لماذا فشلت المحادثات السعودية الإيرانية في العراق؟ وإلى أي مدى ينعكس ذلك على العلاقات بين البلدين وعلى أوضاع الإقليم؟ وكيف يمكن نزع فتيل انفجار هكذا تطور؟

تناول المحلل السياسي “جورجيو كافيرو” إجابات هذه الأسئلة في تحليل نشره بالموقع الإلكتروني لمجلة “ريسبونسبل ستيتكرافت”، التابعة لمعهد “كوينسي” لفن الحكم الرشيد، مؤكدا أن التطورات الأخيرة قلصت الآمال في أي تفاهم إيراني سعودي جديد.

وذكر الرئيس التنفيذي لمركز تحليلات الخليج في واشنطن، المختص بتحليلات الأخطار الجيوسياسية، أن طهران ترى أن للرياض يدًا في تأجيج الاحتجاجات التي اندلعت في جميع أنحاء إيران بعد وفاة الشابة “مهسا أميني” في مقر احتجاز للشرطة في منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، سواء عبر صلاتها بقيادات الاحتجاج أو عبر دعم قناة “إيران الدولية”، التي تبث من لندن، وساهمت تغطيتها في اشتعال أكبر للمظاهرات.

وفي السياق، ينقل “كافييرو” عن مديرة مبادرة مستقبل إيران في المجلس الأطلنطي، “باربرا سلافين”، قولها إن “النظام الإيراني حساس بشكل خاص للبرامج التي تبثها قناة إيران الدولية، والتي أصبحت تُشاهد على نطاق واسع في إيران”.

وأشارت إلى أن صحيفة الجارديان البريطانية كشفت، في عام 2018، أن القناة تتلقى تمويلًا من شركة مرتبطة بولي عهد السعودية، الأمير “محمد بن سلمان”، وهو ما تنفيه إدارة القناة.

وإزاء ذلك، صنفت طهران القناة باعتبارها “منظمة إرهابية”، وأعلنت وزارة الإعلام أن “الارتباط بها سيعتبر تهديدًا للأمن القومي”.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، حذرت الشرطة البريطانية اثنين من الصحفيين البريطانيين-الإيرانيين، المقيمين في المملكة المتحدة والعاملين بالقناة، من أن طهران تخطط لقتلهما.

وفي السياق، يرى “طلال محمد”، الأكاديمي الزائر بكلية سانت أنتوني في جامعة أكسفورد، أن “طهران تهدف إلى تفتيت المعارضة الداخلية (..) من خلال استغلال المشاعر الإيرانية تجاه الرياض ودول مجلس التعاون الخليجي المتجذرة في دعمهم للرئيس العراقي الراحل صدام حسين ضد طهران في الثمانينيات”.

ويعتقد “محمد” أن خفض درجات السخونة في العلاقات الإيرانية السعودية سيتطلب معالجة ملف الإعلام لدى الجانبين؛ إذ أبدت الرياض أيضا استياءها من استخدام إيران لوسائل إعلامها، مثل قناة “العالم” لإثارة الانقسامات في الدول العربية.

ويعد الداخل العراقي ثاني عوامل تأجيج الصراع بين السعودية وإيران، خاصة بعد تعيين رئيس الوزراء الجديد “محمد شياع السوداني”؛ إذ كانت المملكة ودول عربية أخرى تفضله “مصطفى الكاظمي”، وتشعر بالارتياح في التعامل معه، إضافة إلى وجود تصور سائد لدى تلك الدول بأن “السوداني” يخضع للنفوذ الإيراني أكثر بكثير من “الكاظمي”.

وفي هذا الإطار، قال “حميد رضا عزيزي”، خبير إيران في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التطور في العراق يعني “خفض التوقعات لأي تقدم أو أي تطور إيجابي في العلاقات الإيرانية السعودية.”

كما أن انهيار الهدنة الهشة في اليمن، الشهر الماضي، يمثل عاملا ثالثا لتأجيج الصراع، خاصة أن السعودية تشعر بخيبة أمل إزاء عدم كبح إيران لجماح الحوثيين والضغط عليهم ليصبحوا أكثر استيعابًا لمخاوف الرياض الأمنية.

ويرى بعض المحللين أن طهران ربما دفعت الحوثيين لرفض الموافقة على تمديد الهدنة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي كجزء من أجندة إيران للضغط على الخصوم لتقديم تنازلات للجمهورية الإسلامية فيما يتعلق بالمحادثات النووية المتوقفة.

ولذا لا ترى إيران أي سبب لإجراء محادثات مع السعودية في الوقت الحالي، خاصة أن دول الخليج العربي الأخرى استأنفت بالفعل علاقات دبلوماسية كاملة مع طهران، وسيكون من الصعب عليها سحب سفرائها مجددا في المستقبل القريب، إلا في حال اندلاع مواجهة مباشرة مع السعودية.

ويتوقع “كافييرو” أن تستمر التحسينات في علاقات إيران مع دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، بغض النظر عن التوترات بين طهران والرياض.

وأشار إلى أن العداوات في هذه العلاقة الثنائية بين إيران والسودية عميقة الجذور، مؤكدا أن أي محلل واقعي لم يتوقع أن تتحسن العلاقات بين البلدين بسرعة، وكان من الواضح أن الانتكاسات للتقدم الذي تم إحرازه في محادثات بغداد احتمالا ممكنا.