أكثر من 60 يوماً على اغتيال الكاتب السعودي جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول التركية، فُجّرت إثرها أزمة دولية ومطالبات عديدة بإزاحة ولي العهد محمد بن سلمان، المتهم الأول بالأمر بقتله.

ومنذ الثاني من أكتوبر الماضي، تصدر اسم خاشقجي لتضجّ به الصحف العربية والعالمية، والخطابات والبيانات الرسمية، وسط توعدات بمعاقبة الفاعل ومطالبات بتسليم الآمر بقتله.

ففي الوقت الذي كان ذاهباً فيه خاشقجي لإخراج بعض الأوراق الرسمية من القنصلية السعودية في إسطنبول، قُتل وقُطع وأذيبت جثته، لتتكشف بعدها تفاصيل هذه الجريمة التي وصفت بـ”الوحشية” و”المروعة”.

وخلال الفترة الماضية كشفت تركيا تفاصيل التحقيقات في الجريمة بالتدريج، وفي كل تفصيل جديد باتت الدلائل تشير إلى تورط ولي العهد السعودي، بشكل أكبر، وهو الذي ينكر ذلك بشكل قاطع.

كما أكدت تقييمات المخابرات الأمريكية المركزية والتي نشرت تفاصيلها صحيفة “وول ستريت جورنال”، مسؤولية بن سلمان عن اغتيال خاشقجي.

تركيا تطالب بالمتهمين

وفي آخر تطور في القضية، أصدرت محكمة الجنايات المناوبة في إسطنبول قراراً بإلقاء القبض على المتهمين في مقتل خاشقجي، بتهمة القتل المتعمد وبشكل وحشي، وذلك بطلب من النيابة العامة في تركيا، وفق ما أفادت صحيفة “ديلي صباح” التركية، أمس السبت.

وقالت “ديلي صباح” إن المتهمين السعوديين هم: “مشعل البستاني، وصلاح الطبيقي، ونايف العريفي، ومحمد الزهراني، ومنصور أبا حسين، وخالد الطيبي، وعبد العزيز الحساوي، ووليد الشهري، وتركي الشهري، وثائر الحربي، وماهر مطرب، وفهد البلوي، وبدر العتيبي، ومصطفى المداني، وسيف القحطاني”.

ووجّهت السعودية، في 15 نوفمبر، تهماً إلى 11 شخصاً من الموقوفين في قضية خاشقجي وعددهم 21، وطالبت النيابة العامة بالرياض بحكم الإعدام على 5 من الموقوفين.

فيما رفضت تركيا تلك الإجراءات السعودية، وطلبت عبر وزير خارجيتها، مولود جاويش أوغلو، الكشف عن الآمر بقتل خاشقجي، مشدداً على ضرورة محاكمة العناصر الـ15 المشاركين في اغتياله.

الموقف التركي الحازم

آخر التصريحات التركية الرسمية حول القضية، كانت للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وقال فيها إنه لا يمكن قبول موقف بن سلمان بشأن اغتيال خاشقجي.

وأوضح أردوغان في مؤتمر صحفي بالعاصمة الأرجنتينية بيونس آيرس، في ختام قمة مجموعة العشرين، السبت (1 ديسمبر)، أن بن سلمان لم يشارك المعلومات التي بحوزته حول الجريمة مع المدعي العام التركي.

واتهم السلطات السعودية بعدم التعاون الكافي مع السلطات القضائية التركية خلال التحقيق في الجريمة، ولفت إلى أن تركيا بذلت جهداً كبيراً للكشف عن تفاصيل مقتل خاشقجي، وأن أنقرة لا تسعى لتسييس القضية.

واعتبر الرئيس التركي أن جريمة اغتيال خاشقجي كانت اختباراً لكثير من الدول، وتابع قائلاً: “لدينا أدلة على أنه قتل في سبع دقائق ونصف، وشاركنا المعلومات التي لدينا بشأن الجريمة مع المجتمع الدولي والدول التي طلبتها”.

وأضاف: “مستعدون لتقديم كل ما لدينا من أدلة لكل الدول التي تسعى لكشف حقيقة مقتل خاشقجي”، معتبراً أن “هذا الإعلان من مصلحة السعودية”.

وبين أردوغان أن “حقيقة جريمة قتل خاشقجي التي سعت الإدارة السعودية إلى إنكارها أولاً، ثم محاولة تشويه الحقائق، وأخيراً الاعتراف بوقوعها، تجلّت بفضل الموقف التركي الحازم”.

وحول مصير جثمان خاشقجي، قال أردوغان: “وجهنا سؤالاً إلى وزير الخارجية السعودي عن المتعاون المحلي الذي استلم الجثمان، ولم نحصل منه على جواب”، إذ أعلنت السعودية سابقاً أن متعاوناً محلياً تخلص من الجثة.

وأضاف أيضاً: “طلبنا تسليمنا المطلوبين السعوديين، لكن الرياض قالت إنها تحاكم 22 شخصاً بشبهة الضلوع في القتل”.

حراك مجتمعي

ومنذ اغتيال خاشقجي، سعت العديد من المنظمات والشخصيات السياسية إلى المطالبة في الكشف عن الآمر بقتل خاشقجي، ومؤكدين على تمسكهم في حقوق الإنسان، وسط مطالبات بحرية التعبير، وتشديد القوانين الخاصة بذلك.

وأنشأ أحد أصدقاء الكاتب السعودي لأكثر من 35 عاماً، “مجموعة أصدقاء خاشقجي حول العالم”، والذي تبنت الآراء التي كان يناضل من أجلها ومساعيه بالتغيير في السعودية.

وقال أيمن نور إنه بعد مرور شهرين على القضية “أضحت في صدارة المشهد السياسي الدولي، ما يؤكد أنها ليست آنية أو موسمية”.

وتابع نور في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، أن “خاشقجي رقم مهم في معادلة التغيير والإصلاح التي كان يحلم بها دائماً”.

وحول تحقيقات تركيا بالقضية، قال إن “الدولة التركية صدّرت هذه الأزمة للضمير العالمي”، مشيراً إلى أن “التأني ببعض الخطوات من الجانب التركي هو المسار الأكثر صحة بإدارتها للأزمة”.

وبين أن تصريحات الرئيس أردوغان، التي أدلى بها أمس، تؤكد أن الموقف التركي لم يهدأ ولم يتراجع قيد أنملة عما أعلنه منذ بداية هذه الجريمة، وفق ما بين نور.

كما أعرب مسؤول “أصدقاء خاشقجي” عن قلقه إثر غياب العدالة، والموقف الشخصي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مؤكداً ثقته بإرداة الشعوب والرأي العام الذي احتضن هذه القضية.

وحول مواقف ترامب من قضية خاشقجي ودفاعه عن حليفه ولي العهد السعودي والذي يخدم المصالح الأمريكية، قال نور لـ”الخليج أونلاين”، رغم محاولات ترامب بإفلات المجرم القاتل المسمى بن سلمان، إلا أنه لم يصمد.

فالفاعل والمحرض في القضية هو بن سلمان، وهذه القضية هي بداية تأسيس لفكرة الانحياز لإرادة الشعوب واحترام الحقوق والحريات بالمنطقة التي عانت لفترة طويلة من مساندة المستبدين والأنظمة الفاشية، وسط أمنيات من أن تكون قضية خاشقجي هي إشارة البدء بطريق إنهاءها، وفق ما يرى نور.

 

الخليج أونلاين