تعتزم السعودية إطلاق شركة طيران وطنية ثانية لكي تصعد بالمملكة إلى المرتبة الخامسة على مستوى العالم في حركة النقل الجوي لتصل إلى أكثر من 250 وجهة، مما يعزز المنافسة السعودية مع شركات الطيران الخليجية الأخرى وخاصة طيران الإمارات والخطوط الجوية القطرية.

ويرى طيار يعمل في شركة طيران منافسة أن الخطوة السعودية ستكون في صالحه، قائلًا: “المنافسة تعني المزيد من الوظائف ورواتب أفضل”، لكن المحللين يظلون متشككين.

وقال محلل شؤون الطيران “أليكس ماشيراس”: “تأتي هذه الخطوة بعد فوات الأوان؛ ليست هناك حاجة لشركة طيران أخرى تكرر ما حققته الخطوط الجوية القطرية وطيران الإمارات بالفعل بكونها خطوط جوية عالمية”.

وتهيمن الخطوط القطرية وطيران الإمارات على سوق الترانزيت بين الشرق والغرب، كما أن مطار دبي الدولي يتصدر المرتبة الأولى باعتباره المطار الأكثر ازدحاما في العالم للسنة السابعة على التوالي.

ولن يكون التحدي الوحيد الذي يواجه السعودية هو الافتقار لأي ميزة تنافسية، فقد تعرضت صناعة الطيران لـ”أسوأ عام في التاريخ” حين ضرب الوباء الطلب على سفر المسافات الطويلة.

وذكرت رابطة النقل الجوي الدولي أن طيران الإمارات أبلغت عن مرورها بأول سنة غير مربحة منذ أكثر من 3 عقود.

وقال “روبرت كوكونيس”، رئيس شركة استشارات الطيران العالمية “اير تراف”، إن إطلاق شركة ناقلات جوية تستهدف سفر المسافات الطويلة في مثل هذه الظروف السوقية “اختيار غريب التوقيت”.

وقد يتجنب بعض الركاب الأمريكيين والدوليين المهتمين بقضايا حقوق الإنسان شركة الطيران السعودية خاصة مع تعرض صورة الرياض لكثير من الضرر بسبب مقتل الصحفي السعودي “جمال خاشقجي” في عام 2018 داخل القنصلية السعودية في إسطنبول.

 

صراع القيادة الاقتصادية للخليج

وتعتبر المنافسة الاقتصادية الشرسة، التي من المحتمل أن تفرض صراعًا بين شركة الطيران السعودية الجديدة وشركات الطيران الإماراتية والقطرية، جزءا من تنافس أوسع على القيادة الاقتصادية للخليج، في ظل التهديد الذي يواجه دول الخليج المعتمدة على البترول بفعل التحول العالمي نحو خفض الانبعاثات الكربونية.

وتخاطر التشابهات بين خطط التنويع الاقتصادي الخليجية بزيادة المنافسة بين دول الخليج، فقد أعلنت الرياض في فبراير/شباط أن الشركات متعددة الجنسيات التي سيظل مقرها الإقليمي في الخارج بعد 2023 سيتم استثناؤها من العقود الحكومية المربحة.

ويفسر المحللون هذه الخطوة على أنها محاولة لتقويض دبي التي اختارتها معظم الشركات الدولية النشطة في الأسواق الخليجية كمكان لمقرها الإقليمي.

وقالت “نجاح العتيبي”، المحللة السياسية السعودية المقيمة في المملكة المتحدة: “ليس هناك شك في أن خطة التنويع السعودية ستختطف الأعمال التجارية من الإمارات”، وأشارت إلى أن المستثمرين حريصون على السعودية باعتبارها أكبر سوق خليجي.

أما الاقتصادي والباحث في جامعة كامبريدج “فريدريك شنايدر”، فقال إن “بدلا من مطاردة بعضها البعض في مشاريع بلا معنى، تحتاج كل دولة خليجية إلى استغلال نقاط الجذب الفريدة التي تميزها”.

وبعد خلاف علني نادر بين السعودية والإمارات بشأن حصص إنتاج النفط، قررت السعودية من جانب واحد التخلي عن اتفاقية الجمارك الخليجية، واستبعدت من الامتيازات الجمركية البضائع المصنوعة في المناطق الحرة (تعد المحرك الرئيسي لاقتصاد الإمارات) أو البضائع التي تحتوي على مكونات تصنعها الشركات الإسرائيلية.

يشار إلى أن اتفاقية التطبيع بين الإمارات وإسرائيل أدت إلى طفرة في الاستثمارات، وصلت إلى مليار دولار في الشهرين الأخيرين من عام 2020، وفقًا لما أفاد به رئيس معهد الصادرات الاسرائيلية.

