MBS metoo

شبكة جواسيس ابن سلمان داخل تويتر.. أنشأها “العساكر” وأسقطتها أميركا

“بدر العساكر” اسم تردد أخيرا في أروقة المحاكم الأميركية، وهو مدير المكتب الخاص لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ومن أقرب المقربين إليه، ومن رجاله الثقات في حكم المملكة.

لكن صلاحيات العساكر تتجاوز ذلك إلى ما هو أكبر، إذ يؤسس شبكات ظلامية ويوفر لها الجواسيس من مختلف أنحاء العالم لصالح ولي العهد، من أجل حماية عرشه المنتظر.

اسم العساكر ورد في قضية “جواسيس تويتر” التي تشهدها ساحات المحاكم الأميركية، حيث تورط مدير مكتب ولي العهد في تجنيد جواسيس داخل الشبكة الاجتماعية واسعة الانتشار، مقابل أموال وهدايا فاخرة، لتتبع المعارضين والإيقاع بهم.

وخاطبت وزارة العدل الأميركية المحكمة خلال الجلسة الافتتاحية لمحاكمة جواسيس السعودية، الذين جندهم العساكر، بأن الأدلة التي قدمت للمحكمة تحكي قصة “القوة والجشع والأكاذيب”.

ومنذ عام 2014 عملت السعودية على خلق شبكة تجسس واسعة الانتشار، سواء إلكترونية من خلال برامج فائقة الدقة، أو عن طريق تجنيد العملاء بهدف استهداف معارضي النظام الحاكم وولي العهد خصوصا.

 

وقائع المحاكمة

في 9 أغسطس/ آب 2022، أدانت المحكمة الاتحادية في مدينة سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا الأميركية، الموظف السابق في شركة “تويتر”، أحمد أبو عمو، الأميركي الجنسية واللبناني الأصل، بتهمة التجسس لصالح السعودية.

وأكدت محكمة سان فرانسيسكو، تورطه في غسيل أموال، والتآمر لارتكاب احتيال عبر الإنترنت، وتزوير السجلات.

وبحسب وكالة “بلومبرغ” الأميريكية، أدانت هيئة المحلفين أبو عمو، بعد محاكمة استمرت أسبوعين في سان فرانسيسكو، وهو يواجه الآن عقوبة ما بين 10 إلى 20 عاما في السجن عندما يصدر الحكم عليه.

واتهم أبو عمو وزميله الموظف في تويتر علي الزبارة، بأنهما جندا من قبل مسؤولين سعوديين بين أواخر 2014 وأوائل 2015، للحصول على معلومات خاصة عن الحسابات التي تطلق منشورات تنتقد النظام.

وورد في لائحة الاتهام أن العساكر التقى أبو عمو والزبارة ومواطنا سعوديا يدعى أحمد المطيري في 14 مايو/ آيار 2015، بينما كان هو والأمير محمد في زيارة رسمية إلى واشنطن.

والمطيري وفقا للدعوى متهم بالعمل كوسيط بين موظفي تويتر والحكومة السعودية حيث إنه ووفقا لوثيقة الادعاء قدم للرجلين (أبوعمو الوزبارة) مئات الآلاف من الدولارات بالإضافة إلى ساعة “هابلو” الفارهة.

من جانبها، أعلنت وزارة العدل الأميركية، أن “الموظفين استغلا وصولهما إلى قاعدة بيانات تويتر للبحث عن معلومات حول آلاف المستخدمين لهذا الموقع، وتبادلا المعلومات مع المطيري، الذي كان بمثابة وسيط مع المسؤولين السعوديين”.

وأوضحت أنهما استخدما صفتهما كموظفين في تويتر للحصول على عناوين بروتوكول الإنترنت (IP) والبريد الإلكتروني وتواريخ الولادة، بما في ذلك المعارضون السياسيون، ونقل هذه المعلومات بعد ذلك إلى الجهات الأمنية في الرياض”.

 

سقوط الجاسوس

وأوقفت السلطات الأميركية أبو عمو في مدينة سياتل في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، بناء على سلسلة تهم، بينها القيام بدور عميل غير قانوني لحكومة أجنبية.

وأعلنت هيئة المحلفين أنها حصلت على أدلة تثبت أن أبو عمو تلقى ساعة “هوبلو” الفاخرة التي يتجاوز ثمنها 20 ألف دولار، و300 ألف دولار من بدر العساكر.

وذلك مقابل معلومات سرية على حساب تويتر عن معارضين سعوديين، بهدف إسكاتهم عن انتقاد المملكة، أو القبض عليهم أو تعريض حياتهم للخطر.

فيما ذكر المدعي العام الأميركي، كولين سامبسون، في ملاحظاته الأخيرة لهيئة المحلفين أن “الأدلة تظهر أنه مقابل ثمن والاعتقاد بأن لا أحد يراقب، باع المتهم موقعه إلى شخص يعمل ضمن الدوائر المقربة من ولي العهد السعودي”.

وعلي الزبارة وأحمد المطيري، على قائمة المطلوبين أيضا لمكتب التحقيقات الفيدرالي ويعتقد أنهما موجودان في السعودية، إذ فرا من الولايات المتحدة بسرعة عقب اكتشاف القضية.

وأوردت صحيفة “الغارديان” البريطانية في تقرير عن المحاكمات، في 12 أغسطس 2022، أن موقع تويتر لم يرد على أسئلة محددة حول العساكر.

لكن متحدثا باسم الموقع ذكر في عام 2021 أنهم تصرفوا بسرعة في وقت وقوع الحادث عندما علموا أن هناك جهات مسيئة تصل إلى بيانات مستخدمين.

