خلال الفترة الماضية عمد الإعلام السعودي إلى الترويج لانخفاض معدلات البطالة في المملكة، والتأكيد على نجاح سياسة السعودة، وإبراز قرارات تبدو في ظاهرها أنها تصب في مصلحة الوافدين، والاحتفاء بمتانة الاقتصاد السعودي والإشادة بخطط ولي العهد نحو تنويع مصادر الدخل.

زعم الإعلام السعودي حرص ابن سلمان على رفع الإيرادات غير النفطية وخفض الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للدخل القومي، وبناء اقتصاد متنوع قادر على تحقيق الاستدامة والقوة الاقتصادية التي لا تتأثر بالأزمات العالمية.

ضبابية شديدة باتت تحكم المشهد الاقتصادي في المملكة في ظل سياسات متخبطة لنظام آل سعود، وإصرار على رؤية 2030 التي أطلقها ولي العهد، في 25 أبريل/نيسان 2016، والتي يجزم خبراء وجهات مختصة بفشلها.

خلال العامين الماضيين، فرض ولي العهد، الضرائب على المشتريات المسماة “ضريبة القيمة المضافة”، ورفع أسعار الوقود الذي تنتجه الدولة وتبيعه بمكاسب كبيرة ليصبح سعر بنزين 91 أوكتين 1.53 ريال ارتفاعا من 1.44 ريال، وبنزين 95 أوكتين 2.18 ريال ارتفاعا من 2.10 ريال، بالإضافة إلى رفع أسعار الكهرباء بنسب تصل إلى 500% ورفع أسعار المياه.

وفي محاولات متواصلة لإنقاذ الاقتصاد بقرارات غير مدروسة، تم التضييق على الوافدين بفرض رسوم وضرائب عليهم وعلى ذويهم وكفلائهم، وتضييق على المستثمرين، وفي مخالفة لكل الأعراف توجه للاستثمار في “الترفيه” كبديل عن النفط، وصولا إلى عرض أرامكو للاكتتاب، وكلها محاولات باءت بالفشل.

 

ارتفاع البطالة

الوقائع والتقارير الاقتصادية وبيانات المؤسسات الدولية والجهات الرسمية، أثبتت عكس تلك الادعاءات والمزاعم البراقة، حيث أكدت صحيفة “بلومبيرغ” الأمريكية أن نسبة البطالة في المملكة لا زالت مرتفعة بنسبة 12%، رغم جملة المعالجات التي قامت بها السلطة، ومنها التشدد في تطبيق سياسة سعودة الوظائف، والتضييق على  العمالة الوافدة.

الصحيفة الأمريكية أكدت في تقريرها في نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، أن معدلات البطالة في المملكة لن تنخفض في السنوات القادمة، مشيرة إلى أن أي تقدم في القطاع غير النفطي، لا يمكن له أن يسهم في حل مشكلة البطالة التي تعاني منها السعودية.

ما ذهبت إليه الصحيفة الأمريكية، سبقه تخفيض صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير الذي أصدره في سبتمبر/أيلول الماضي، توقعاته للنمو في السعودية إلى 0.2%، بعدما كانت توقعات سابقة عند مستوى 1.6 في أبريل/نيسان الماضي، و1.9 في يوليو/تموز الماضي، وذلك على خلفية تراجع أسعار النفط.

وبالإضافة إلى أن هذه تعد أسوأ توقعات للنمو في المملكة منذ أن انكمش اقتصادها في العام 2017 بنسبة 0.7 بالمئة، فقد ألحقت وكالة فيتش العالمية ضربة كبيرة للاقتصاد السعودي، حيث خفضت التصنيف الائتماني للسعودية درجة واحدة من “أي+” (A+) إلى “أي” (A).

وهو ما يعني زيادة تكلفة الاقتراض على المملكة من الأسواق العالمية، كما توقعت عجزا ماليا للمملكة بنسبة 6.7% من إجمالي الناتج المحلي خلال العام الجاري بسبب السياسة المالية وهبوط أسعار النفط مقارنة بعجز بنسبة 5.9% خلال العام الماضي.

وأرجعت الوكالة في تقريرها سبب تخفيض التصنيف إلى تصاعد التوترات الجيوسياسية والعسكرية في منطقة الخليج وتدهور المركز المالي للمملكة.

