تتحدث المؤسسات الرسمية في المملكة العربية السعودية عن الطلاق في البلاد، عادَّة إياه حالة خطيرة تواجه المجتمع، في حين يوصف من قبل مختصين ووسائل الإعلام المحلية بـ”الظاهرة” التي تهدد الأسرة بالتفكك.

وبحسب الكتاب الإحصائي السنوي الصادر عن مصلحة الإحصاءات العامة، فإن هناك 7 حالات طلاق في المملكة كل ساعة، ومن بين كل 10 زيجات هناك 3 حالات طلاق، ما يعني أن الفشل مصير ثلث حالات الزواج في السعودية.

وتطرقت صحيفة “المدينة” المحلية لموضوع الطلاق في خبر لها نشرته الثلاثاء (28 يناير 2020)، أشارت فيه إلى الخسائر المادية التي تترتب على حالات الطلاق، مبينة أن تكلفة الزيجة الواحدة تصل إلى 60 ألف ريال (16 ألف دولار)، وهذه هي القيمة التي يقدمها قرض تمويل الزواج في بنك التنمية الاجتماعية.

وذكرت الصحيفة مستندة إلى تقرير لقناة الإخبارية الرسمية، أنه “بعمل حسبة بسيطة نجد أن الخسائر المادية التي تسببها حالات الطلاق تصل إلى 3 مليارات ونصف مليار ريال (933 مليون دولار)، في العام الواحد فقط، وذلك على اعتبار أن تكلفة الزيجة الواحدة 60 ألف ريال”.

ولفتت النظر إلى أن تكلفة الزيجة في الواقع تصل إلى ضعف هذا المبلغ، ومن ثم فإن الخسائر المادية الناجمة عن حالات الطلاق تتجاوز سبعة مليارات ريال سنوياً (1.86 مليار دولار).

ولا تتوقف الخسائر الناتجة عن حالات الطلاق على الخسائر المادية فقط، فهناك الكثير من التبعات السلبية لهذه الظاهرة، التي أثبتت الكثير من الدراسات التي أجريت حول العالم أنها تسبب التفكك الأسري وتشتت الأبناء، وتؤدي إلى تنامي ظواهر اجتماعية وسلوكية لا حصر لها، بحسب الصحيفة.

 

ظاهرة خطيرة

وفي إطار تسليطها الضوء على حجم خطورة الطلاق في السعودية، وصفت صحيفة “المدينة” المحلية، الطلاق في المملكة بالظاهرة، معتمدة على أرقام الطلاق، وهو ما أبرزته في عنوانها الذي قالت فيه: “الطلاق ظاهرة بالمملكة.. 7 حالات في الساعة الواحدة”.

ووصفه بـ”الظاهرة” منتشر في وسائل الإعلام وبين المختصين الاجتماعيين بالمملكة، فمشكلة الطلاق أصبحت منتشرة بشكل لافت للانتباه في هذا البلد الخليجي، دون أن تكون هناك حلول ناجعة.

في هذا الشأن، سبق أن حذر المستشار والباحث الاجتماعي، سلمان العُمري، من مخاطر انتشار “ظاهرة الطلاق” في المجتمع السعودي.

وأشار -بحسب صحيفة عكاظ- إلى أنه بالإضافة إلى حالات الطلاق المعلن عنها والمسجلة في المحاكم، فإن هناك مئات الطلاقات لا تسجل في المحاكم.

وقال إن دراساته تؤكد أن نسبة حالات الطلاق في مجموعها قد تتراوح بين 40 – 45% من عقود الزواج البالغة 159 ألفاً و386 عقداً خلال عام 2018.

وشدد على ضرورة معالجة “الظاهرة” بعد تفشيها بشكل كبير في المجتمع السعودي للحد من تفاقمها، والوقوف على أسبابها وآثارها السلبية للحيلولة دون نبذ المطلقات مجتمعياً، وتعرض المطلقين للأمراض النفسية.

 

10 أسباب للظاهرة

أسباب الطلاق في السعودية عديدة، لكن هذه “الظاهرة السلبية”، بحسب ما تذكر صحيفة “الرياض” المحلية، لها عشرة أسباب، لخصتها بأنها تتمثل في “غياب الثقافة الزوجية بمختلف مستوياتها؛ الاجتماعية والحقوقية والاقتصادية، بين الزوجين الحديثين”.

أما السبب الثاني فيتمثل بـ”الاختلاف والتباين في المستوى الثقافي والفكري والتعليمي، حيث يُشكل هذا التباين هوة واسعة، قد لا تستطيع العلاقة الزوجية تجسيرها بسهولة، فيكون الطلاق هو الحل”.

وتابعت: “الخيانة الزوجية هي السبب الثالث”، والسبب الرابع يتجلى في “عدم التواصل والتحاور والتفاهم بين الطرفين؛ مما يجعل حياتهما أشبه بعالم من العزلة”.

والسبب الخامس، بحسب الصحيفة، يتمثل في “تقصير الزوجة في الواجبات المنزلية والاهتمام بالزوج، أو تقصير الزوج في تحمل المسؤولية والالتزام بالأعباء المالية”، في حين أن “سيطرة الأهل، والأم تحديداً، وتدخل الأقارب في التفاصيل الصغيرة والكبيرة بين الزوجين”، تتسبب باختراق العلاقة الخاصة بين الزوج وزوجته، وهو السبب السادس.