وأعلنت شركة تويتر في عام 2019 أنها علقت بشكل دائم ما يقرب من 6 آلاف حساب مرتبط بالسعودية قالت إنها انتهكت سياسة المنصة.

 

ترسانة إلكترونية

ولا يعتمد ابن سلمان في تتبع معارضيه على تجنيد الجواسيس فقط، بل شراء أحدث تقنيات وبرامج التجسس حول العالم، حتى امتلكت الرياض ترسانة ضخمة منها.

وفي 27 يناير/ كانون الثاني 2020، نشرت وكالة “بلومبرغ” تقريرا عن تلك التقنيات، ورد فيه أن المملكة تركز في صفقاتها على تقنيات المراقبة.

وبينما يمكن استخدام تلك التقنيات في حذف أو تغيير البيانات أو تعطيل الأنظمة، ركزت المملكة في المقام الأول على استخدامها لأغراض التجسس فحسب.

وقالت إن شركة “فيسبوك” حذفت مئات الحسابات والصفحات المرتبطة بالحكومة السعودية والتي شاركت في حملة تسويق وترويج واسعة النطاق لتلميع النظام السعودي، ومهاجمة الدول المجاورة.

بعدها أزال موقع “تويتر” آلاف الحسابات المدعومة من الدولة ومقرها السعودية، وعلقت عشرات الآلاف من الحسابات الأخرى، التي تلاعبت بالمنصة من أجل تعزيز المصالح الجيوسياسية بالرياض وتضخيم نفوذها.

وأيضا جرى تطوير وتسويق برامج التجسس التي يعتقد أنها استخدمت في اختراق هاتف “جوزيف بيزوس” مؤسس العملاق الأميركي أمازون، بواسطة شركة خاصة ثم نقلت إلى الحكومة السعودية دون رقابة قضائية على استخدامها.

وكان الغرض المزعوم هو “الضغط، ومحاولة إسكات صحيفة “واشنطن بوست” المملوكة لبيزوس، والتي كان يكتب بها الصحفي السعودي الذي اغتالته الرياض عام 2018، جمال خاشقجي.

وبحسب “بلومبرغ” فإنه من المحتمل أن يكون الاختراق قد تم من خلال استخدام منتج معروف من برامج التجسس جرى التعرف عليها من خلال تتبع برمجيات المراقبة السعودية الأخرى، “مثل التقنيات المشتراة من مجموعة NSO الإسرائيلية أو فريق قرصنة إيطالي”.

وتأتي هذه الادعاءات بعد دعوى قضائية في ديسمبر/كانون الأول 2018، قال فيها المعارض السعودي عمر عبد العزيز: إن برنامج NSO Group مكن المملكة من اختراق هاتفه وتتبع اتصالاته مع جمال خاشقجي، قبل أن تغتاله الرياض في مدينة إسطنبول التركية.

 

حسم مطلوب

وفي تعليقه على هذه التطورات، أكد مهندس البرمجيات أحمد بهاء الدين، أن “سقوط شبكات عملاقة مثل مايكروسوفت أو تويتر أو فيسبوك في شباك أنظمة مستبدة عن طريق تجنيد العملاء والجواسيس، يعرضها للخطر والانهيار الكامل”.

وأضاف بهاء الدين لـ”الاستقلال”، أن “هذه شبكات وشركات تمتلك ميزانية دول بأكملها، وانهيار الثقة فيها، قد يدمرها تماما”.

وشرح أن “قوانين حماية المستخدمين للإنترنت واضحة وملزمة لجميع الدول، حيث يتطلب القانون العام لحماية البيانات ألا يستخدم مراقبو البيانات، مثل المنظمات والمطورين الذين يستخدمون الخدمات المؤسسية المقدمة عبر الإنترنت، سوى جهات المعالجة التي تعالج البيانات الشخصية، وتوفر الضمانات الكافية لحمايتهم، وهذا مقر من قبل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي”.

وأوضح أن “هذه المنصات العملاقة تعلم أنها عرضة للاستهداف من دول كبرى كالصين وروسيا، وأن خللا بسيطا قد يودي بحياة أحد العملاء والمستخدمين”.

ومضى بهاء الدين يقول: “وهذا ينطبق على نظام كالسعودية، حيث من السهل تصفية العملاء بأي وسيلة ممكنة، وبالتالي فإن المسؤولية القانونية والأخلاقية مضاعفة على هذه الشبكات”.

ولفت إلى أن “قضية أحمد أبو عمو وعلي الزبارة، يجب أن تجابه بأشد درجات الحسم وأعلى حالة من العقوبة، لأن المتهم باع بيانات حساسة للمستخدمين مقابل رشاوى مالية، وكان يمكن أن يعرض حياتهم للخطر، وهو مخالف لميثاق شرف المهنة”.

وبالنسبة لترسانة برامج المراقبة السعودية أوضح بهاء الدين أن “تلك البرامج تستهدف الأجهزة داخل البلاد أو الهواتف الذكية، لكنها أبدا لا تستطيع اختراق موقع مثل تويتر أو فيسبوك أو انستغرام، لتمتعهم بحماية قصوى”.

بالإضافة إلى العواقب الأمنية والاقتصادية الوخيمة على البلدان التي تقدم على أمر كهذا، فهذا يدخل في دائرة أشبه بإعلان حرب إلكترونية كبرى، ومن الصعب على دولة عربية سواء الإمارات أو السعودية أو مصر تحمل مغبة حدث كهذا، يؤكد الباحث التقني.

Exit mobile version