MBS metoo

عام بلا حج.. كيف يمكن أن يؤثر غياب الفريضة المقدسة على السياسة السعودية؟

“تريثوا في إجراء ترتيبات رحلات الحج”.. بهذا المضمون وجه وزير الحج بالمملكة العربية السعودية “محمد صالح بن طاهر بنتن” رسالة إلى المسلمين حول العالم، في بداية أبريل/نيسان الجاري، اعتبرها مراقبون مؤشرا على أن الإعلان الرسمي بشأن إلغاء موسم الحج هذا العام بات مرجحا.

ووفقا لما تشير إليه معظم الدراسات الصحية، فإن سياسات الحجر الصحي والإغلاق الكامل أو الجزئي سوف تستمر لعدة شهور قادمة، ما يعني أن إعلان “بنتن” جاء في إطار التمهيد لإلغاء تنظيم موسم الحج، وفقا لما نقلته وكالة “سبوتنيك” الروسية عن المحلل السياسي السعودي “شاهر النهاري”.

ويقود هذا الترجيح إلى تساؤلات حول التداعيات المتوقعة لعام بلا حاج على السعودية، تزامنا مع تهاوي أسعار النفط بشكل غير مسبوق تاريخيا، وما فرضته أزمة تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد – 19) من إغلاق كلي للبلاد.

فمن الناحية الاقتصادية، يعتبر الحج شديد الأهمية بالنسبة للرياض، ليس من ناحية نسبة ما يمثله من إيراد قياسا إلى مجمل الميزانية (حوالي 1.5%)، بل من حيث ضخه لنحو 12 مليار دولار سنويا في الاقتصاد الاستهلاكي، وهو رقم له تأثير كبير على اقتصاد المملكة، ناهيك عن كون المملكة كانت تخطط لرفع حجم اقتصادات الحج والعمرة إلى 150 مليار دولار بحلول عام 2022 عبر الاستثمار في إنشاء فنادق ضخمة حول الحرم المكي وفق ما جاء في رؤية “السعودية 2030” التي يتبناها ولي العهد، الأمير “محمد بن سلمان” وتستهدف تنويع موارد المملكة وإخراجها من دائرة الاعتماد الأحادي على النفط كمورد رئيس.

ومن الناحية السياسية، يعد الحج رمزا لزعامة المملكة الإسلامية القائمة منذ الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي ومتسندا لهيمنتها التاريخية على منظمة المؤتمر الإسلامي (التعاون الإسلامي لاحقا)، وبابا لنشر الفكر السلفي السعودي وإقامة علاقات مع كبار ممثلي العالم الإسلامي خلال موسم إقامة الشعيرة المقدسة.

ووصل مشروع الزعامة السعودية للعالم الإسلامي إلى ذروته أثناء الحرب الباردة وأثناء المنافسة مع الاتحاد السوفيتي، وهو ما نوه إليه وزير الخارجية الأمريكي السابق “هنري كيسنجر” في مذكراته، مشيرا إلى دور الرياض في دعم حركة الجهاد الأفغاني أثناء الحرب السوفيتية الأفغانية في حقبة الثمانينيات والتي شارك فيها مقاتلون أجانب من كل أنحاء العالم.

لكن هذا النفوذ تلقى ضربتان كبيرتان منذ عام 2001 وحتى اليوم، أولهما أحداث 11 سبتمبر/أيلول، التي نقلت صورة “الدعوة” السعودية من مربع “الزعامة الإسلامية” إلى مربع “التطرف”، ما أدى لاحقا إلى رقابة دولية مشددة على المساعدات المالية القادمة من المملكة، حيث خسرت كثير من المؤسسات الدينية المدعومة سعوديا لنسبة كبيرة من مواردها، ومنها رابطة العالم الإسلامي.

أما الضربة الثانية فتمثلت في صعود نجم تركيا مجددا في العالم الإسلامي (السني) مع ترسخ نجاح تجربة حزب العدالة والتنمية بقيادة “رجب طيب أردوغان” في الحكم، وقيامها بتبني أجندة إسلامية خاصة بهدف نشر النفوذ التركي في مناطق الدولة العثمانية السابقة.

