هدد الخلاف الروسي السعودي بأيام صعبة لمنتجي النفط، بسبب استمرار هبوط الأسعار وزيادة الإمدادات بشكل غير منظم، وسط اتهامات متبادلة بين الطرفين، تزامناً مع تفشي فيروس كورونا على مستوى العالم.

وتراجعت أسعار الخام إلى أدنى مستوى، نتيجة المخاوف من أن تغمر الدول الأعضاء في منظمة “أوبك” السوق بالنفط في معركتها مع روسيا كما حدث مؤخراً مع السعودية، بعد أن رفضت موسكو الموافقة على تخفيضات حادة للإنتاج، في إطار اتفاق أسهم في رفع الأسعار منذ 2016.

وبعدما كان من المقرر عقد اجتماع لمنتجي النفط في الـ6 من أبريل 2020، وتأجيله إلى الـ9 من الشهر ذاته، بدعوة من الرياض لحل الخلافات، توعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض رسوم “كبيرة” على الواردات النفطية السعودية والروسية، إذا لم يتم التوصل لاتفاق على خفض الإنتاج، ليضع تساؤلات عن إمكانية التوصل إلى حلول خلال الاجتماع المرتقب.

صراع السعودية وروسيا

حتى الآن، من غير المعروف الأسباب الحقيقية التي حوّلت موقف موسكو من التنسيق والتقارب مع الرياض في دعم السوق النفطية، إلى العداء وحرب الأسعار والحصص، لكن الأمر بدأ بتفكك تحالف “أوبك+” الذي تقوده السعودية وروسيا، بتاريخ 5 مارس الماضي، بعد مقترحات بتعميق خفض الإنتاج حتى نهاية 2020، إلا أن موسكو رفضت المقترح.

وبسبب تفكك التحالف وتراجع الطلب نتيجة تفشي فيروس كورونا عالمياً، هبطت عقود النفط لأدنى مستوى منذ 2002 عند 16.87 دولاراً لبرميل النفط.

وجاء انخفاض الأسعار نتيجة لإغراق سوق النفط من قِبل السعودية، التي قامت بهذه الخطوة مؤخراً، رداً على روسيا التي كانت منخرطة في اتفاق مع “أوبك” رغم أنها من خارج المنظمة.

واتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، السعودية، مطلع أبريل الجاري، بالمسؤولية عن انخفاض أسعار النفط بعد “انسحابها من تحالف (أوبك+) وعزمها على زيادة الإنتاج”، وقال: إن “أسباب انخفاض أسعار النفط والإنتاج ترتبط في المقام الأول بفيروس كورونا، وما أدى إليه من تقليص الإنتاج وانخفاض الطلب في قطاع المواصلات والصناعة وغيرها”.

وأضاف: “السبب الثاني لانهيار أسعار النفط هو انسحاب السعودية من تحالف (أوبك+) وزيادتها الإنتاج، إلى جانب التصريحات بشأن استعداد شركائنا السعوديين لتقديم تخفيضات على النفط”.

ورداً على تصريحات بوتين، نفى وزيرا الخارجية والطاقة السعوديان، في بيانين منفصلين، الجمعة، الاتهامات الروسية بمسؤولية الرياض عن تدهور أسعار النفط، أو انسحاب المملكة من اتفاق (أوبك+)، متهمَين موسكو بـ”تزييف الحقائق”.

وزير الخارجية، فيصل بن فرحان آل سعود، قال: إن “ما تم ذكره عارٍ من الصحة جملةً وتفصيلاً، ولا يمتُّ إلى الحقيقة بِصلة، وإن انسحاب المملكة من الاتفاق غير صحيح؛ بل إن روسيا هي من خرجت من الاتفاق”، مضيفاً: “المملكة و22 دولة أخرى كانت تحاول إقناع روسيا بإجراء مزيد من التخفيضات وتمديد الاتفاق، إلا أن روسيا لم توافق على ذلك”.

من جهته، قال وزير الطاقة عبد العزيز بن سلمان: إن “المملكة بذلت جهوداً كبيرة مع دول (أوبك+)؛ للحد من وجود فائض في السوق النفطية، ناتج عن انخفاض نمو الاقتصاد العالمي”.

تأجيل اجتماع.. وترقب للنتائج

في 2 أبريل 2020، دعت السعودية إلى اجتماع نفطي عاجل لتحالف “أوبك+” وبقية المنتجين، بعد اتصال هاتفي بين الرئيس الأمريكي، وولي العهد محمد بن سلمان.

وكان من المتوقع أن يُعقد الاجتماع في 6 أبريل، قبل أن تؤجل مجموعة الدول المصدرة للنفط “أوبك” اجتماعها الأوسع أو ما يُعرف باسم مجموعة “أوبك+” إلى الـ9 من أبريل، وسط هبوط حاد بأسعار النفط، وصل إلى نحو 20 دولاراً للبرميل.

