تشهد منصة “تويتر” المعروفة بكونها المرآة العاكسة لما يدور في المجتمع والسياسة السعودية، حملات شرسة ضد اليمنيين المقيمين في المملكة، مع مطالبات بإنهاء عقود عملهم وإخراجهم من البلاد.

وفي 21 فبراير/ شباط 2022، انطلقت حملة إلكترونية عبر موقع “تويتر” تطالب بطرد اليمنيين من المملكة العربية السعودية، وإنهاء أعمالهم والاستحواذ على استثماراتهم، في واحدة من أشرس الحملات العنصرية التي نالت منهم.

وانتشرت وسوم عديدة تزامنا مع أنباء عن إبلاغ السلطات السعودية 63 طالبا، ومعلما، وموظفا يمنيا بمغادرة الحرم المكي بشكل نهائي، حتى نهاية أبريل/نيسان 2022.

بعدها هاجمت حسابات سعودية اليمنيين، وقالت إنهم يأخذون من قوت المواطنين، ويجب طردهم لأسباب اقتصادية، وأخرى أمنية، واتهموهم بحمل أجندات تابعة للحوثيين وإيران.

وبحسب الهيئة العامة للإحصاء السعودية، يقدر عدد اليمنيين المقيمين داخل المملكة بمليونين، من أصل 7 ملايين يمني مغترب موزعين على 50 دولة.

 

طرد بالجملة

وأثيرت تساؤلات حول خصوصية تصدر دعوات طرد اليمنيين وحدهم، باستثناء الجنسيات الأخرى، وهم شأنهم شأن باقي المقيمين الأجانب العاملين على أراضي المملكة، إضافة إلى امتلاكهم خصوصية الجوار وتقارب الأفكار والهوية مع الشعب السعودي.

ويتهم فيها “الذباب الإلكتروني” الذي يتحرك بأوامر سيادية، بتصدر تلك الحملات التي تهدف إلى الضغط على اليمنيين المقيمين، وسط إخفاقات مستمرة في إدارة ولي العهد محمد بن سلمان، ملف حرب اليمن على جميع الأصعدة، لا سيما وأن المدن السعودية تتعرض لقصف مستمر من قبل الحوثيين.

وهو ما جعل من فكرة الانتقام من عموم اليمنيين قائمة، وهم الذين دفعوا ثمن الحرب منذ البداية سواء داخل بلادهم أو خارجها.

والاستهداف الممنهج لليمنيين في السعودية ليس جديدا أو وليد اللحظة، ففي 23 يوليو/تموز 2021، أقدمت السلطات على إنهاء عقود عمل العديد منهم في جنوب المملكة.

كما أنهت عقود الأكاديميين والأطباء العاملين في مستشفيات وجامعات سعودية، بلغ عددهم 106 أشخاص.

وتزامنا مع هذا تفجرت موجة استياء عارمة بعد الكشف عن وثيقة مسربة عبر مواقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” و”تويتر” عنونت بـ”محضر إبلاغ (سري)”، تطلب فيها السلطات السعودية من أصحاب العمل طرد اليمنيين، ومنع إيوائهم أو تجديد عقود السكن لهم في المناطق الجنوبية، وذلك في فترة أقصاها 4 أشهر.

وعبر حقوقيون وسياسيون عن قلقهم البالغ إزاء القرارات التعسفية، إذ يواجه ما يزيد على 800 ألف مواطن يمني بمحافظات جازان وعسير والباحة ونجران الجنوبية السعودية خطر الترحيل في أي لحظة.

وهو ما يؤدي إلى تداعيات خطيرة على العمالة اليمنية وأسرهم، خصوصا مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف الإنسانية القاسية التي تخلفها الحرب الشرسة القائمة في بلادهم منذ سنوات، والتي تعد الرياض في صدارة مشعليها.

وفي 28 يوليو/تموز 2021، كتب الناشط والطبيب اليمني مروان الجحفوري، عبر حسابه في “فيسبوك”: “طردت جامعة نجران في الأيام القليلة الماضية 106 أكاديميين يمنيين من أعضاء هيئة التدريس، وكلهم من حملة الدكتوراه، وبالمثل تقوم جامعات الجنوب السعودي، في عسير وجازان والباحة وغيرها، بطرد كل الأكاديميين من الجنسية اليمنية”.

وأضاف: “لا استثناء تحت أي مسمى. عليك فقط أن لا تكون يمنيا إذا أردت أن تنجو من المحرقة”.

“المستشفيات، من جهتها، ألغت عقودها الجديدة مع الأطباء اليمنيين ومنعت تجديد عقود وإقامات الأطباء القدامى.. المؤسسات غير الصحية وغير الأكاديمية أبلغت الموظفين من الجنسية اليمنية بانتهاء عقودهم وطلبت منهم مغادرة البلاد”، بحسب الجحفوري.

وأردف: “حتى المشاريع والمحلات الدنيا والأصغر طلب منها أن تتخلص من حملة الجنسية اليمنية.. في التعميمات الصادرة من الأعلى إلى الأسفل تعد السلطات السعودية أصحاب المؤسسات باستجلاب عمالة من جنسيات أخرى بتأشيرات مجانية وبحوافز، من أجل سد الفراغات الحادة”.