الوكالة نبهت إلى أن هذا الهبوط المتوقع يمثل رياحا معاكسة لبرنامج التوازن المالي الذي تهدف من خلاله الحكومة السعودية إلى تحقيق التوازن المالي عام 2030.

 

عجز الموازنة

سجلت الرياض عجزا ماليا في السنوات المالية الأخيرة، بلغ أكثر من 300 مليار دولار، بحسب أرقام حكومية، وتتوقع الحكومة عجزا بنحو 34 مليار دولار في موازنة 2019.

كما توقع صندوق النقد الدولي ارتفاع عجز الموازنة السعودية إلى 6.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2019، مقابل 5.9 بالمئة في 2018.

وأرجع ذلك إلى زيادة متوقعة أيضا في الإنفاق عن السقف المدرج في الموازنة بما يفوق الزيادة في الإيرادات غير النفطية. فيما توقعت الحكومة عجزا بنحو 34 مليار دولار في موازنة 2019.

وأفادت صحيفة الاقتصادية أن حجم الدين العام السعودي المتوقع لعام 2020 من المقدر أن يبلغ نحو 754 مليار ريال (201 مليار دولار)، بنسبة نمو بلغت 11.2 في المائة عما كان عليه عام 2019 المتوقع أن يبلغ فيه الدين نحو 678 مليار ريال.

ومن المقدر أن يشكل الدين العام نحو 26 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2020، مقارنة بنحو 24 في المائة لعام 2019، فيما يتوقع أن يصل إلى 29 في المائة في عام 2022 -وفقا لتحليل الصحيفة-.

 

نتائج عكسية

وفيما يتعلق بفرض الضرائب على الوافدين والعمالة الأجنبية ما دفعهم إلى مغادرة المملكة، والتي كانت تهدف إلى تحصيل ما يصل إلى 17 مليار دولار منهم، والتي تشير الأرقام إلى أن 53% منهم لا يتجاوز دخلهم الشهري 800 دولار، حسب مجلة بيزنس إنسايدر.

صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية أكدت فشل تلك القرارات، وأشارت إلى إقرار المسؤولين الحكوميين بأن سياساتهم المتّبعة تتسبب في خلق عجز اقتصادي، لكنهم يعتقدون أنها ضرورية لإصلاح المشكلات العميقة التي لطالما كانت مخفية وراء عائدات النفط.

وتحدثت الصحيفة عن عدم رضاء السعوديين عن البرنامج الاقتصادي، رغم التغييرات التي أدخلها الملك ونجله على المجتمع السعودي، كالسماح للنساء بقيادة السيارة وحضور مباريات كرة القدم.

وأكدت الصحيفة أن الاقتصاد السعودي يعاني من هجرة جماعية للعمال الأجانب، ومعظمهم من الطبقة العاملة من جنوب آسيا والفلبين، لافتة إلى أن المملكة كانت تستضيف  7.4 مليون عامل أجنبي، لكن أكثر من مليون منهم غادروا البلاد منذ أن فرضت الحكومة ضرائب جديدة على الشركات التي توظفهم، بالإضافة إلى فرض رسوم على عائلاتهم.

وأوضحت الصحيفة أنه نتيجة هجرة العمالة وانخفاض عدد الأشخاص الذين ينفقون الأموال، دخل الاقتصاد في حالة انكماش منذ بداية العام الجاري، ووفقا للبنك المركزي السعودي، انخفضت أعداد المستهلك بنسبة 2.2 بالمئة في فبراير/شباط الماضي مقارنة بالشهر ذاته من السنة الماضية، وهو أكبر انخفاض منذ الركود الذي واجهته البلاد سنة 2017، وفقا لبيانات الحكومة السعودية.

وأكد مراقبون تضرر العمالة الوافدة بسبب القوانين التي تفرض رسوما باهظة على الوافدين وأسرهم هناك، جازمين بأن القطاع الخاص هو أول المتضررين من مغادرة العمالة الأجنبية، بسبب عجز السعوديين عن تغطية الفراغ الذي كان يشغله العمال المغادرون.