وتشير التوقعات إلى أن “أوبك+” ومنتجين آخرين حول العالم، سيعملون على التوصل إلى اتفاق لخفض إنتاج النفط بما يعادل نحو 10% من المعروض العالمي أو 10 ملايين برميل يومياً.

حل يسهم بتخفيض الإنتاج

يرى الباحث الاقتصادي عبد الواحد العوبلي، أن الاجتماع الافتراضي الذي سيُعقد في الـ9 من أبريل الجاري، جاء بعد “ضغوطات” من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على كل من السعودية وروسيا؛ لإيجاد حل لمشكلة انخفاض أسعار النفط.

ويشير العوبلي إلى أن الاجتماع قد يسهم في عودة أسعار النفط تدريجياً إلى ما كانت عليه سابقاً، مضيفاً: “رأينا أنه بمجرد الإعلان عن هذا الاجتماع، عادت أسعار النفط للارتفاع مجدداً، ليصل مزيج برنت إلى أكثر من 33 دولاراً للبرميل، بعد نحو شهر من معركة تكسير العظام بين السعودية وروسيا، نتيجة عدم اتفاقهما على تخفيض كميات النفط المنتجة لمواجهة الانخفاض في الطلب الذي سببته الصين”.

وأكد في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، أن الجميع كان يتوقع “ألا تستطيع كل من روسيا والسعودية بالإضافة إلى أمريكا، تحمُّل تبعات انخفاض أسعار النفط، لأن ذلك أدى إلى خسائر في إيرادات السعودية، التي تعاني ميزانيتها عجزاً يتجاوز خمسين ملياراً، ولا تتحمل السعودية مزيداً من العجز”.

وأضاف: “المشكلة ذاتها تواجهها روسيا، التي ستواجه عجزاً في الميزانية قدره 3 تريليونات روبل (39 مليار دولار)، هذا العام بسبب انخفاض أسعار النفط والغاز”.

وتابع: “أما بالنسبة لأمريكا التي تضغط لإعادة أسعار النفط إلى مستوياتها الطبيعية، فهي تواجه تهديداً بخروج أغلب شركات إنتاج النفط الصخري عن الخدمة، وفقدان أمريكا التي تبلغ تكلفة البرميل فيها ما بين 35 و40 دولاراً للبرميل، ومع الأسعار الحالية فإن صناعة النفط في أمريكا مهدَّدة بالإفلاس”.

ورأى أن هذه الأسباب هي التي قد تدفع المجتمعين “إلى الوصول لحل يسهم في تخفيض كميات النفط المنتجة؛ لضمان عودة سعر البرميل كما كان أو أقل قليلاً، لأن الدول المنتِجة والاقتصاد العالمي إجمالاً لن يتحملا البقاء طويلاً في ظل انخفاض أسعار النفط”.

وبيّن لـ”الخليج أونلاين”: “لذا من المتوقع أن يكون هناك كفاح من الجميع لإنقاذ أسعار النفط، في ظل الوضع المؤكد بأن الأسواق العالمية في حالة الخطورة”.

ترامب يتوعد.. وكندا توافقه

وتوعد الرئيس الأمريكي بفرض “رسوم ضخمة جداً” على واردات النفط السعودية والروسية إذا ظلت أسعاره على حالها ولم تتغير.

وأضاف ترامب، في مؤتمر صحفي في 6 أبريل: “إذا استمرت أسعار النفط كما هي.. فسأفعل ذلك.. نعم سأضع رسوماً ضخمة جداً”.

وتابع قائلاً: “في حال بقيت أسعار النفط عند مستواها الحالي، وفي حال لم تتفق (روسيا والسعودية)، فسأفرض رسوماً جمركية، رسوماً كبيرة للغاية، كوننا مستقلين الآن ولدينا نفطنا الخاص.. هذا سيعني بوضوحٍ أننا لا نريد نفطاً أجنبياً”.

وأكد أنه سيستخدم “التعريفات إذا اضطررت إلى ذلك”، مستدركاً: “لكن لا أعتقد أنه سيتعين عليَّ ذلك، لأن الروس لن يستفيدوا من ذلك ولن تستفيد السعودية من ذلك، النفط والغاز مصادر الدخل الرئيسة لهما، ولذلك من الواضح أنه أمر سيئ جداً بالنسبة لهما”.

وسبق أن أعرب ترامب عن أمله أن تتوصل روسيا والسعودية إلى اتفاق لخفض إنتاج النفط بـ10 أو 15 مليون برميل يومياً، وذلك إثر الهبوط الحاد لأسعار النفط وتضرُّر قطاع النفط الصخري في الولايات المتحدة.

وجاء تهديد ترامب، بعد يوم من كشف صحيفة بريطانية أن مسؤولين من الولايات المتحدة وكندا يناقشون فرض رسوم على واردات النفط الروسية والسعودية إذا لم تتوصل الدولتان إلى اتفاق بسرعة يُنهي حرب أسعار النفط.