تقر دول الخليج بصعوبة استدامة النظام الريعي، حيث يستمر التأثير المزدوج لانخفاض أسعار النفط وتفشي فيروس كورونا في إرهاق اقتصاداتها.

واتخذت السعودية خطوات لمعالجة عدم استدامة هذا النموذج من خلال تطبيق تدابير تقشف صارمة. ورغم أن المملكة فرضت تدابير تقشف من قبل، فإن نطاق التدابير التي تم إعلانها في 1 يوليو/تموز يشير إلى وعي أعمق بالوضع الاقتصادي المتردي الذي ينبغي على دول الخليج أن تواجهه.

وفي عام 2016، نفذت السعودية عددا من الإجراءات الصارمة لمكافحة تأثير انخفاض أسعار النفط. وشمل ذلك إلغاء الدعم الذي تم تطبيقه على الوقود والمرافق المختلفة مثل الماء والكهرباء والسكن، وخفض رواتب القطاع العام، عن طريق إلغاء البدلات والمزايا والمكافآت، وخفض النفقات الرأسمالية.

ويدعم برنامج “حساب المواطن” العائلات متوسطة ومنخفضة الدخل، وتم تقديمه في عام 2017 ليكون بمثابة دعم مباشر لتكلفة المرافق، التي زادت أسعارها مع انخفاض أسعار النفط.

وتم عكس بعض التدابير مع انتعاش أسعار النفط، وتم تعويض موظفي القطاع العام عن تخفيضات المخصصات بأثر رجعي.

وفي وقت لاحق، جرى أيضا دعم المواطنين في مواجهة فرض ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5% عام 2018، من خلال بدل غلاء المعيشة الذي تم إضافته إلى رواتب موظفي الحكومة.

ومطلع مايو/أيار، حذر وزير المالية “محمد الجدعان” من تدابير تقشف صارمة ومؤلمة، وأشار إلى أن جميع الخيارات مفتوحة للتعامل مع الأزمة.

وتحرص السعودية على إنعاش القطاع الخاص؛ لأنه يشكل أحد الأهداف الأساسية للتنويع الاقتصادي. ولهذا السبب، اعتبر أحد الاقتصاديين السعوديين أن زيادة ضريبة القيمة المضافة أمر “غير مرجح على الإطلاق”، قائلا إنها “ستؤثر سلبا على القطاع الخاص، الذي لن يتطور بوجود ضرائب إضافية”.

 

سياسات صارمة

لكن بعد بضعة أيام، أعلن “الجدعان” عن زيادة ضريبة القيمة المضافة بمقدار 3 أضعاف إلى 15%، وإلغاء بدل المعيشة الذي تم تقديمه عام 2018.

كما تم تشكيل لجنة لإعادة تقييم رواتب الموظفين. وخلال مقابلة مع “بلومبرج”، قال “الجدعان” إن الأموال سيتم تحويلها إلى دعم القطاع الصحي، إضافة إلى تقديم المساعدة للشركات.

إضافة إلى ذلك، تضرر برنامج “حساب المواطن” بالأزمة؛ لأنه مرتبط بشكل مباشر بسعر الطاقة. لكن النمط المتكرر للتراجع عن إجراءات التقشف مع تعافي أسعار النفط جعلت السكان متفائلين بشأن تكرار الدورة ذاتها مجددا.

وعزز مثل هذه التكهنات مقال تم تداوله على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي وقنوات التلفزيون تحدث عن المملكة باعتبارها الفائز في حرب أسعار النفط مع روسيا.

وفي اليوم السابق لإعلان زيادة ضريبة القيمة المضافة، قال الرئيس التنفيذي لشركة “أرامكو” السعودية “أمين ناصر” إنه يتوقع انتعاشا للطلب على النفط في وقت لاحق من هذا العام، مشيرا إلى أن “الأسوأ قد ذهب”.

ومع ذلك، لا يُتوقع أن يتعافى الاقتصاد بنفس الطريقة التي كان عليها من قبل. وأشار “الجدعان” إلى أن زيادة ضريبة القيمة المضافة من المرجح أن تظل كما هي؛ لأن فوائد فرضها على الاقتصاد لن تظهر قبل عامين أو 3 أعوام.

ومع ذلك، توجد العديد من الدعوات غير الرسمية من الوزارات لتأجيل القرار، وانخرض فيها عدد من كتاب الأعمدة السعوديين.

علاوة على ذلك، عندما تم إدخال ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5% لأول مرة عام 2018، وجدت بعض الشركات في الأمر فرصة إعلانية، وقررت تحمل الضريبة نيابة عن المستهلكين لفترة محدودة، لكن في هذه المرة من غير المحتمل أن تتحمل الشركات عبء الـ15% كما فعلت في السابق.

