في خضم أزمة وباء كورونا وانشغال العالم بها، لم تتوقف العلاقات الدولية وخلافاتها، وإن انخفضت الأحداث السياسية اللافتة خلال الأشهر الماضية، بسبب تغوُّل تمدد الفيروس القاتل على كل شيء.

وبدت العلاقات السعودية الأمريكية ليست على ما يُرام في الأسابيع الأخيرة، بعد أزمة أسعار النفط، والحديث عن سحب أنظمة دفاع جوي في ظل حساسية الموقف من إيران؛ الأمر الذي يدفع إلى التساؤل عن حدود هذه الخلافات أم أنها مجرد تباينات مصالح طبيعية؟

 

أزمة النفط

وكان لجائحة كورونا تأثيراتها على الاقتصاد العالمي، ولا سيما أسعار النفط التي انخفضت بشدة ما أدى لحدوث بعض التوترات بين المنتجين وفي مقدمتهم السعودية وروسيا قبل أن تتدخل الولايات المتحدة وينتهي الخلاف بتجديد تحالف “أوبك +” بخفض الإنتاج.

وأدت أزمة انخفاض أسعار النفط إلى مدى لم يكن متوقعاً، حيث وصلت أسعار برميل الخام الأمريكي إلى ما دون الصفر في العقود الآجلة والتي كانت تعني أن المنتجين مضطرين إلى أن يدفعوا للمستهلكين ليتخلصوا من النفط المخزن لديهم.

وقالت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، إن السعودية واجهت ضغوطاً أمريكية لتقديم تنازلات، وهو ما مهَّد التوصل إلى اتفاق “أوبك+”.

وقد أكدت هذا الأمر وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية، التي قالت إن الولايات المتحدة زادت الضغط على السعودية؛ من أجل إبرام اتفاق لخفض إنتاج النفط العالمي.

وأشارت إلى أن أعضاء جمهوريين بارزين من مجلس الشيوخ تحدثوا إلى وزير النفط السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان عبر الفيديو؛ في محاولة لدفع المحادثات قُدماً.

وكان تحالف “أوبك+” قد وافق في أبريل الماضي، على خفض الإنتاج بمقدار 9.7 ملايين برميل يومياً خلال شهري مايو ويونيو المقبلين، بعد توصله إلى تسوية مع المكسيك.

ويعد هذا الخفض هو الأكبر على الإطلاق ويمثل 10% من إجمالي الإنتاج العالمي من النفط.

وفوراً، أشاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باتفاق كبار منتجي النفط في العالم على خفض إنتاج الخام، قائلاً: إنه “سيصون مئات الآلاف من وظائف الطاقة في الولايات المتحدة”، مضيفاً أنه توجه بالشكر وهنأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والملك السعودي سلمان بن عبد العزيز.

أزمة النفط بدت كأنها بداية المشكلة؛ لما حملته من آثار على صناعة الطاقة الأمريكية، حيث يعمل بها الملايين وهم بالأصل في أزمة بسبب تفشي فيروس كورونا وتعطُّل عجلة الاقتصاد، وهو ما جعل تحقيق الاتفاق في تحالف أوبك ضرورياً بالنسبة لواشنطن.

وفي هذا السياق، يقول المحلل السياسي مفيد مصطفى: إن “العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية علاقات استراتيجية منذ قيام المملكة، وهي في أفضل حالاتها مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي لا يعنيه إلا الاقتصاد والمال”، موضحاً أن ترامب حصل على صفقة العمر من الرياض بنحو 400 مليار دولار، جعلته يغطي على قتل الصحفي جمال خاشقجي وحصار قطر”.

وأوضح مصطفى في هذا الصدد خلال حديثه لـ “الخليج أونلاين”، أنه “لا يخفى على أحدٍ أن ترامب فيما بعد، بدأ يبتز السعودية لتحصيل مزيد من المال مقابل الحماية العسكرية، بعد حرب النفط الأخيرة بين السعودية وروسيا والتي أدت إلى انهيار قطاع النفط الصخري الأمريكي وهبوط سعر البرميل إلى ما دون الصفر”.

كما بيَّن أن “محاولات ترامب إقناع السعودية بتخفيض الإنتاج، هي ما جعلت الرئيس الأمريكي يخرج عن صوابه، فأهم إنجازات الرجل إنعاش الاقتصاد، وقد تلقى ضربتين للاقتصاد تسببت فيهما جائحة وكورونا وانهيار قطاع النفط الصخري”.

 

مشكلة “باتريوت”

​وإن بدت أزمة النفط قد هدأت بعد عودة الأسعار للارتفاع بموجب الاتفاق، فإن مفاجأة قرار سحب الولايات المتحدة بطاريات أنظمة الدفاع الصاروخية “باتريوت” حملت مؤشرات جديدة على أن الخلافات لم تُحل.

فقد ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” في (8 مايو 2020)، نقلاً عن مسؤولين أمريكيين قولهم: إن “سربين من الطائرات المقاتلة الأمريكية غادرا المنطقة، إضافة إلى أن الإدارة الأمريكية تدرس أيضاً خفض الوجود البحري الأمريكي في الخليج العربي قريباً”.

وأردفت أن القرار يشمل سحب بطاريات “باتريوت”، وعشرات الجنود الأمريكيين الذي أُرسلوا إلى المملكة بعد الهجمات التي استهدفت منشآت أرامكو النفطية في سبتمبر 2019.

