سلطت صحيفة “جورزاليم بوست” الإسرائيلية الضوء على جهود التطبيع التي يقوم بها زعماء عرب مؤخراً، في ظل رفض الشعوب أي تقارب مع “إسرائيل”، وفشل ذلك في دولٍ أبرمت معاهدات سلام بالفعل؛ كمصر والأردن.

تقول الصحيفة إنه مع محاولة واشنطن مرة أخرى رسم خرائط جديدة للشرق الأوسط “بشكل عشوائي”، يحلم مفكرون وسياسيون وصحفيون عرب بتغيير جذري في المواقف، وتطبيع حقيقي يؤدي إلى السلام بين الشعوب العربية و”إسرئيل”، وليس فقط بين القادة، لكن هل لديه آفاق حقيقية للنجاح؟

التقى ابن شقيق الرئيس المصري الراحل أنور السادات، مع وزير سابق في الحكومة الكويتية ورجل دين شيعي لبناني، وعشرات من الصحفيين والباحثين والوزراء السابقين والمشرعين العرب، قبل عدة أشهر في لندن؛ لمناقشة التطبيع والسلام مع “إسرائيل”.

لم يكن الإسرائيليون حاضرين، لكن أعضاء “المجلس العربي للتكامل الإقليمي” -وهي مبادرة أنشئت في نوفمبر 2019 من قبل مثقفين وسياسيين ورجال الدين من جميع أنحاء العالم العربي- تحدثوا عن “إسرائيل” وناقشوا العلاقات التاريخية بين اليهود والعرب، واقترحوا أفكاراً لمكافحة حركة المقاطعة المعادية لـ”إسرائيل”.

ولد إطلاق المبادرة اهتماماً واسعاً وتغطية إعلامية، ولكن أيضاً انتقادات قاسية في العالم العربي، وخاصة لدى السلطة الفلسطينية وفعاليات رسمية وشعبية في مصر والأردن.

وعلى الرغم من المواقف الإيجابية والمقبولة تجاه “إسرائيل” التي خرجت مؤخراً من العالم العربي، يعتقد أنصار المبادرة أنه لا يزال أمامهم الكثير من العمل لتعزيز التطبيع والسلام، وكان الاستقبال البارد الذي واجهوه في وسائل الإعلام العربية أوضح مؤشر على أن ذلك صحيح.

يفترض أن هذه الروح الباردة تتناقض مع ما يروج له من “حقائق جديدة” في الشرق الأوسط، حيث كانت “إسرائيل” غارقة في السنوات الأخيرة في تقارير تبشر بعهد جديد في العلاقات مع العالم العربي، وتم التدوال مؤخراً بأنها تناقش اتفاقاً محتملاً لعدم الاعتداء مع البحرين والسعودية والإمارات والمغرب وعمان، كما سمحت لمواطنيها بزيارة السعودية، كذلك سمحت السلطات الإماراتية للإسرائيليين بحضور معرض إكسبو الدولي 2020 في دبي، ويتنقل وزراء الحكومة الإسرائيلية بين العواصم العربية لتعزيز التعاون في قضايا الطاقة والدفاع.

لكن رغم هذا التقدم هل تحقق حلم “إسرائيل” بالاستمتاع بعلاقات طبيعية مع معظم جيرانها في المنطقة؟ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يعتقد هذا فعلاً، ففي كلمته أمام الكنيست، في نوفمبر 2019، حول السلام بين “إسرائيل” والأردن قال: إن “إسرائيل تعمل على تعزيز مكانتها في العالم العربي دون دفع ثمن”، وبعبارة أخرى دون العودة لمحادثات السلام مع الفلسطينيين، أو التوقيع على اتفاقية سلام تنطوي على تنازلات مؤلمة كبيرة.