 

شكوك الجدوى الاقتصادية

ومع محاولات السعودية لكي تصبح مركز ثالث للرحلات الجوية في الخليج، تتجدد المناقشات بشأن الجدوى الاقتصادية للخطوط التي تعتمد على تمركز عدد كبير من الركاب في مكان واحد قبل نقل كلٍ إلى وجهته النهائية.

وقال “كوكونيس”: “من المرجح أن تدافع طيران الإمارات بشراسة عن حصة السوق الخاصة بها، خاصة في وقت تسمح فيه المزيد من طائرات المنافسين الأكثر كفاءة في استهلاك الوقود بتقديم المزيد من خدمات التوصيل الأرخص”.

أما خارج منطقة الخليج، فمن المرجح أيضا أن تواجه السعودية منافسة من الخطوط الجوية التركية التي قدمت مركزها في إسطنبول كبديل لمراكز الخليج.

هناك تحدٍ آخر ينتظر شركة الطيران السعودية الجديدة بشأن تقديم الكحول على متنها، وخاصة في طائرات رجال الأعمال والطبقة الأولى، حيث تقدم الخطوط الجوية الإماراتية والقطرية والتركية جميعها الكحول.

كما أن الخطوط الجديدة ستكون أقل جاذبية للمسافرين الترانزيت الذين يرغبون في زيارة مكة، مما يقلل من ميزتها التسويقية لدى 1.8 مليار مسلم في العالم، لأنها ستقع بالتأكيد في العاصمة الرياض، بينما ستظل الخطوط السعودية الرسمية تعمل من جدة، التي تبعد ساعة واحدة عن مكة.

ومع ذلك، فإن شركة الطيران الجديدة ستعتمد على أكبر مركز للسكان في الخليج، ومن المرجح أن يدفع الخطاب القومي المسافرين السعوديون للخطوط الجوية الجديدة على حساب شركات الطيران الأجنبية.

يشار إلى أنه سافر 14.6 مليون راكب من المملكة مع شركة طيران أجنبية خلال عام 2018.

 

مشروع للتباهي؟

في مطار حمد الدولي، القاعدة الرئيسية للخطوط الجوية القطرية، يجري البناء لتوسيع قدرة الاستيعاب لتشمل أكثر من 53 مليون راكب سنويا في عام 2022 (عندما تستضيف قطر أول كأس للعالم في الشرق الأوسط) وأكثر من 60 مليون راكب بعد البطولة.

وقال محلل الطيران “ماشيراس” إن “القيادة السعودية تحسد الإمارات وقطر على نجاحهما، حيث وضعتهما شركات الطيران الناجحة على الخريطة وجعلت تلك البلدان مشهورة عالميًا.. ويبدو أن السعودية تعتقد أنها قد تكون قادرة على فعل الشيء نفسه”.

وتحاول المملكة التخلص من سمعتها المحافظة وقد استعانت بالمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي واستثمرت المليارات في جذب الفعاليات الثقافية والرياضية رفيعة المستوى التي تضم مشاهير عالميين لتعزيز سمعة السعودية على المستوى الدولي. وتعتقد الرياض أن الخطوط الجوية ستكون أداة قوية للترويج للبلاد.

لكن التجربة غير المبشرة لخطوط “الاتحاد للطيران” هي مثال يجب أن يوضع في الحسبان، حيث تلقت الشركة الإماراتية حوالي 22 مليار دولار من حكومة أبوظبي منذ أن بدأت في تسيير الرحلات في عام 2003، ومع ذلك، فقد كافحت من أجل الحصول على حصة في السوق، واضطرت لتخفيض سقف توقعاتها في نهاية المطاف.

وأعلنت وزارة النقل السعودية أن البلاد ستضخ 550 مليار ريال (147 مليار دولار) في النقل والخدمات اللوجستية بحلول عام 2030، بما في ذلك البنية التحتية للمطار وخطوط الطيران الجديدة، لكنها أغفلت وضع استراتيجية للتعامل مع هبوط الطلب على السفر الدولي في ظل سوق متخم، مما جعل “ماشيراس” يقول “يبدو أن أحد الأهداف الرئيسية للمشروع السعودي الجديد هو التباهي”.

وبالرغم من تعثر الإصلاحات الاقتصادية التي يقودها ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان”، تؤكد المملكة على خططها لجذب 100 مليون زائر سنويا بحلول عام 2030 وترى أن ذلك سيخلق الطلب على شركة الطيران الجديدة.

لكن الطريق لتحقيق ذلك ما يزال طويلًا، فقد ركزت السعودية على السياحة في عام 2019 وجذبت 16.5 مليون زائر، لتزيد عن عام 2018 بحوالي 1.2 مليونًا فقط، وما زالت الزيارات الدينية تتصدر الطلب على السفر الجوي إلى المملكة.