وتطورت هذه الأجندة إلى مساحة نفوذ موازية للزعامة السعودية، تجلت أبرز مظاهرها في ما تقدمه مديرية الشؤون الدينية التركية من دعم لحملات إعادة ترميم المشاهد الإسلامية وتنظيم رحلات الحج للمسلمين في البلقان.

 

زعامة سياسية مهددة

وفي حين تقود الرياض الثورات المضادة للأنظمة الاستبدادية ضد ثورات الربيع العربي، تدعم تركيا القوى الإسلامية والثورية المستهدفة من قبل الرياض، لاسيما جماعة الإخوان المسلمين، وفصائل المعارضة السورية المسلحة، وحكومة الوفاق الليبية، ما عزز من صورتها كقائد جديد في العالم الإسلامي، الأمر الذي ترسخ، بحسب مراقبين، عبر مشاركة أنقرة في “قمة كوالالمبور الإسلامية” المصغرة خارج إطار منظمة التعاون الإسلامي التي تهيمن عليها السعودية.

وبالنظر إلى تراجع الدور الإسلامي للسعودية بالفعل، فإن إلغاء الحج هذا العام قد يمثل إعلانا لنهاية مساعي السعودية لقيادة إسلامية أحادية وظهور عالم إسلامي متعدد الأقطاب، حسب تحليل الكاتبة الصحفية ” كريثيكا فارغور” بمجلة “فورين أفيرز” الأمريكية.

وسلطت الكاتبة الضوء على تورط الرياض في نزاعات إقليمية في البلدان الإسلاكية أدى إلى “تسييس موسم الحج”، خاصة بعدما دفعت سياساتها أئمة في كل من ليبيا وتونس إلى الإفتاء بمقاطعة الحج.

ولذا يشير المحلل السياسي “أحمد طويج” إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها إضفاء بعد سياسي على الحج بسبب انحيازات السعودية الإقليمية، مشيرا إلى أن الرياض سبق أن وضعت العراقيل أمام وصول الحجاج القطريين والإيرانيين بسبب الخلافات السياسية مع طهران والدوحة.

وبإضافة الأثر الذي أحدثه إغلاق المملكة للمسجد الحرام وإيقافها تأشيرات العمرة في الأسابيع الأخيرة، فليس من المبالغة القول إن مكانة السعودية كمركز روحي للعالم الإسلامي ربما تكون “مهددة كليا” حسبما يرى “طويج”، الذي نوه إلى توازي هذا التهديد مع تعرض المملكة لضربة اقتصادية أيضا.

 

التأثير الاقتصادي

وسوف يكون لإلغاء الحج تداعياته الاقتصادية التي لا يمكن تجاهلها أيضا، حييث يوفر نحو مليوني زائر للسعودية سنويا من جميع أنحاء العالم الإسلامي خلال موسم الحج، إضافة إلى نحو 7 ملايين معتمر، يوفرون حوالي 20% من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي في البلاد.

ثمة أزمة أخرى تتعلق بخطط السعودية لتطوير قطاع السياحة الدينية خاصة وأن المملكة تعهدت بزيادة الوافدين من أجل العمرة والحج إلى 30 مليون زائر سنويا كجزء من رؤية 2030”.

ولذا يرى الخبير الجيوسياسي “ليام ديننغ” أن أزمة كورونا وتهاوي أسعار النفط سوف تتسبب في “تداعي العالم الذي رسخته الرياض على مدى العقود الماضية”، وفقا لما أوردته وكالة بلومبرج.

وتدعم توقعات “ديننغ” ما ذكره المحلل الجيوسياسي “بيتر زيهان” في كتابه “أمم غير متحدة” بشأن “التكالب على القوة في عالم لا يحكمه أحد”، متوقعا تفكك النظام الدولي الذي نشأ في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية برعاية الولايات المتحدة، واضمحلال نفوذ القوى التي صعدت على أكتاف الحماية الأمريكية.

Exit mobile version