 

جهود الإنقاذ

وفي الوقت نفسه، اشترت السعودية أسهما في شركات مختلفة في الخارج عبر صندوق الاستثمار العام، صندوق الثروة السيادية في المملكة؛ ما يشير إلى أنها تبحث عن طرق ليس فقط للتعافي، لكن أيضا للاستفادة من التباطؤ العالمي.

لكن يبقى أن نرى ما إذا كانت هذه الاستثمارات سيكون لها عوائد إيجابية أم لا. كما يبدو أن الدولة مصرة على تزويد القطاع الخاص ببعض الدعم لتخفيف آلام الأزمات الحالية. وأعلنت السلطات عن حزمة من الحوافز مع اندلاع أزمة كورونا.

بالتزامن مع ذلك، تم إنشاء صندوق لدعم السياحة بقيمة 4 مليارات دولار. ولتعويض أشهر الحجر الصحي الطويلة، سيتم تجهيز 10 وجهات سياحية محلية للترحيب بالسياح خلال أشهر الصيف.

وفي جزء من خطتها لتنويع الاقتصاد، تعمل المملكة على تطوير الوجهات السياحية الداخلية، وتشجيع المواطنين على إنفاق المزيد على الترفيه في الداخل.

وقد تكون هذه فرصة أيضا لتضمين ضرائب إضافية مماثلة لما يسمى بـ”ضريبة الموسم”، وهي رسوم إلزامية تُدفع عند تسجيل الخروج في فنادق الرياض قيمتها 5%، تدفع بجانب ضريبة القيمة المضافة.

وقبل الأزمة، كان الكثيرون ينتقدون المناسبات الترفيهية المحلية مثل الحفلات الموسيقية والمهرجانات. ووفقا للهيئة العامة للإحصاء، كان الإنفاق على “الترفيه والثقافة” في عام 2018 منخفضا، حيث وصل إلى 45 دولارا في الشهر للأسر منخفضة الدخل، و68 دولارا للمتوسطة​​، و189 دولارا للعائلات ذات الدخل المرتفع.

وبمجرد استئناف السفر الدولي، فإن زيادة ضريبة القيمة المضافة والضرائب الجديدة ستضع المملكة في وضع غير مؤات.

وبعد التعديل المالي الجديد، ستتخلى العديد من العائلات عن الأموال التي تنفقها على الترفيه والتسلية.

وتعد دبي والبحرين من بين الوجهات الأكثر شعبية لرحلات نهاية الأسبوع القصيرة للسعوديين؛ حيث تتوفر فرص كثيرة للترفيه، مع ضريبة قيمة مضافة أقل بكثير.

لذلك، قد تكون هناك حاجة إلى إعادة تقييم تكاليف خيارات الترفيه، خاصة بعد زيادة ضريبة القيمة المضافة؛ لضمان مشاركة أوسع وإدراج شرائح مختلفة من المجتمع.

 

الضرائب ليست الحل

وبسبب نظام الدولة الريعية، تشكل الرواتب نصف ميزانية الدولة. ونتيجة لذلك، تمت مناقشة فرض ضريبة تصاعدية على الدخل، كبديل مناسب لتجنيب ذوي الدخول المنخفضة تأثيرات زيادة ضريبة القيمة المضافة.

وتظهر الدعوات لفرض ضريبة الدخل أن قطاعا من المجتمع يزداد وعيا بالفجوة المالية بين السكان، التي تتفاقم الآن بسبب التعديلات المالية الجديدة.

ولم يدافع سوى عدد قليل من الاقتصاديين والمحللين السعوديين عن الزيادات في ضريبة القيمة المضافة.

على سبيل المثال، وفي مقابلة قبل يوم واحد من زيادة ضريبة القيمة المضافة، قال أحد الاقتصاديين السعوديين إنه من المرجح أن تجعل الضريبة الجديدة الحياة في المملكة صعبة على العمالة المهاجرة؛ الأمر الذي سيسرع من رحيلها، ويزيد من الوظائف الشاغرة في سوق العمل للمواطنين.

وقال اقتصاديون آخرون إن زيادة ضريبة القيمة المضافة من المرجح أن تساعد المواطنين السعوديين، “الذين هم من أعلى المنفقين في الشرق الأوسط”، على إنفاق أموال أقل على “المشتريات غير الضرورية” وإعادة تقييم عادات إنفاقهم.

في غضون ذلك، لجأ العديد من السعوديين إلى وسائل التواصل الاجتماعي لمناقشة الاختلافات الطبقية واتساع الفجوات المالية؛ ما فتح الباب أمام نقاش أوسع حول التدابير البديلة التي قد تكون أقل ضررا على السكان.