إسماعيل ياشا

أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية، الخميس في بيان، عن فرض عقوبات تشمل حظر السفر على 18 سعودياً متهمين بالتورط في اغتيال الكاتب الشهير جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في مدينة اسطنبول التركية، في الثاني من أكتوبر الماضي. ووصف البيان الجريمة المروّعة بـ «شديدة الخطورة». وكانت ألمانيا سبق أن أعلنت عن فرض إجراءات حظر السفر على هؤلاء؛ للاشتباه في علاقتهم بمقتل الكاتب السعودي.

 

هذه العقوبات وأمثالها لا بأس بها، إلا أنها غير كافية لملاحقة الجناة وتحقيق العدالة في قضية اغتيال خاشقجي، ولا تشكّل ضغطاً على الرياض لتدفعها إلى الكشف عن ملابسات الجريمة وتعترف بكامل الحقيقة وتخبر بمصير الجثة. وبالتالي، تحتاج القضية إلى تحركات أكثر من فرض حظر السفر على عدد من الأشخاص.

 

السعودية تدّعي أن المتورطين في اغتيال خاشقجي معتقلون ويتم التحقيق معهم، إلا أن تصديق هذا الادعاء صعب للغاية، في ظل الروايات المتناقضة التي تطلقها الرياض بين الفينة والأخرى. ومن المحتمل أن كل ما تم فعله هو إبعاد هؤلاء المسؤولين المتورطين في الجريمة عن أنظار الرأي العام ووسائل الإعلام، بدليل أن وكالة «رويترز» للأنباء كشفت قبل أيام أن سعود القحطاني -المستشار السابق في الديوان الملكي السعودي- حر طليق، ولا يزال يؤدي كل مهامه القديمة بشكل سري، على الرغم من قول النيابة العامة السعودية إنه رهن التحقيق.

 

الأشخاص الذين فُرض عليهم حظر السفر بسبب تورّطهم في اغتيال خاشقجي، يمكن أن يعيشوا باقي حياتهم في السعودية بحرية ورفاهية، دون أن يدخلوا الأراضي الألمانية والفرنسية. وليس لأحد أن يدّعي أن هذا العقاب هو ما يستحقونه مقابل جرمهم الكبير، كما لا يمكن القول إن العدالة قد تحققت في قضية اغتيال خاشقجي بحظر السفر على الجناة.

 

هناك جهود حثيثة تبذلها أطراف مختلفة لإفلات الجناة من العقاب والتستر على من أمر بقتل الكاتب السعودي. ويساهم الرئيس الأميركي دونالد ترمب في تلك الجهود، ويبرر موقفه السلبي من القضية بتصريحات يلفت بها انتباه الأميركيين إلى أهمية السعودية لأمن إسرائيل ومصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

 

كلمة السر في دفاع الرئيس الأميركي عن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان هي «أمن إسرائيل والمصالح الأميركية». وبعبارة أخرى، أن من يساهم في تحقيق الأمن للكيان الصهيوني المحتل ويخدم المصالح الأميركية في المنطقة يحق له أن يرتكب ما يشاء من جرائم، وتدافع عنه الإدارة الأميركية على قدر إخلاصه وحجم خدماته، وتخلق له ألف عذر كي يفلت من العقاب. قضية اغتيال خاشقجي تصطدم للأسف بجدار النظام العالمي المختل. وهذا النظام المعوجّ يخدم بالدرجة الأولى مصالح القوى العظمى على حساب الدول والشعوب الأخرى. وهو بحد ذاته أكبر عائق أمام تحقيق العدالة؛ لأنه يمكن أن يؤدي إلى احتلال بلد بحجج واهية، كما يمكن أن يغض الطرف عن جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية، على الرغم من وجود أدلة دامغة.

 

الأدلة في قضية خاشقجي واضحة كوضوح الشمس، بل هناك اعتراف رسمي بوقوع الجريمة داخل مبنى القنصلية. وما تحتاج إليه القضية ليس إلا إرادة دولية قوية تضغط على السعودية لتترك الروايات المتناقضة الكاذبة، وتخبر بالحقيقة بأكملها، وتسلّم الجناة إلى العدالة.