وبينت المصادر أن تلك القرارات تستند إلى أن إيران “لم تعد تشكل تهديداً مباشراً للمصالح الاستراتيجية الأمريكية”.

ويعد هذا القرار غير موافق للمصالح السعودية، خصوصاً أن الأزمة مع إيران لم تُحل وإنما بقيت عالقة.

وفي الفترة الماضية عادت المناوشات الأمريكية الإيرانية في مياه الخليج إلى السطح مجدداً، من خلال سلسلة من المناورات والاستفزازات المتبادلة، وهو ما أعاد تداعيات التصعيد الذي شهدته منطقة الخليج العام الماضي، والتي كادت أن تؤدي إلى حرب كبيرة فيما لو حدثت، بين الطرف الأول إيران وفي المقابل الولايات المتحدة بصحبة السعودية والإمارات وغيرهم.

 

ترامب والملك سلمان

لكن بعد ساعات من الحديث عن سحب باتريوت من المملكة، جرى اتصال هاتفي بين الرئيس ترامب والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، أكدا فيه قوة الشراكة الدفاعية الأمريكية السعودية.

وأوضح البيت الأبيض أن الزعيمين تطرقا إلى القضايا الإقليمية والثنائية، وإلى مسائل التعاون في مجموعتي السبع، والعشرين على التوالي.

كذلك اتفق ترامب والعاهل السعودي على أهمية الاستقرار بأسواق الطاقة العالمية، إضافة إلى مناقشة التطورات الإيجابية الأخيرة في مكافحة جائحة الفيروس التاجي، وانتعاش الاقتصاد العالمي.

بدورها قالت وكالة الأنباء السعودية “واس”، إنه جرى تأكيد “العلاقات التاريخية والاستراتيجية بين البلدين، وما حققته هذه العلاقة المتميزة من إنجازات في جميع المستويات”.

وأكد الجانبان حرصهما على استمرار جهودهما المشتركة لتعزيز أمن المنطقة واستقرارها.

وأشار الملك السعودي إلى جهود بلاده الرامية للوصول إلى حل سياسي شامل في اليمن، وإلى مبادرة التحالف بوقف إطلاق النار دعماً لجهود المبعوث الأممي في هذا الصدد.

وبحسب الوكالة، فإن ترامب أكد أن الولايات المتحدة ملتزمة بحماية مصالحها وأمن حلفائها في المنطقة، وتصميمها على مواجهة كل ما يزعزع الأمن والاستقرار فيها، وأن واشنطن تدعم الجهود المبذولة للوصول إلى حل سياسي للأزمة اليمنية.باتريوت

من جهته، أكد المبعوث الأمريكي لشؤون إيران، بريان هوك، الأنباء المتداولة عن سحب الولايات المتحدة لمنظومة باتريوت من المملكة.

ونقلت قناة “CNBC” الأمريكية عن هوك، قوله: إنَّ “سحب بطاريتين مع عدد من الجنود من القواعد العسكرية لا يعني التخلي عن حلفاء أمريكا في المنطقة”.

ونفى هوك ارتباط سحب “الباتريوت” بانخفاض تهديد إيران الإقليمي، لكنه ربط خفض مستوى القوات بـ”الظروف”، دون شرحها.

وفي هذا السياق، يُرجع المحلل مفيد مصطفى سحب “الباتريوت” إلى أن “ترامب قرر القصاص من السعودية على هيئة إنذار بسحب بطاريات الباتريوت، وإشارةٍ مفادها ألا تعبث معه تحديداً بإيذاء الاقتصاد الأمريكي، وكانت الرسالة واضحة: أنتم آذيتمونا بالنفط الصخري ونحن لن نحمي نفطكم بعد الآن”.

ويبدو أن واشنطن -وفق مصطفى- ليست خائفة على مصالحها حالياً بالخليج، خصوصاً في ظل انشغال إيران بفيروس كورونا، وتخمة النفط وعدم الخوف من تدفقه عبر مضيق هرمز.

وبيَّن أنه “لا شك في أن السعودية باتت مكشوفة بعد سحب الباتريوت، وأكثر عرضة لخطر الصواريخ الباليستية الإيرانية والحوثية، لكن هل تلجأ إلى نظام حماية روسي، هذا مستبعد، لأنها ستجلب عليها مزيداً من الغضب الأمريكي”.

وفي مايو 2019، تعرضت منشآت نفطية قرب العاصمة الرياض لهجوم بطائرات مسيَّرة، أعقبه آخر في أغسطس من العام نفسه، استهدف حقل الشيبة شرقي المملكة، وهجوم ثالث استهدف منشآت “أرامكو” النفطية في بقيق وخريص شرقي المملكة، في سبتمبر من العام نفسه.

وتعتقد مصادر أمريكية أن الهجمات على منشآت “أرامكو” نفذتها طائرات مسيَّرة وصواريخ باليستية يمكن التحكم فيها عن بُعد، كما ذكر مسؤولون سعوديون أن الكشف الأوَّلي على أجزاء من حطام الصواريخ يشير إلى أنها إيرانية الصنع.

وذكرت تقارير لوكالة “رويترز” نقلاً عن محققين، أن الأدلة تعزز ضلوع إيران في تنفيذ الهجمات.

كما أن أزمة اليمن المستمرة منذ عام 2015، لم تنتهِ منذ سيطرة مليشيا الحوثي المدعومة إيرانياً على العاصمة صنعاء، ودخول السعودية والإمارات في تحالف لدعم الحكومة الشرعية، وسط حديث عن الدفع نحو حل سياسي لم تتحقق ظروفه حتى الآن.