بقلم/ ناصر العربي

الانحطاط هي حالة وصفية تطلق على الشيء الذي يتقهقر وينحدر إلى أسفل طبقات الاخلاق والواقع السياسي. اليوم عندما نتابع الشأن السياسي والعام في السعودية ندرك أن المناخ العام ليس صحياً وأنه أشبه بعصر انتشار الأوبئة والأمراض المزمنة والجراثيم، حيث تعم مشاعر الخوف والقلق وربما عدم التحرك والاكتراث بما يحدث من سوء المصير والمنقلب وتبجح السلطة في الانفراد مصير ومستقبل الوطن وأهله وهذا من الممكن أن يعنون بعصر البلادة والجمود. وهذا الجمود له أسبابه المبررة أن الفاعل السياسي الأساسي لا يكترث بأحد وأنه أضحى قمعياً أكثر من أي وقت مضى. حيث إن حالة الشلل التي تصيب الجسد عند تعرضه لضربه قاتله، هي تماثل الحالة التي يتعرض لها المجتمع اليوم. فأطفال تم اعتقالهم قبل عشر سنوات وهم دون ١٢ سنة يتم الان اعتماد إعدامهم، تحت ذريعة الإخلال بالأمن. شيوخ وعلماء ومفكرين ورجال أعمال ومدراء جامعات وبنوك وشباب في مطلع العمر، يتم الزج بهم في السجون ل٣٠ – ٤٥ سنة لأجل قضايا وهمية كاذبه. الخوف هو سيد الموقف.

ينفرد الطاغية محمد بن سلمان الان بكل مقاليد السلطة ويبطش بالجميع ولا يأبه بأي تحديات جذرية حول مستقبل الأمني والسياسي والاقتصادي للوطن. أرواح الناس وأعمارهم التي تذهب في السجون تاركين خلفهم أبناء كاليتامى ونساء كالأرامل وشاب تذبل أرواحهم في سجون القمع ل ٣٠- ٥٠ سنة لأجل مجرد رأي أو وشاية أو لسبب غاية في السخف أن هذا المواطن غير مرحب به في زمن محمد بن سلمان و أن أجهزه القمعية لا تحبه. هكذا بكل بساطة، تم تدشين حملت الاعتقالات التي بدأت عام شهر سبتمبر من عام ٢٠١٧ ولازالت مستمرة. هذا الجحيم الذي هو كابوس كل مواطن، كيف يمكن للسلطة أن تسير في هذا الطريق الذي يفتت جذور والكيان الاجتماعي للوطن. هل تعرف السلطة القمعية أثار القمع؟ أجزم أن محمد بن سلمان أجهل من أيصل فكره إلى هذا السؤال فضلا عن المبادرة في التفكير فيه. القمع يخلف أثار عميقه في الوجدان الاجتماعي لن يطمسها لا التاريخ وقوة الطاغية وجبرته.

لا سبب ولا حجة ومنطق خلف كل هذه الاعتقالات والقمع المستمر، ومصادرة أموال وبيوت المواطنين والعبث بحاضر ومستقبل الوطن، اليوم يشعر مبس أنه القوة الوحيدة التي لا حدود لها، وهو بحق قوة القمع لكن لا شرعية سياسية أو ثقة شعبية لها مهما أنفق ملايين الريالات على تلميع صورته في كل الشوارع والمدارس وأسطح البنايات والصحف، كل هذه الأموال التي يتم إنفاقها على تغطية جرائم مبس هي مجرد مكياج يغطي واقع القمع وحالة عدم الثقة التي يعيشها مبس. سوف يستمر مبس في الانزلاق في وحل الانحطاط السياسي والعبث بكل ذرات الوطن وخيانة الأمانة والعهد وانتهاك الحقوق الأساسية للعيش الكريم. لدى مبس رؤية حقيقة، فعل ما يرد دون وضع أي اعتبار لأي حدود معرفية أو سياسية أو تقاليد وقيم، فهي لا قيمة لها لديه. في برامج رمضان الكريم التي تبث خلال هذه الأيام مع مدراء مشروعات محمد بن سلمان الوهمية، تدرك قيمة النرجسية في نظرته للواقع. ففي أحد اللقاءات يقول مدير المشروع، بعد أن تم دراسة المشروع والتخطيط له والعمل على كل تفاصيله من قبل خبراء ومتخصصين، يأتي مبس بكل بساطة ويقول هذا بسيط وغير مقبول. يدرك من يعملون معه أنه يجب تصميم المشاريع وفق مزاجه ونرجسيته التي لا حدود لها وليس على أساس علمي ومهني، لهذا يتم مهادنة مبس كطفل مجنون لديه اله حادة وقاتله. لا أحد يستطيع أن يقول لمحمد بن سلمان هذا خطاء، لأنه يعلم أنه سوف يذهب للسجن مثله مثل الوزراء السابقين والمسؤولين.

اليوم تفتح خزائن الاقتصاد الوطني والمؤسسات الاقتصادية والصناعية للشركاء الأجانب دون فحص للبعد الأمني والسياسي والوطني دون تقيد، حيث المؤتمرات التي حدثت مطلع الشهر الماضي تشير إلى فرحة الصهاينة بدخولهم للسوق المحلية وهذا ما هو معلن فضلا عما هو تحت الطاولة. أيضا، يتجول الصهاينة في مكة والمدنية والتي تتنافى مع الشريعة الإسلامية، حيث إن عدد من بني صهيون احتفلوا بغرس فسلات النخل في المدينة المنورة ويقولون أن هذي هي أرض أجدادنا قبل ١٤٠٠ سنة، هذا العبث مستمر ومشاهد ويطول حصرة في هذه المقام، لكن لا يخفى على أي متابع تمدد الصهاينة في الديار المقدسة ولا نفاجئ لو تم تأسيس جمعية أو بيت لليهود في مكة أو المدينة من باب التنوع الثقافي. والأيام حبلى بالمفاجأة.

عندما تتقلص الفاعلية الاجتماعية وروح المبادرة عند المواطنين في إنكار الجريمة السياسية في حق المواطنين والجريمة الاقتصادية في حق المال العام فقل على الدنيا السلام. لكن الأمل معقود وساري وسوف يهزم القمع ويولون الدبر ولو بعد حين، دعونا نتكاتف ونتعاهد على إنكار القمع السياسي بالحد الأدنى هو إنكاره بالقلب وعدم الانصياع للسلطة في دعايتها الرخيصة. دعونا ننشر روح التعاطف والتواصل مع أهالي المعتقلين ونكون سندهم في هذه المحنة، دعونا نذكر أنفسنا كل يوم بأسماء المعتقلين والمقموعين، نكتب أسمائهم على حوائط الجدران وصفحات المواقع الإلكترونية. لن ننساهم، ولا نسى التشهير بجرائم مبس وأن ندونها للحاضر والمستقبل. في يوما ما سوف يرحل خائباً لا يتبعه أحد. والأيام بيننا والله الهادي لسواء السبيل.