نتنياهو يبالغ

في تحليل الوضع الحالي في الشرق الأوسط تبدو الأمور مختلفة وأقل توهجاً مما يسوق له نتنياهو؛ فلا شك أن التقارب مع “إسرائيل” له أهمية استراتيجية للنخب الحاكمة في العديد من الدول العربية، وخاصة في الخليج العربي التي تخشى العزلة المتزايدة في ضوء فك الارتباط الأمريكي التدريجي من الشرق الأوسط، والنفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة، وفي الوقت نفسه يزداد تأثير الحركات المعارضة للتطبيع مع “إسرائيل”، خاصة في البلدان التي تعيش في سلام معها ومصر والأردن.

وفي دول الخليج أيضاً الأمور ليست بتلك السهولة والرومانسية كما تظهر في التقارير المتفائلة حول التطبيع، حيث تواجه النخبة الحاكمة هناك قيوداً معقدة تجاه أي تقارب جدي وملموس مع “إسرائيل”.

ورغم أن القضية الفلسطينية قد لا تكون على رأس أولويات الدول العربية -لا سيما الخليجية-  فإنها لا تزال شرطاً أساسياً مقابل أي سرعة في تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وفي الوقت نفسه لا تزال المشاعر المعادية لإسرائيل منتشرة بين شعوب الشرق الأوسط.

هل تنجح مبادرات التطبيع؟

في ضوء ما سبق هل ستكون المجتمعات العربية قادرة حقاً على قبول “إسرائيل” وتطبيع العلاقات معها كأي دولة طبيعية؟

جوزيف براود، العالم الأمريكي الذي يرأس مركز اتصالات السلام في تل أبيب والمشرف على المجلس العربي للتكامل الإقليمي، يقول إن مبادرة المجلس مستوحاة من المناخ الجديد للعلاقات بين “إسرائيل” والخليج، وتغيير المواقف تجاه “إسرائيل” في بلدان أخرى من العراق إلى المغرب.

ومع ذلك -يقول براود- فإن أعضاء المجلس العربي للتكامل الإقليمي مهتمون ليس فقط بالتعاون بين القادة ولكن أيضاً بين الشعوب، وفي كتابه الأخير “استصلاح السياسة الثقافية للشراكة العربية الإسرائيلية” يقدم براود استراتيجية متماسكة تهدف إلى تبديد آثار التحريض السام ومعاداة السامية والمشاعر المعادية لـ”إسرائيل” في العالم العربي.

يدعو العالم الأمريكي إلى تغيير كبير في الإعلام العربي من خلال إنشاء شبكة دعم لأنصار السلام العرب الذين يدافعون عن العلاقات مع “إسرائيل” واليهود، ويقللون من تأثير قنوات الدعاية الإيرانية والجهادية على الرأي العام العربي.

هذا الكتاب -تقول الصحيفة- كان بمنزلة بيان للمجلس العربي للتكامل الإقليمي عند إنشائه، وضع المشاركون في اجتماع لندن هدفاً هاماً لتعزيز التغيير في مجتمعاتهم والتغلب على عقبات الانقسام وعدم الثقة الداخلية تجاه إسرائيل.

كما خصص معظم وقت الاجتماع للقضايا التي تشرك الإسرائيليين واليهود، وأهمها مواجهة حركات مناهضة التطبيع، التي قال المشاركون إنها حركة ضارة أولاً وقبل كل شيء بالدول العربية.

في الواقع تشبه هذه المبادرة المبادرات الإسرائيلية التي تسعى إلى تعزيز المواقف المتغيرة داخل المجتمع الإسرائيلي وقبول “الآخرين” قبل الانخراط مع الجانب العربي.

لكن بعد سنوات من اجتماعات ومشاريع الحوار غير الرسمية العديدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين يبدو أن عدد هذه المبادرات في انخفاض، وذلك لأسباب من بينها عدم وجود مفاوضات رسمية لأكثر من خمس سنوات، من ناحية أخرى لم تتضمن سوى حفنة من المبادرات على مر سنين الاجتماعات الثنائية بين الإسرائيليين وممثلي الدول العربية، بسبب القلق من الجانب الشعبي العربي من جهة، وتركيز الدول العربية على القضية الفلسطينية حتى خلال السنوات الأخيرة التي شهدت ازدهاراً في التطبيع، من جهة أخرى.