في خطوة تؤذن باستئناف العلاقات بين الرياض وإسلام آباد بعد سنوات من الفتور، أعلنت السعودية في 27 أكتوبر/ تشرين الثاني 2021 عن تقديم 4.2 مليار دولار كمساعدات لباكستان التي تواجه ضغوطا اقتصادية، بعد عدم استطاعتها التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي.

دعم السعودية المالي جاء بعد يومين فقط من زيارة أجراها رئيس وزراء باكستان عمران خان إلى الرياض بمناسبة قمة “مبادرة الشرق الأوسط الأخضر” وهي الثانية له خلال عام 2021، الأمر الذي يؤشر إلى فتح صفحة جديدة من العلاقة بين البلدين وطي الخلافات.

وأوضح وزير المالية الباكستاني، شوكت تارين، أن السعودية ستودع ثلاثة مليارات دولار في بنكها المركزي للمساعدة في تعزيز احتياطيها من النقد الأجنبي المتقلص.

وقال عبر “تويتر” في 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 إن “المملكة ستمول أيضا تجارة المشتقات النفطية في بلاده بقيمة 1.2 مليار دولار”

ووجه رئيس الوزراء الباكستاني الشكر للسعودية على الدعم المالي وقال عبر حسابه على “تويتر” في 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 إنه “طالما كانت المملكة موجودة في أوقاتنا الصعبة، بما في ذلك الآن عندما يواجه العالم ارتفاعا في أسعار السلع الأساسية”.

 

انفراجة بالعلاقات

الوديعة المالية تشير إلى عودة العلاقات السعودية- الباكستانية بعد خلافات دبت بين الطرفين منذ العام 2015، وبلغت أوجها في 2020، حينما طالبت الرياض من إسلام آباد برد جزء من قرض ميسر بقيمة 3 مليارات دولار.

وتوترت العلاقة بينهما منذ أبريل/ نيسان 2015، حينما صوت البرلمان الباكستاني لصالح قرار يقضي بعدم التدخل في اليمن، في إطار تحالف عسكري أطلقته السعودية للتصدي لتقدم الحوثيين وسيطرتهم على العاصمة صنعاء.

وعلى الرغم من العلاقات الوثيقة لرئيس الوزراء آنذاك نواز شريف مع المملكة، فإن هذه المعارضة جعلت حكومته غير موثوقة في نظر الرياض.

وفي محاولة للتخفيف من انزعاج الرياض، شاركت باكستان في التدريب العسكري “الرعد الشمالي” عام 2016 مع السعودية وحلفائها، بالإضافة إلى التدريبات المشتركة بين القوات الخاصة في كلا البلدين.

وفي حينها مثل الرفض الباكستاني للانخراط في دعم جهود التحالف العسكري باليمن خيبة أمل كبيرة للرياض، وتطورت الخلافات بين الجانبين حتى شملت منطقة كشمير المتنازع عليها بين نيودلهي وإسلام آباد.

وعلى أثر ذلك، لوحت باكستان بشكل مبطن بأنه في حال لم تعقد “منظمة التعاون الإسلامي” التي تقودها السعودية اجتماعا رفيع المستوى بشأن كشمير، فإنها ستذهب في خيار عقد اجتماع لدول إسلامية من خارج منظمة التعاون، وما يعنيه ذلك من تقويض لزعامة المملكة الإسلامية.

وفي خطوة أخرى اعتبرتها الرياض استفزازية، حضر رئيس الوزراء الباكستاني مؤتمرا في ديسمبر/كانون الأول 2018 في كوالالمبور، نظمته تركيا وماليزيا وإيران، في شكل بدا وكأنه يستهدف “منظمة التعاون الإسلامي” التي تقودها السعودية.

وأدى ذلك إلى تفاقم الأزمة بين باكستان والسعودية، حيث سارعت الأخيرة إلى المطالبة وبشكل غير معهود باسترجاع مليار دولار من قرض بقيمة 3 مليارات دولار كانت قد قدمته إلى إسلام آباد، رافضة كذلك تجديد تسهيل ائتماني نفطي بمليارات الدولارات.