وأوضح أنه: “بدا كأن الأمر مقتصر على محافظات الجنوب السعودي. أخيرا وصلت تباشير الفعل حتى محافظات الشمال، زملاؤنا من الأطباء والأكاديميين، حتى البعيدين عن محافظات الجنوب، أكدوا لنا الأخبار”.

واختتم بالقول: “الحكومة تقف عاجزة كل العجز، وما من سبيل لإيقاف هذه المذبحة النازية (كونها استهدفت الناس وفقا لجنسيتهم)”.

 

 

تنديد واسع

ما يحدث مع المقيمين اليمنيين في السعودية، دفع منظمات حقوقية محلية ودولية لشجب الحملة الممنهجة.

ففي الأول من أغسطس/آب 2021، دعا الاتحاد العالمي للجاليات اليمنية، القيادة السعودية إلى إعادة النظر في القرارات التي اتخذتها بشأن استبعاد العمالة اليمنية من المناطق الجنوبية في المملكة، واستبدالهم بعمالة من جنسيات أخرى.

وفي بيان صادر عن الاتحاد، جاء أن “القرار سيتسبب بأزمة معيشية جديدة على آلاف الأسر في الداخل إلى جانب الأزمات الاقتصادية التي يعيشها اليمن منذ انطلاق الحرب في 2015”.

وأردف: “في وقت كنا ننتظر تقديم مزيد من التسهيلات للعمالة اليمنية التي تمثل امتداد طبيعي للبعد الجغرافي لليمن والمملكة وعلاقات الأخوة التي تجمع البلدين والشعبين الشقيقين منذ الأزل، تفاجئنا بصدور مثل هذه القرارات المجحفة”.

كما حض البيان على العمل من أجل إيجاد حل شامل ومرض لجميع أطراف الصراع اليمني ووقف الحرب المستمرة منذ 6 سنوات في البلاد.

وفي 31 أغسطس/آب 2021، نشرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية الدولية تقريرا تحت عنوان “العمال اليمنيون معرضون لخطر الإعادة القسرية الجماعية”، قالت فيه: “إن السلطات السعودية بدأت منذ بإنهاء أو عدم تجديد عقود الموظفين اليمنيين، الأمر الذي قد يجبرهم على العودة إلى الأزمة الإنسانية في اليمن”.

وطالبت المنظمة السلطات السعودية بتعليق هذا القرار والسماح لليمنيين بالبقاء في المملكة والعمل هناك.

وبينت أن “عمليات الإنهاء الجماعي للوظائف استهدفت عددا غير معروف من اليمنيين في السعودية، حيث يجبر العمال الذين لا يجدون صاحب عمل آخر ككفيل على مغادرة البلاد أو يواجهون الترحيل، وهو ما قد يشكل خطرا على حياتهم”.

وشددت المنظمة الحقوقية أن “السعودية هي التي ساهمت في الأزمة الحقوقية والإنسانية في اليمن بسبب الانتهاكات المتكررة لقوانين الحرب التي يرتكبها التحالف بقيادة المملكة هناك، والتي فاقمت الكارثة المستمرة ودمرت البنية التحتية للبلاد”.

ووصف الكاتب الصحفي اليمني ياسين التميمي، الحملات الإلكترونية السعودية، الموجهة من قبل السلطات، أنها “بلا عقل”.

وقال في حديثه “للاستقلال”، “إن النظام السعودي بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان فقد صوابه جراء حملته الضارية على الشعب اليمني في الداخل، والآن يريد لليمنيين في الخارج وداخل المملكة أن يدفعوا حساب ذلك الإخفاق والفشل”.

وأضاف: “اليمنيون يتعرضون لحملة تصفية حسابات واضحة من قبل النظام السعودي، الذي لم يراع الأبعاد الإنسانية والاجتماعية لملايين اليمنيين على أرضه، خاصة أنه بدأ منذ سنوات في مضايقتهم عن طريق إنهاء عقود العمل في المؤسسات والشركات أو الطرد المباشر من الأعمال الخاصة التي يتحكم بها الكفيل”.

وأحيانا يصل الأمر إلى أبعد من ذلك حيث السجن والاعتقال بمجرد الشبهة، وفق قوله.

وأردف: “هناك جزء كبير من رأس المال اليمني خارج إلى السعودية بعد 2011، ومع انطلاق الثورة، وصولا إلى عملية عاصفة الحزم”.

ورغم ذلك فالمال ليس في مأمن من النظام الذي يمكن أن يستولي على ممتلكات اليمنيين في أي لحظة، وهذا الجزء الأخطر، وفق تعبيره.

وتابع: “الشق الأمني أيضا غير مكفول للمقيمين على أراضي المملكة، ومن هنا يجب أن يحدث تضامن واسع بين الجالية اليمنية، والعمل على ضمان حقوقهم ووضع احتمالات لتفادي السيناريوهات السيئة المحتملة”.