 

القطاع الخاص

القطاع الخاص الذي تقوم رؤية ابن سلمان 2030 على التوجه نحوه، شهد أيضا تضررا كبيرا، ليس على مستوى هروب العمالة فقط، وإنما رؤية “ابن سلمان” كانت مصدر قلق بالنسبة لرجال الأعمال السعوديين.

ركزت خطة “ابن سلمان” على زيادة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الخام، من 40 بالمئة إلى 65 بالمئة. كما وضعت الحكومة هدفا لخلق 450 ألف وظيفة غير حكومية بحلول سنة 2020.

إلا أن صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية رصدت إغلاق العديد من المحلات في مدينة جدة القديمة أبوابها وعرضها للبيع، مشيرة إلى شكوى التجار من انخفاض المبيعات إلى جانب ارتفاع التكاليف بسبب السياسات الحكومية.

ونقلت الصحيفة عن شكاوى أصحاب الشركات، المتمثلة في اضطرار بعضهم إلى تسريح أعداد من الموظفين من أجل تخفيف عبء الرسوم المفروضة على تشغيل الوافدين، والتأقلم مع البيئة الاقتصادية الجديدة.

وأكدت الصحيفة أن الشركات السعودية كانت من أكثر المتضررين من قرارات محمد بن سلمان، ذلك أن التخفيضات الكبيرة في دعم الطاقة إلى جانب رفع الضرائب، قد أثرا بشكل مباشر على إنفاق العائلات السعودية.

ولفتت الصحيفة إلى أن المستثمرين يتوخون الحذر خاصة فيما يتعلق بالقطاعات التي من شأنها أن تلعب دورا هاما في الجهود الرامية إلى تكريس إستراتيجية تنويع الاقتصاد.

 

قرارات عشوائية

الناشط السعودي المعارض ماجد الأسمري، أكد أن كل من يراقب سياسات الحكومة السعودية منذ تولي ابن سلمان لولاية العهد يجد أن القرارات التي تتخذها السلطة عشوائية وهوجاء وكارثية على جميع الأصعدة.

وأضاف في حديثه مع “الاستقلال”: أن كل القرارات هي بنات أفكار ابن سلمان، ومن يطيعونه ويظهرون له أن أفكاره فذة وعبقرية ولم يسبقه إليها أحد، يقرونها نفاقا دون أي مناقشة أو تمحيص أو تنقيح، وبهذه الطريقة يتم تدمير اقتصاد البلد والإنسان الذي يعمره.

وبشأن قرارات فرض الرسوم على العمالة الوافدة وذويهم المرافقين لهم، أكد “الأسمري” أنها أدت إلى إفلاس الكثير من شركات القطاع الخاص وخسائر كبيرة بالمليارات للمستثمرين، والسبب هو مغادرة كثير من العمالة لعدم استطاعتهم دفع الرسوم الشهرية الباهظة، تاركين وراءهم فراغا مفاجئا في مجال أعمالهم،  ولا يمكن ملؤه مباشرة بمواطنين لأسباب مختلفة، معقبا: “لا هم وظفوا المواطنين بدلا من الوافدين ولا تركوا الوافدين يؤدون مهامهم لذلك خسرت الشركات وأفلس الكثير منها”.

وتابع: “مع العلم أن الوظائف التي يشغلها غربيون لم تتأثر مطلقا بالسعودة أو الرسوم الجديدة على الوافدين ومرافقيهم، الفرد الواحد منهم يتقاضى من الرواتب الشهرية الهائلة والمميزات كالسكن والمواصلات وتذاكر السفر ما يكفي لتوظيف أعداد من أبناء بلادنا”.

وعن القرارات المتعلقة بفرض ضريبة القيمة المضافة، أكد الأسمري أنها من قرارات “ابن سلمان” الاقتصادية المدمرة أيضا، والتي أدت إلى ارتفاع أسعار السلع بأنواعها، وزادت من الضغط على المواطنين الذين تعاني نسبة كبيرة منهم من تدني الرواتب والفقر والبطالة ووقف الخدمات والديون.

ولفت إلى أن الضرائب والرسوم الجديدة طالت الشركات بالقطاع الخاص، فضيّق عليها بأنظمة ضريبية وإجراءات مالية جائرة مجحفة من وزارة التجارة والضمان الاجتماعي ومكتب العمل وغيرها، مما يضاف إلى أسباب خسارة أو إفلاس الكثير منها.