لكن العلاقات بين البلدين أخذت في العودة إلى وضعها الطبيعي، بعدما زار عمران خان في مايو/أيار 2021 الرياض وبحث مع ولي العهد محمد بن سلمان العلاقات الثنائية والقضايا ذات الاهتمام المشترك.

وخلال زيارة عمران خان إلى العاصمة الرياض وقع الطرفان اتفاقا لإنشاء مجلس التنسيق الأعلى السعودي- الباكستاني، وشهدا التوقيع على اتفاقيتين ومذكرتي تفاهم.

 

أسباب العودة

العودة في العلاقات بين باكستان والسعودية، فسرها موقع “فيرست بوست” الهندي في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 بالقول إن “الرياض تسعى إلى مساعدة إسلام آباد بهدف الحد من العلاقات الباكستانية- الإيرانية المتنامية”.

وأشار التقرير إلى أن “العلاقات المتنامية مع باكستان قد تواجه تحديات مع علاقات الرياض الاقتصادية المتنامية مع الهند”.

وأوضح أن السعودية تريد إعادة مكانتها إلى المنطقة بعد أن طغى عليها “منافسوها الإقليميون لبضع سنوات”، كما تريد أن تبين لها أنه لا يمكن الاعتماد على العلاقات بين باكستان والصين القائمة على القروض.

ورغم أن باكستان لن تحصل على دعم السعودية فيما يتعلق بإقليم كشمير فإنها ستكون “سعيدة” بالاكتفاء بدعمها الاقتصادي لها، حسبما أورد تقرير الموقع الهندي.

ولفت التقرير إلى أن العلاقات بين الطرفين، لها جذور تاريخية مهمة، تعود إلى حقبة الستينيات عندما درب عناصر من الجيش الباكستاني القوات المسلحة السعودية في تلك الفترة، وتلاها مزيد من التعاون العسكري في فترة السبعينيات والثمانينيات.

إذ قالت الحكومة الباكستانية حينها إنه يوجد نحو 2000 عسكري باكستاني في السعودية ينفذون مهام هندسية وتدريبية.

وبينما دعمت الرياض إسلام آباد بمساعدات وقروض بمليارات الدولارات في السنوات الأخيرة، فإن المملكة حريصة أيضا على عدم إغضاب الهند، وهي شريك تجاري رئيسي لها ومستورد للنفط السعودي، وفق ما قالت وكالة الأنباء الفرنسية في 8 مايو/ أيار 2021.

وتقيم باكستان علاقات وطيدة مع السعودية حيث يعيش ويعمل أكثر من 2.5 مليون من مواطنيها، لكنها تحافظ أيضا على علاقات وثيقة مع إيران.

وعلى مدى عقود، حاولت الدولة تحقيق التوازن بين علاقاتها القوية مع السعودية وإيران التي لها حدود مشتركة معها تمتد على ألف كيلومتر تقريبا.

وفي العام 2019، أجرى عمران خان زيارة مكوكية إلى السعودية وإيران في محاولة لتهدئة العلاقات بين الخصمين اللدودين في منطقة الشرق الأوسط.

 

عزلة مشتركة

وفي ظل عودة العلاقات بين الرياض وإسلام آباد، رأت مجلة “ناشيونال إنترست” الأميركية خلال تقرير لها في 8 يونيو/حزيران 2021 أن “كلا من السعودية وباكستان تواجهان عزلتهما الدولية بالعمل على إصلاح العلاقات بينهما”.

وقالت المجلة الأميركية إن “العلاقة السعودية الباكستانية أظهرت مرونة في تحمل التحديات الناشئة عن التغيرات الجيوسياسية في جنوب آسيا والشرق الأوسط”.

