يبدو أن الجفاء الطويل بين السعودية والعراق آخذ بالزوال؛ حيث يحقق البلدان تقدماً في مسار العلاقات الثنائية يرى مراقبون أنه سيكون ذا تأثير إقليمي كبير.

ففي خطوة مهمة أعلنت وزارة الزراعة العراقية موافقتها على تصدير آلاف الأطنان من الخضار والفاكهة إلى المملكة العربية السعودية، وذلك للمرة الأولى منذ عقود.

الوزارة قالت في بيان، الاثنين 21 ديسمبر 2020، إن دائرة البستنة صدقت على طلب الموافقة الخاص بتصدير 4500 طن من محاصيل الخضار والفواكه المختلفة إلى المملكة عن طريق منفذ عرعر الحدودي، وتشمل المحاصيل التي سيتم تصديرها إلى السعودية: الطماطم، والفلفل، والباذنجان، والخيار، والبصل، والليمون.

وجاءت الموافقة وفقاً لتوجيهات وزير الزراعة محمد كريم الخفاجي، بضرورة تعظيم موارد العراق غير النفطية، ودعماً للفلاحين من خلال الحفاظ على التوازن بين العرض والطلب، وتحقيق استقرار أسعار السوق بما يخدم المزارع والمستهلك، بحسب البيان.

وأشارت الوزارة العراقية إلى سعيها الدائم لدعم الاقتصاد وزيادة الموارد، والإسهام بشكل فاعل في توفير العملة الصعبة للبلاد من خلال تصدير الفائض من المحاصيل بهدف تحقيق الجدوى المادية المناسبة للفلاحين.

 

تعاون شامل

ينظر للتعاون الجديد على أنه إحدى نتائج اجتماع “اللجنة السياسية والأمنية والعسكرية العراقية – السعودية” الذي عقد عبر الاتصال المرئي، في 9 نوفمبر الماضي، برئاسة وزيري خارجية البلدين؛ العراقي فؤاد حسين، والسعودي فيصل بن فرحان.

وقالت اللجنة في بيان: إنه “تم الاتفاق على التعاون والتنسيق في القضايا السياسية والأمنية والعسكرية، والعمل على وضع رؤية مشتركة لأهم القضايا التي تهم البلدين وفي مختلف المجالات”.

في مجال التجارة أوضح البيان أنه “تم الاتفاق على تقديم الدعم لافتتاح الملحقية التجارية للسعودية ببغداد (دون تحديد الموعد)، والإسراع في فتح منفذ عرعر الحدودي (افتتح لاحقاً)؛ لما له من أهمية في تعزيز التعاون التجاري بين البلدين”.

إضافة إلى ذلك تم الاتفاق على “تسهيل إجراءات منح سمات الدخول (التأشيرات) لرجال الأعمال في كلا البلدين”.

وفي المجال العسكري تم الاتفاق على “إقامة تمارين مشتركة في إطار مذكرة تفاهم تبرم بين البلدين في المجال العسكري، وافتتاح ملحقية عسكرية في كلا البلدين”، دون تحديد موعد ذلك.

ويشمل التعاون العسكري “تبادل الدورات التدريبية والخبرات في مجال الدراسات والتخطيط الاستراتيجي، وتعزيز التعاون الأمني والاستخباري فيما يتعلق بمكافحة الجريمة والتهريب، واستمرار دعم جهود العراق بالتعاون مع التحالف الدولي لمكافحة تنظيم داعش الإرهابي”.

في هذا الشأن يرى المحلل السياسي العراقي داود الحلفي في حديث لـ”الخليج أونلاين” أن السعودية تملك خبرات يحتاجها العراق.

ويقول إن مجالات شتى يمكن أن ينتفع العراق بها من خلال التعاون مع المملكة، “منها مجال الصناعات النفطية والطاقة والإنشاءات”.

من جانب آخر يجد داود الحلفي أن التعاون التجاري الجديد “بداية مباركة لخلق أواصر الثقة الأخوية مرة أخرى، خصوصاً بعد زوال التشنجات السياسية بين البلدين”؛ من جراء السياسات التي انتهجتها “بعض الحكومات المتعاقبة في بغداد”، فضلاً عن “تصرفات النظام السابق وما حصل للكويت”.

واعتبر الحلفي أن جميع هذه السياسات كانت خاطئة، وكانت وراء التراجع الاقتصادي والأمني والسياسي الذي عانى منه العراق، وما يزال.

