تبذل عدة شخصيات من المعارضة السعودية جهودًا كبيرة في سبيل تأسيس جسم أو إطار رسمي لها في دول المنفى، يمكنها من مواجهة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وممارساته القمعية التي قضت على المعارضة المحلية عبر الاعتقالات وكل أدوات تكميم الأفواه، وفي أحيان كثيرة، وصلت إلى حد ملاحقة المعارضين في الخارج عن طريق إخضاعهم للمراقبة والتجسس وانتهاك حقهم في الخصوصية أو حتى عبر الاغتيال كما حدث مع الصحفي جمال خاشقجي، وهي الحادثة التي أعادت قضية حرية الرأي والتعبير في السعودية إلى الواجهة.

في هذا الخصوص، أجرينا حوارًا موسّعًا مع المعارض السعودي، الدكتور عبد الله العودة، نجل الشيخ سلمان العودة المعتقل في سجون ابن سلمان، لنقل صورة حية عما يجري في بلاده، بالإضافة إلى نشاطاته الحقوقية والإعلامية التي ينخرط فيها لتحقيق العدالة لمعتقلي الرأي في السعودية.

 

بدايةً، لو نتعرّف أكثر إلى جهود عبد الله العودة في مجال الحقوق والسياسة..

أنا عبد الله العودة، أعمل مديرًا لأبحاث الخليج لدى منظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي، كما أنني أعمل أستاذًا مساعدًا زائرًا في كلية إليوت بجامعة جورج واشنطن، وزميلًا لدى معهد يقين الإسلامي، أصدرت عددًا من المنشورات عن المملكة العربية السعودية والخليج الفارسي، وأنشر بعض المقالات في “نيويورك تايمز” و”واشنطن بوست” و”فورين بوليسي”.

كنت زميلًا بعد الدكتوراه في كلية الحقوق بجامعة ييل، وحصلت على درجات الماجستير والدكتوراه في القانون الدولي المقارن من جامعة بيتسبرغ عن موضوع المؤسسات الدينية وتأثير العلماء (هيئة العلماء المسلمين) على البلدان العربية بعد الثورة، وفي البداية حصلت على شهادة البكالوريوس في الشريعة الإسلامية من جامعة القصيم بالمملكة العربية السعودية.

أفتخر أن والدي الشيخ سلمان العودة شكّل وعيي الأساسي وقراءاتي وشغفي بالمعرفة والدراسة والعلم وبالدفاع عن الحق.

فيما يتعلق بآخر أعمال منظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي التي أسّسها الشهيد جمال خاشقجي، هناك الكثير من المقترحات المهمة التي قدّمناها في مجال العمل السياسي والحقوقي، هناك مشاريع نعتبرها بعيدة المدى وبالتالي تحتاج الكثير من الإعداد، مثل المشروع الذي قدّمناه في الكونغرس وحاولنا أن نستجلب الكثير من الدعم له، وهو Anti islamophobia، مشروع معارضة أو تجريم كراهية الإسلام، ليكون هناك دفع في أمريكا لتجريم العنصرية ضد المسلمين والإسلام، ومحاولة وصف الإسلام عمومًا والمسلمين بشكل خاص أن لديهم ميولًا إرهابية.

المشروع هو لتحجيم هذه الظاهرة التي للأسف موجودة في أمريكا والعالم كله، حتى في البلدان العربية هناك من يدفع بهذا الاتجاه للأسف الشديد، هم هؤلاء الحكام الطواغيت الذين أنت واحد من ضحاياهم وأنا كذلك، فبشار الأسد هو أكثر من تحدث عن محاولة ربط القيم الشعبية بالإرهاب ويعتبر كل من عارضه إرهابيًّا، وللأسف قالها عادل الجبير في مقابلة مع “بي بي سي” بشكل صريح، أن من تعتبروهم معارضين أو ناشطين سلميين نحن نعتبرهم إرهابيين، فهذه هي التعريفات التي تقدّمها الحكومات للنشاط السلمي لمحاولة الردع.