ومع ذلك، فقد تغيرت علاقتهما، مما يتطلب من القيادة العليا على كلا الجانبين إعادة تقييم توقعات كل منهما ومطالبه وخطوطه الحمراء للحفاظ على نفس المستوى من العلاقة التي كانت موجودة قبل عام 2015.

وتحدثت المجلة عن عوامل تعكس التقارب السعودي الباكستاني، من بينها ما وصفته بـ”العزلة” التي تواجه كلا من إسلام آباد والرياض، حيث تحتاج كل منهما إلى الأخرى أكثر من أي وقت مضى.

وأضافت: “توقفت الدول الغربية التي تقودها الولايات المتحدة عن مساعدة الرياض في حربها باليمن، بما في ذلك بعض الدول التي تفرض حظرا على الأسلحة على المملكة.

وفي الوقت نفسه “يتضاءل بروز باكستان في عواصم غربية مهمة مع انسحاب الولايات المتحدة وقوات الناتو (حلف شمال الأطلسي) من أفغانستان”، وفق المجلة.

إلى جانب ذلك، كانت إسلام آباد منزعجة أيضا من وضع مجموعة العمل المالي لباكستان على القائمة الرمادية فيما يتعلق بتمويل الإرهاب.

وبحسب المجلة، فإنه للتخلص من هذه الانتقادات الغربية، تعمل السعودية على تصالحها مع قوى إسلامية مهمة، مثل باكستان وقطر وتركيا وإيران.

وأكدت أن “الرياض بحاجة إلى إسلام آباد، القوة النووية المسلمة الوحيدة، لضمان عدم انجراف الأخيرة نحو تركيا والاحتفاظ بمكانتها كزعيم بلا منازع للعالم الإسلامي، فلقد دعمت باكستان تاريخيا قيادة المملكة للأمة”.

في غضون ذلك، “تحتاج باكستان إلى سخاء السعودية لأسباب اجتماعية واقتصادية لتجنب الشروط القاسية التي يفرضها صندوق النقد الدولي”.

 

حاجة سعودية

من جهته، يرى المحلل الباكستاني قمر تشيما خلال تصريحات صحفية في 9 يونيو/ حزيران 2021 أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وكذلك عمران خان لم يتلقيا أي مكالمة من الولايات المتحدة.

وأضاف تشيما أنه في إطار تقارب السعودية بدول مثل قطر وتركيا وإيران “نجحت الرياض في إقناع إسلام آباد بأنها لن تكون ذلك الشريك الصريح لها في قضية كشمير مع الهند، وقد أدركت باكستان ذلك”.

وفي المقابل، رأى اللواء السعودي المتقاعد محمد الحربي، أن “عضوية باكستان في التحالف العسكري الإسلامي لمكافحة الإرهاب، الذي أنشأته الرياض، تعتبر إضافة نوعية لهذا التحالف الذي يعد المنظومة الأساسية لمكافحة التطرف ودعم قيم الوسطية والاعتدال على مستوى العالم الإسلامي”.

وأعلنت المملكة العربية السعودية في 15 ديسمبر/ كانون الأول 2015 تشكيل تحالف عسكري من 41 دولة إسلامية، يهدف إلى محاربة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره أيا كان مذهبه وتسميته، حسبما أفاد به بيان إعلان التحالف.

وأضاف الحربي المختص في الدراسات السياسية والإستراتيجية، خلال تصريحات صحفية في 9 يونيو/ حزيران 2021 أن “هناك تعاونا كبيرا مشتركا في المجال العسكري بين المملكة وباكستان، وتنفذ الدولتان تمارين عسكرية دورية ومناورات مشتركة، لتطوير المهارات القتالية لضباط وأفراد القوات”.

وأكد أن المملكة تهتم بتنمية وازدهار إسلام آباد، فقد قدم الصندوق السعودي للتنمية العديد من المساعدات لباكستان، منها 20 قرضا تنمويا للمساهمة في تنفيذ 17 مشروعا في قطاعات الطاقة والسدود والمياه والصرف الصحي والنقل والبنية التحتية بقيمة 3.5 مليار ريال.