وجزم “الأسمري” بأن الكثير من المواطنين يغرّمون ويطالبون برسوم غير مبررة إطلاقا، حتى بالنظام المعمول به، فقط لاستنزاف أموالهم، مشيرا إلى أن من لديه سجل تجاري ويتعامل مع الجهات الملزم بها، يعلم قدر هذه المعاناة وشره الحكومة السعودية في إلزامه بدفع ما لا يستحقونه منه شرعا أو نظاما.

 

سوق سوداء

وتوقع سيد السباعي عضو لجنة الاستثمار الأجنبي سابقا في غرفة تجارة جدة، أن يزداد عجز الميزانية عاما بعد عام وأن تزداد البطالة، ويزيد التضخم والتي تنذر بتفاقم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية في السعودية أكثر فأكثر، قائلا: “النظام السعودي أثبت أنه أحد أوضح الأمثلة على الأنظمة العشوائية، المتخبطة في سياساتها وخططها، بل والتطرف في تنفيذ أي قرار”.

وأضاف في حديثه مع “الاستقلال”: “النظام كان يجلب الوافدين للإقامة في البلاد بطريقة عشوائية ويشجع تجارة تأشيرات الإقامة فتنشأ في البلاد سوق سوداء لهذه التأشيرات وتصل قيمتها لعشرات آلاف الريالات، بل الأدهى أن تصبح التأشيرات (أُعطيات) فحين يطلب أحد الأمراء من الملك أو ولي عهده أُعطية يمنحونه آلاف التأشيرات ليبيعها و(يسترزق) وبالطبع تكون تأشيرات غير مرتبطة بعقود عمل حقيقية فيصل الوافد للبلاد ويعمل لحسابه الشخصي”.

ولفت إلى أن النظام أصبح الآن يطلق هجوما شرسا ضد الوافدين مسلحا بحملات إعلانية تطالب بالتبليغ عن الوافدين والمقيمين الذين يعملون خارج سيطرة كفلائهم من الشركات والمواطنين (الذين استجلبهم النظام بنفسه سابقا وسمح لهم العمل بحرية مطلقة)”.

مضيفا: “ثم يَدّعي أن الوافدين هم أساس كل بلاء في البلاد ويضع عينه على رواتبهم للاستفادة منهم وعصر جيوبهم لدعم خزينته فيرهقهم بالرسوم والإجراءات التي وصلت لمنع أطفالهم من الدراسة في المدارس الحكومية، بل وصل حتى للقمة عيشهم، ويريد فرض الرسوم على تحويلات رواتبهم الضئيلة التي جنوها بعرقهم وتعبهم والتي ينتظرها أهلهم في بلادهم ليعيشوا بأبسط الإمكانيات الحياتية”.

ولفت إلى أن النظام أيضا يتشدد تارة تجاه إنشاء الأجانب لمنشآت تجارية فيمنعها بتاتا في الثمانينات والتسعينات وتارة يوقع الاتفاقيات الدولية ويصدر المراسيم لجذب الاستثمارات الأجنبية في بداية الألفية الثانية، ثم يعود بعد حوالي 10 سنوات فيخالفها ويحارب المستثمرين بادعاء حرمانهم ومزاحمتهم للمستثمرين من المواطنين.

وتعجب السباعي من انقلاب النظام مرة أخرى، وادعائه الوفاء بكل التزاماته الدولية ويطلق خطة أسماها (رؤية 2030) التي أهم أعمدتها مبنية على جذب الاستثمارات الأجنبية، مؤكدا أن مع هذا كله وغيره من الكثير من القرارات لم يتحسن الوضع الاقتصادي للبلاد ولا المعيشي للمواطن.

وأكد أن العكس هو ما حدث، فقد زاد عجز الميزانية وازدادت البطالة ما أدى لإطلاق العاطلين السعوديين عن العمل للوسوم المختلفة على منصات التواصل الاجتماعي مثل: #تجمع_العاطلين_السعوديين الذي وصل لقمة الوسوم في السعودية حوالي 32 مرة.