سلطت صحيفة إيطالية الضوء على “الاستقبال الحار” الذي حظي به ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، خلال زيارته إلى فرنسا في 28 يوليو/تموز 2022، وما تبعه من انتقادات حقوقية واسعة.

وجاء في بيان ختامي مشترك بين الرياض وباريس، أنه جرى خلال اللقاء عقد جلسة مباحثات رسمية، وتم استعراض العلاقات التاريخية والإستراتيجية بين البلدين، وسبل تطويرها في جميع المجالات”.

كذلك تم تبادل وجهات النظر حول مجمل الأوضاع الإقليمية والدولية الراهنة، وفق ما نقلت وكالة الأنباء السعودية “واس”.

 

انتقادات شديدة

وترى صحيفة “إيل بوست” أن “هذا الاستقبال الحار يكذب مزاعم عزلة دولية للرياض روج لها الغرب بسبب انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم ارتكبت تحت قيادة ابن سلمان”.

وقالت إن “الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تعرض لانتقادات شديدة بسبب ترحيبه الحار بولي العهد والزعيم غير الرسمي للسعودية ابن سلمان”.

وتتعلق الانتقادات بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والجرائم التي يتهم الأمير بارتكابها، بما في ذلك اغتيال الصحفي جمال خاشقجي.

وذكرت إيل بوست أن “تحقيقات مختلفة، بما في ذلك تحقيق المخابرات الأميركية، كانت قد كشفت أن ولي العهد السعودي ضالع في عملية اغتيال الكاتب بصحيفة واشنطن بوست، داخل مبنى قنصلية المملكة بإسطنبول”.

وأشارت إلى أن “زيارة ابن سلمان باريس، ثاني محطاته ضمن جولة أوروبية بعد أثينا، تعد الأولى إلى أوروبا منذ 2018، عام مقتل  المعارض خاشقجي”.

ولفتت الصحيفة الإيطالية إلى أنه “قبل ذلك، حل خلال الأشهرة الأخيرة بعض القادة الغربيين خاصة الرئيس الأميركي جو بايدن في زيارات رسمية إلى الرياض”.

وذكرت أن “الزيارات واللقاءات التي جمعت ولي العهد السعودي خلال الأشهر الأخيرة مع قادة العالم الآخرين، أثارت جدلا كبيرا وانتقادات واسعة، لا سيما وأنها عدت إعلانا بنهاية العزلة الدولية المفروضة على ابن سلمان بعد مقتل خاشقجي”.

وعلقت إيل بوست بأن “تنفيذ عزلة حقيقية على المملكة كان صعبا في الواقع، خصوصا وأن البلاد تعد واحدة من المصدرين الرئيسين للنفط”.

وأكدت أن “هذا المورد أصبح أكثر طلبا منذ أن بدأت العديد من الحكومات في إبرام اتفاقيات جديدة مع موردين آخرين لتنويع مصادر الإمدادات؛ بهدف التقليل من الاعتماد على روسيا”.

وبحسب الصحيفة الإيطالية، ركزت الانتقادات على بعض الحركات والحيثيات الخاصة بزيارة ابن سلمان إلى باريس.

وخصت بالذكر تعليق صحف فرنسية وغيرها على ما وصفتها بـ”المصافحة الدافئة” بين الطرفين واستمرارها لعدة ثوان، استخدم خلالها ماكرون كلتا يديه، كما كانت هناك ابتسامات وأجواء ودية للغاية ومريحة، وفق تعبيرها.

وأشارت “إيل بوست” إلى أن انتقادا مماثلا وجه للرئيس الأميركي بايدن، إثر استخدامه قبضة اليد وبإيماءة عدها كثيرون متناقضة مع فكرة استعادة الثقة بين الطرفين.

وخلال مراسم الاستقبال في قصر “السلام” بمدينة جدة، تبادل الطرفان السلام عبر قبضة اليد دون مصافحة، ما أثار انتقادات عديدة لبايدن.

