تجري في واشنطن جهود لإصلاح جذري، إن لم يكن إنهاء، للتحالف الأمريكي السعودي المستمر منذ عقود. إلا أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يبرز كأكبر قوة مقاومة لتغيير طبيعة هذا التحالف.

وبحسب مجلة “ذي أتلانتك” الأمريكية، سئم الكونجرس من الكلفة الإنسانية الكارثية للتدخل العسكري السعودي في الحرب الأهلية في اليمن، كما شعر بالفزع من مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.

أفاد التقرير أن الكونجرس يحاول إقرار نوع من الإجراءات للرقابة على المملكة كل أسبوع. ومع ذلك، في كل منعطف، يقوم البيت الأبيض بالحظر أو التحايل على هذه التحركات، إذ يقف بقوة إلى جانب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، مع تصعيد المواجهة مع إيران.

لكن التقييم الحقيقي للشراكة الأمريكية-السعودية، سيحدث إذا تم انتخاب أحد الديمقراطيين رئيسا في عام 2020. جميع المشرعين الديمقراطيين تقريبًا، إلى جانب العديد من أعضاء الكونجرس الجمهوريين والعديد من جماعات الضغط والمحللين والمسؤولين السابقين، يتجنبون السعوديين لدرجة أنه لا يمكن تصور قيام ولي العهد بزيارة إلى واشنطن في أي وقت قريب، في حين تم الترحيب به بشكل كبير في عامي 2017 و 2018.

 

أكبر الأزمات

عندما التقى فرانكلين روزفلت والملك عبدالعزيز على متن السفينة الحربية الأمريكية “ميرفي” في عام 1945، لم يكن بإمكان أي منهما توقع الشقوق التي ستتشكل في علاقة مبنية على المنفعة المتبادلة: إمدادات ثابتة من النفط السعودي في مقابل الحماية العسكرية الأمريكية. لكن حتى تداعيات هجمات 11 سبتمبر/ أيلول -التي تورط فيها 15 سعوديا من أصل 19 من المختطفين- لم تمثل نوع التحدي الوجودي الواضح اليوم.

المشرعين الأمريكيين اليوم يشاركون في العديد من الجهود لتقييد مبيعات الأسلحة للمملكة ومحاسبة بن سلمان، إلى جانب كبار المسؤولين الآخرين، عن مقتل خاشقجي.

وبحسب تقرير “ذي أتلانتك”، يعرقل البيت الأبيض مثل هذه الجهود، إذ استندت الإدارة في شهر مايو/ أيار، إلى سلطات الطوارئ لتجاوز الكونجرس وبيع أسلحة بقيمة مليارات الدولارات للسعودية. وفي أبريل/ نيسان، استخدم ترامب حق النقض ضد قرار ينهي الدعم الأمريكي للتدخل العسكري الذي تقوده السعودية ضد المتمردين الحوثيين في اليمن.

تتراوح دوافع ترامب في رفض المخاوف بشأن الحرب في اليمن واغتيال خاشقجي من العلاقة الشخصية الوثيقة بين بن سلمان وصهره جاريد كوشنر، إلى مشتريات الرياض الوفيرة من الأسلحة الأمريكية الصنع، التي يقول الرئيس إنها تخلق فرص عمل أمريكية.

وبحسب السيناتور الديمقراطي عن كونيتيكت، كريس مورفي، فإن السعوديين اعتادوا على الحصول على دعم قوي من الحزبين في واشنطن، لكنهم الآن يتشبثون بهذا التحالف ببساطة من خلال قوة علاقة النظام بشخص واحد هو: دونالد ترامب.

وأضاف مورفي، الذي رعى العديد من مشاريع القوانين لكبح جماح العلاقة الأمنية مع السعوديين: “ربما نواجه صعوبة في فرض الضبط أثناء تولي ترامب منصبه، لكن إعادة الضبط قادمة”.

 

في انتظار 2020

ولفت التقرير إلى أن الرؤساء الجمهوريين والديمقراطيين تجاوزوا عن انتهاكات حقوق الإنسان والقمع السياسي في السعودية، في ضوء مدى اعتماد واشنطن على الرياض باعتبارها ثقلًا جيوسياسيًا مستقرًا في الشرق الأوسط.

وأبرزت “ذي أتلانتك” استياء المرشحين الديمقراطيين لانتخابات 2020، لافتة إلى أن جو بايدن يريد الخروج من الحرب في اليمن، بينما دعا كوري بوكر الولايات المتحدة إلى إعادة النظر في العلاقة مع الرياض بأكملها.

وانتقدت إليزابيث وارين الرئيس ترامب لإرضائه مقاولي الدفاع الأمريكيين بعدم وقف تدفق الأسلحة إلى السعودية، فيما أشار بيرني ساندرز إلى بن سلمان على أنه “مستبد قاتل”، وأدرج السعودية ضمن محور القوى الاستبدادية التي يشجعها ترامب.

وبحسب مستشاره للسياسة الخارجية مات دوس، يتساءل ساندرز، راعي أحد قرارات مجلس الشيوخ بشأن اليمن، عن “ما إذا كانت الصفقة الأساسية التي تم التوصل إليها بين روزفلت والملك السعودي في عام 1945، حول (الأمن مقابل النفط) لا تزال قائمة”؟

وأضاف دوس “مع ذلك، ليس بالضرورة، أن يكون من المفيد قلب الطاولة على العلاقة الأمريكية-السعودية في بداية إدارة جديدة”، مشيرا إلى أن ساندرز يدرك أن عناصر العلاقة، مثل تبادل المعلومات الاستخباراتية، تظل مهمة، وأن استقرار أسواق النفط له تأثير على الاقتصاد الأمريكي.

وفي رأي النائب الديمقراطي عن كاليفورنيا، رو خانا -وهو مؤيد بارز في مجلس النواب لإنهاء التدخل العسكري الأمريكي في اليمن- فإن تقييمات الأمم المتحدة والولايات المتحدة بأن ولي العهد السعودي ورط نفسه في مقتل خاشقجي يمثل خيانة فظيعة للتحالف تعادل الخيانة الزوجية.

 

الجمهوريون أيضا

وأفاد “ذي أتلانتك”، أن اغتيال خاشقجي لم يغضب أعضاء الكونجرس فحسب، بل دفع أيضًا بعض شركات الضغط ومؤسسات الفكر لرفض التمويل السعودي.

إن تمرد الحزب الجمهوري حقيقي، وإن كان محدودا، إذ لم يدعم ليندسي جراهام، أحد كبار حلفاء ترامب في مجلس الشيوخ، كل الجهود المعادية للسعودية في الكونجرس، لكنه مع ذلك كان منتقدا بشدة لابن سلمان.

أيد جراهام وجمهوريون آخرون، مثل السيناتور تود يونج، مشروع قانون كاسح يفرض عقوبات على أي مسؤول سعودي تثبت مسؤوليته عن مقتل خاشقجي.

وفي بعض الأحيان، استسلمت الإدارة لضغوط من الكونجرس؛ ففي العام الماضي أوقفت الولايات المتحدة التزويد بالوقود الذي تقوم به أمريكا لطائرات التحالف السعودي المتورط في الصراع اليمني.

ووقع ترامب في وقت سابق من هذا العام بهدوء على مشروع قانون الميزانية الذي يحظر تقديم المساعدة إلى السعودية من خلال برنامج للتدريب العسكري. وقد ساعدت هذه المساعدة السعوديين للحصول على تخفيضات على شراء تدريب عسكري أمريكي إضافي.