا في القيادة، ثم قاموا باعتقال قائد اللواء العميد الركن حميد القشيبي وتصفيته مع مرافقيه، بعد مواجهات مسلحة، انقطع فيها عن القشيبي ورفاقه الذخيرة، وباءت اتصالاته في طلب الدعم بالفشل.

بعد تصفية قائد اللواء القشيبي سقط اللواء العسكري وسقطت محافظة عمران بيد الحوثيين، وأصبحت الطريق سالكة إلى صنعاء، التي تم الزحف باتجاهها وإسقاطها بعد ذلك، ثم السيطرة على مؤسسات الدولة.

 

السعودية عندما فقدت البوصلة

تقول الروايات إن السعودية كانت قد أوعزت للحوثيين بتلك التحركات وقدمت لهم الدعم المادي والمعنوي، من أجل ضرب حزب “الإصلاح”، وتجنيب النظام السعودي الكلفة المادية الهائلة التي أنفقها في ضرب حزب الإخوان المسلمين في مصر، غير أنها أعلنت بعد ذلك الحرب على الحوثيين، عقب زحفهم باتجاه مدينة عدن وسيطرتهم عليها، وهو ما تم اعتباره من السعودية والإمارات خروجا عن الأهداف المتفق عليها، بحسب مراقبين.

وكان الداعية العودة المعتقل في السجون السعودية منذ تاريخ 10 من سبتمبر/أيلول 2017، قد أشار إلى تلك العلاقة المضطربة بين السعودية والحوثي، حيث قال: إن “السعودية مرت بفترة فقدت فيها البوصلة، حيث لم تعد تميز الحوثي أهو صديق أم حليف”، فيما يبدو أنه إشارة للدعم السعودي الذي تلقاه الحوثيون قبل أن يخرجوا عن الخط الذي رسمته السعودية.

وقال العودة في مقابلة تلفزيونية على قناة “روتانا خليجية” السعودية: إن “عاصفة الحزم ورطة في الطريق الصحيح”، معللا ذلك التوصيف بأنه “مرت سنوات أضاعت السعودية البوصلة، حيث لم يعد يعرف المواطن السعودي، هل كان النظام السعودي صديقا للحوثيين أم خصما لهم؟”.

يقول الأكاديمي والباحث في شؤون الجماعات الإسلامية الدكتور أحمد الدغشي: إن “السعودية أيقنت أن المستفيد الأكبر من الثورات في المنطقة هم الإخوان المسلمون في مصر، وحزب الإصلاح الإخواني باليمن، الذي يعد فوبيا عند الأنظمة الاستبدادية”.

وأضاف الدغشي: “السعودية اعتمدت للحوثيين خمسة ملايين ريال سعودي سنويا، إضافة إلى (50) ألف لتر من المشتقات النفطية كل شهر، ونحو ذلك من الدعم، وهذا ما تؤكده مراكز بحثية”، على حد قوله.

وكان الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، قد صرح بعد سقوط عمران بيد الحوثيين، بأنها عادت إلى حضن الدولة، وهو ما يرجح فرضية أن هناك تفاهمات بين هادي والسعودية، من أجل دفع الحوثيين للتخلص من القوى العسكرية المحسوبة على حزب “التجمع اليمني للإصلاح”، خصوصا أولاد الشيخ الأحمر، وقائد اللواء 310 مدرع العميد الركن حميد القشيبي، أهم الشخصيات المحسوبة على الحزب، والتي ساندت الثورة وطالبت برحيل علي عبد الله صالح.

 

تنبؤ أم قراءة سليمة؟

من يلاحظ ما يكتبه العودة، يدرك أن ما يدونه ليس تنبؤا بقدر ما هو قراءة للأحداث في سياقها الصحيح، غير أن تلك القراءة مثّلت إشكالية لدى النظام السعودي، الذي كان يريد تخريج ليلة سقوط عمران وفق رواية تتوافق والرؤية التي كان يريد تصديرها عن نزاع بين مليشيات “الإصلاح” و”الحوثي”، لنجاح الغرض الحقيقي من التحركات الحوثية التي كانت على اتفاق مع النظام السعودي، لضرب حزب “الإصلاح” والقوى العسكرية الموالية للثورة و الحد من نفوذهم القبلي والعسكري.

ويبدو أن تلك القراءة للداعية السعودي البارز، إلى جانب قراءات عن حوادث أخرى، مثّلت تراكما أسفرت عن اعتقاله في الأخير.

 

مذبحة رابعة

وعن أحداث مصر وفض اعتصام رابعة، كتب الشيخ سلمان العودة تغريدة على حسابه في “تويتر” قال فيها: ” ألا يا أيها المستبشرون بقتلهم .. أطلّت عليكم غمةٌ لا تفرج “.

قرأت هذه التغريدة الجريئة في حينه، ما سيكون عليه المشهد في مصر مستقبلا، وعبّرت في الوقت نفسه عن موقف العودة من فض اعتصام رابعة، وهو موقف يأتي على الضد من موقف النظام السعودي، الذي دعم الثورة المضادة في مصر ومذبحة رابعة في الـ 14من أغسطس/آب 2013.

وقال الكاتب والباحث في العلاقات الدولية عامر أبو اليسر: إن “للدكتور سلمان العودة متابعون على مواقع التواصل الاجتماعي بعدد سكان السعودية، فأكثر من 13 مليون شخص على تويتر و نحو 7 ملايين متابع على الفيسبوك، فضلا عن متابعين على منصات التواصل الاجتماعي الأخرى، قد أثار قلق النظام السعودي، نظرا لحجم التأثير الواسع، خصوصا أن العودة كان نشيطا على تلك المنصات، وكان يكتب أحيانا ما لا يروق للنظام السعودي”.

وأضاف أبو اليسر : “لم تمثّل تغريدات العودة قراءة سليمة وحسب، بل عبّرت عن موقف شجاع وجريء أيضا، فإن يقول العودة ذلك في ظل نظام قمعي لا يغفر للمخالفين، ولا يريد لهم أن يغردوا إلا بما يملي هو عليهم، هو أمر جريء وشجاع، ويبدو أن ذلك المنهج الذي اختطّه لنفسه في طريقة فهم تلك الأحداث كان السبب الرئيس الذي أسفر عن اعتقاله من الأجهزة الأمنية السعودية”.

 

التغريدة الأخيرة

قبل اعتقاله في مغرب يوم الأحد، 10 من سبتمبر/أيلول 2017 ، كتب الدكتور العودة تغريدة قال فيها: “ربنا لك الحمد لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك.. اللهم ألّف بين قلوبهم لما فيه خير شعوبهم”. وذلك بعد أنباء نقلتها وكالتي الأنباء القطرية والسعودية عن اتصال جرى بين أمير قطر تميم آل ثاني وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وهي التغريدة التي تم اعتبارها تعاطفا مع قطر ودعما للإخوان.

ومع أنه لا يفهم منها التعاطف مع نظام معين، ويفهم منها الرغبة في إنهاء الخلافات، إلا أنه تم اعتبارها تعاطفا، والتعاطف جريمة تستحق العقاب، وفق قوانين الأجهزة الأمنية والاستخباراتية السعودية، بحسب مراقبين.