ويذكر أن بايدن صرح خلال الحملة الانتخابية لعام 2020، قبل صعوده للسلطة، أنه يرغب في جعل النظام السعودي “منبوذا دوليا”.

 

جلاد خاشقجي

كما شملت الانتقادات دعوة ماكرون ابن سلمان لتناول عشاء عمل في قصر الإليزيه.

من جانبه، تساءل يانيك جادوت، السياسي الفرنسي وعضو حزب “أوروبا البيئية الخضر”، ومرشح سابق للانتخابات الرئاسية في أبريل/نيسان 2022: “ماذا سيكون على قائمة طعام العشاء بين ماكرون وابن سلمان؟ جثة الصحفي خاشقجي المقطعة؟”.

كما تحدثت وسائل إعلام عن إقامة ابن سلمان في قصره الفاخر “لويس الرابع عشر”، المصنف عام 2015 “أغلى منزل في العالم”، وفق مجلة “فورتشن” الأميركية بعد أن بلغت قيمته في ذلك الوقت حوالي 275 مليون يورو.

ويقع العقار الفخم لابن سلمان في مدينة “لوفيسيين” على بعد كيلومترات قليلة من العاصمة باريس، وجرى تصميمه على شاكلة قصر فرساي القريب والذي بناه لويس الرابع عشر وكان مقر العائلة المالكة الفرنسية.

وتحيط بالقصر مساحة جملية تقدر بحوالي 7000 متر مربع، وتضم ملهى ليليا وقاعة سينما وغرفة تحت الأرض تستخدم كحوض مائي.

وقالت الصحيفة الإيطالية إن “ما لفت الانتباه في هذه المسألة، أن من بنى هذا المنزل الضخم هو قريب الصحفي المعارض خاشقجي، رجل الأعمال المولود في لبنان عماد خاشقجي الذي يدير شركة لتطوير العقارات الفاخرة في فرنسا”.

ولفتت إلى أن “إقامة ابن سلمان خلال الزيارة بالقصر المذكور مع كل وسائل الراحة والرفاهية، غذت الشعور بالإفلات من العقاب على اغتيال المعارض وبشكل عام الإفلات من المحاسبة على القمع المنهجي الذي يتعرض إليه العديد كل يوم على أيدي النظام السعودي.”

كما وجهت انتقادات لماكرون من خطيبة خاشقجي، خديجة جنكيز وقالت إنها تشعر “بالصدمة والغضب من تكريم ماكرون لجلاد شريكي”.

وأضافت جنكيز أن “ارتفاع أسعار الطاقة بسبب الحرب في أوكرانيا لا يمكن أن يبرر تبرئة ابن سلمان من تهم اضطهاد خصومه السياسيين”، وفق ما نقلت “إيل بوست”.

بدورهم، عبر ممثلو بعض منظمات حقوق الإنسان، مثل “الديمقراطية من أجل العالم العربي الآن” و”العفو الدولية”، عن موقفهم المنتقد بشدة لاستقبال ابن سلمان.

فيما عدت مديرة منظمة العفو الدولية، أنييس كالامار، أن “استقبال ولي العهد السعودي في باريس من قبل ماكرون لا يغير من واقع أنه قاتل”.

من جانبها، ردت رئيسة وزراء فرنسا، إليزابيث بورن، على الانتقادات بالقول إن الترحيب بابن سلمان في باريس لا يعني “التخلي عن مبادئنا” أو “التشكيك في التزامنا باحترام حقوق الإنسان”.

بينما قالت الرئاسة الفرنسية إن “ماكرون سيناقش هذه المسألة خلال عشاء العمل الذي أقيم خلال الزيارة على شرف ابن سلمان”.

من جهته، قال أورور بيرجي، رئيس كتلة “النهضة” بالبرلمان، حزب ماكرون، إن “الحوار مع دول الخليج ضرورة مطلقة بالنظر إلى الوضع في أوكرانيا وما ترتب على ذلك من تداعيات على مسائل الطاقة”.