وأضافت أن الاختلاف على الأولويات والاهتمامات والطموحات بين الزوجين، وعدم الوصول إلى نقطة التقاء واتفاق بين الطرفين، قد يُنهي الحياة الزوجية مبكراً، هو السبب السابع لحالات الطلاق.

أما السبب الثامن فهو الإدمان على الكحول والمخدرات، في حين أن ذكورية المجتمع التي قد تشجع الرجل على التساهل باستخدام الطلاق كورقة ضغط لأنه يستطيع أن يبدأ حياة أخرى بكل يسر وبساطة، هي السبب التاسع.

وكان السبب العاشر من أسباب ظاهرة الطلاق بالسعودية، وفقاً للصحيفة، هي التقنية الحديثة، من إنترنت وأجهزة ذكية ووسائل ووسائط التواصل الاجتماعي وغرف المحادثة وغيرها؛ حيث تسببت وبشكل كبير جداً في تنامي حالة الشك والاتهام والريبة بين الزوجين.

 

المرأة هي الضحية الأكبر لـ”الظاهرة”

على الرغم من أن الضرر يقع على الطرفين؛ الرجل والمرأة، تبقى المرأة هي الضحية الأكبر لظاهرة الطلاق، وهو ما يتفق عليه المختصون؛ وذلك بسبب العادات والتقاليد الموروثة.

والعادات والتقاليد هذه هي أيضاً أحد أسباب وقوع الطلاق، وهو ما تؤكده الاستشارية التربوية والأسرية نورا نحاس، التي تحدثت حول هذه الظاهرة الخطيرة.

وأردفت تقول: “أعتقد أن حيرة بعض الرجال بين التشبث بالعادات والأعراف القديمة، بإدارة الأسرة أو التماشي مع ثورة النسوية وحقوق المرأة كان له الدور الأكبر في انهيار مؤسسة الزواج، وبمقياس زمني سريع، فلا هو قادر على التملص مما ربي عليه، ولا هو متمكن من مجاراة ما اقتنع به”.

وترى أن “المرأة العربية عموماً والخليجية خصوصاً قد تمكنت من معرفة حقوقها، ولم تعد تلك المرأة الطيّعة كما كانت أمها وجداتها”.

وتجد الاستشارية الأسرية أن “عوامل عديدة ساعدت في اتساع الهوة بين الشريكين”.

ولم تستبعد أن يكون “عصر الانفتاح الرقمي أحدها”، مضيفة: “ما أدى إلى نشر كل ما يمكن أو لايمكن نشره، وتبادل الآراء والنصائح والاسترشاد بالأصحاب، وإن كانوا من ثقافات أخرى؛ ما تسبب في تزاحم الأيدي للعبث بخصوصية الأسرة وقدسية الزواج”.

تلفت نحاس إلى أنها لاحظت من خلال عدة استشارات “أن هناك حالة من الإدمان على العلاقات الإلكترونية تمتد إلى ما بعد الزواج”.

وتابعت: “لم يعد الشريكان يكتفي كل منهما بالآخر، بل تماديا إلى إنشاء علاقات خارج الزواج بداعي الصداقة وغيرها”، مشيرة إلى أن هذا “يؤدي للاتهام بالخيانة أو في أحسن الأحوال يقع الشريكان في حالة التجاهل والإهمال”.

المرشدة الأسرية تطرقت إلى حالة خطيرة تتعلق بالطلاق في السنة الأولى من الزواج، مبينة أن أغلب حالات الطلاق بعد مدة قصيرة من الزواج تقع “بسبب الفرق الكبير في الوعي والثقافة، وانكشاف ما حاول أحد الشريكين إخفاءه عن شريكه؛ بدعوى التحبب واصطناع أحسن الأخلاق للظفر به”.

علاوة على هذا، تقول نحاس إن من أسباب وقوع الطلاق بعد وقت قصير من الزواج، “المغالاة في المهور، ومطالبة أهل الزوجة العريس بما يفوق قدرته، فيضطر إلى الاستدانة، ومن ثم يقضي وقتاً غير قليل في وفاء دينه؛ فتكتشف الزوجة الأمر وتبدأ خطة التقنين غير المحسوبة”.

ووفق نورا نحاس فإن “المتضرر الأكبر من الطلاق هو الزوجة”.

أما سبب ذلك فهو- وفق ما تقول- “التخلف الاجتماعي الذي يصم المطلقة بوصمة عار فيجعلها محط سخرية المجتمع، ومسرحاً لسيناريوهات وافتراءات مخزية، لا سيما إن كان لها ولد فيلحقها وولدها العار من حيث لا تعلم”.

وختمت تقول: “لا يخفى أيضاً أن كلمة مطلق لا ينجو منها الرجل، وإن تجاهلَ المجتمعَ ولوثات اللسان فإنه لن يتمكن من تجاهل أسئلة المخطوبة الجديدة وأهلها، وادعاء الكثير من الكذب والتبريرات ليقبلوا به”.