 

بغداد والرياض.. تقلبات العلاقة

وكانت علاقة الرياض وبغداد مثالية وتجسد معنى “الأخوة” التي تطلق بين البلدان العربية، حين العودة إلى مطلع ثمانينيات القرن الماضي، وذات العلاقة المثالية تربط بغداد ببقية بلدان الخليج أيضاً.

المملكة ودول الخليج الأخرى دعمت مالياً العراق في حربه ضد إيران (1980 – 1988)، لكن العلاقة تلك تهدمت بالكامل حين غزت القوات العراقية الكويت، ليشكل تهديداً مباشراً لأمن الخليج، خصوصاً مع تهديد الرئيس صدام حسين باجتياح السعودية.

وزاد من تحطم العلاقة المتينة حرب شبه عالمية؛ من 2 أغسطس 1990 وحتى 28 فبراير 1991، بمشاركة 34 دولة قادتها الولايات المتحدة لتحرير الكويت انطلاقاً من الأراضي السعودية، أو ما عرف بـ”حرب الخليج الثانية”.

في 2003 مع اجتثاث كامل مكونات وقيادات نظام صدام حسين، بدأت مرحلة جديدة تقاسمت فيها واشنطن وطهران دفة الشأن العراقي.

نجحت إيران بدفع حلفائها من السياسيين العراقيين ليستلموا دفة الحكم، فتحولت العلاقات بين بغداد وطهران إلى أكبر مما كانت عليه بين بغداد والرياض في ثمانينيات القرن الماضي، بالمقابل كانت العلاقات العراقية السعودية تزداد تراجعاً.

المحاولات العراقية في تحسين العلاقات مع السعودية بدأت من خلال حيدر العبادي، الذي رأس الحكومة العراقية من 2014 حتى 2018، واستأنف البلدان العلاقات الدبلوماسية في ديسمبر 2015، بعد 25 عاماً من انقطاعها.

وعلى الرغم من هذا بقيت العلاقات في إطار التوتر؛ على خلفية التهديدات التي تطلقها المليشيات في العراق للرياض.

 

قوة للمنطقة

يقول داود الحلفي إن العلاقات الطيبة والهادئة هي من “سمات العقل السياسي المتزن الذي ينظر إلى تعدد المصالح وتنوع العلاقات”، مشيراً إلى أن “العراق والمملكة أشقاء، وهم دول متجاورة، وفي هذا حال فإن القطيعة خسارة للبلدين لحاجة كل منهما إلى الآخر”.

واعتبر أن “أي قطيعة تضعف الروابط التاريخية المصيرية”، مفيداً بأن “كل تقارب بين هو قوة لشعوب المنطقة”.

ورغم عودة التواصل بين الرياض وبغداد بشكل أكبر، لكن الحلفي يرى أن الحديث ما زال مبكراً عن عودة العلاقة بين البلدين إلى ما كانت عليه قبل أكثر من 30 عاماً.

السبب وفق الحلفي أن “الأفكار الطائفية” ما زال لها تأثير على صناع القرار السياسي في العراق، واصفاً القرار العراقي بأنه “ما زال غير صلد”، مضيفاً أن “الذي يمنع قوة العلاقة بين البلدين هو الضعف السياسي عقلاً ورؤية، وتعددية مصادر القرار”.

ومن أجل إنجاح العلاقة وإيصالها إلى المستوى الذي يحقق منفعة البلدين يقول الحلفي: إن “المطلوب هو تبادل الثقة والمبادرة الصادقة وتنقية الخطاب، وإبعاد الطائفيين من دائرة التأثير في سير العلاقات؛ لأن البذرة لا تنمو في الأرض الموات”.

من جانب آخر فإن عودة العلاقات إلى ما كانت عليه في ثمانينيات القرن الماضي “تجعل المنطقة محورية ومؤثرة”، بحسب الحلفي، الذي أضاف أنه “كلما أصبح العراق قوياً مستقلاً فإن دول المنطقة ستلجأ له وتبتعد عن القلق والتوتر”.

عودة العلاقة بين البلدين تمثل “قوة عسكرية واقتصادية وبشرية مؤثرة”، وذلك لما يمتلكه العراق من إمكانات بشرية، وما تمتلكه المملكة من قوة تأثير في توجيه القرار الدولي والإسلامي -وفق الحلفي- الذي زاد بأن “الاقتصاد القوي سيجعل من المنطقة في حالة توازن مستدام وتبتعد عن حالة التوتر والتهديد”.