 

يشغل حال الشيخ سلمان العودة بال الكثيرين في العالم الإسلامي، هل يمكنك إطلاعنا على آخر المستجدات حول وضعه وصحّته، وهل من جديد بخصوص قضيته؟

إن الوضع العام للسجن الذي يوجد فيه والدي سيّئ جدًّا، وللعلم فإن الشيخ سلمان يتواجد في زنزانة انفرادية منذ اليوم الأول لاعتقاله، وفي الأصل عانى من ظروف صحية سيّئة منذ الشهور الأولى، حيث تعرّض للمنع من النوم والمنع من العلاج وتقييد القدمَين واليدَين داخل الزنزانة، والإمعان في الإذلال من قبيل قذف الأكل بأكياس، كل ذلك أدّى إلى تدهور حالته الصحية وفقدان نصف سمعه ونصف بصره، إضافة إلى ذلك تمَّ حجبه عن العالم الخارجي والتواصل مع الأهل.

خلال السنتَين والنصف الماضيتَين انقطعت أخبار الشيخ سلمان، وهذا شيء مقصود من قبل الحكومة للإمعان بالأذى والحزن وابتزاز العائلة، أما بالنسبة إلى المحاكمة فقد توقفت تمامًا منذ سنة ونصف ولم يصدر أي حكم ابتدائي أو نهائي ولا يوجد أية إجراءات عدلية، ما يعني أنه لا يوجد مسار قانوني على الإطلاق مع العلم أنه مضى 5 سنوات بالتمام على اعتقاله، طبعًا السلطات أدركت أن العملية عبثية فقررت وقف المحاكمة بالكامل.

يوجد لدينا تواصل مع حقوقيين لمتابعة القضية، لكن للأسف حتى المحاميين لا يستطيعون التواصل مع الشيخ سلمان لأن المحاكمات معلقة، وأنا أرى شخصيًّا أن الإهمال الذي يتعرض له متعمَّد بقصد التخلص منه بهذه الطريقة، دون أن يضطروا للحكم عليه علنًا بالإعدام ويصبح قصة مخيفة لها آثارها.

 

هل يوجد أي مبادرة لإطلاق سراح الشيخ العودة؟ هل خضتم ربما مفاوضات لتقديم تنازلات معيّنة مقابل إطلاق سراحه؟

لا لم يحصل مثل هذا الشيء على الإطلاق، وأقول لك: ليس هناك أي مجال للمصالحة أو الحوار مع الحكومة بخصوص الإفراج عن والدي، وبالأصل هم لم يقدموا أية مبادرة، لأننا إذا عدنا في إلى عملية الاعتقال فإنها كانت مفتعلة ودون مبررات، ومن يقوم بهذه الأعمال من الأكيد أنه لن يقوم بمبادرات من قبيل التخفيف والإصلاح.

إذ إنهم عندما اعتقلوا الشيخ سلمان لم يعطوا أي اعتبار بأن وضعه الاجتماعي كان صعبًا، خاصة أنه فقد أمّ أولاده قبل ذلك بفترة وبات يعتزل في مزرعته بغية تسجيل الخواطر الشخصية عن التاريخ والسيرة النبوية، بالإضافة إلى تفريغ وقته للاهتمام بأولاده الأيتام، لكن السلطات سرقت منه هذه الأشياء.

 

ليس بعيدًا عن حالة الشيخ سلمان، لو تحدّثنا عن حال عشرات معتقلي الرأي، وطبيعة الظروف التي يمرّون بها؟

الظروف التي يمرّون بها ظروف سيّئة جدًّا، وهم في الأصل درجات، هناك من حُكموا 5 أعوام و10 و15 عامًا، ومثال ذلك الدكتور إبراهيم الناصر حُكم في المرة الأولى 3 أشهر، ثم نُقد الحكم ثم حُكم 6 أشهر، ثم نُقد الحكم فحُكم 4 أعوام، ثم رفضت محكمة الاستئناف الحكم ليحكم من جديد 15 عامًا.

الوضع داخل السجن يتراوح ما بين كارثي وسيّئ، فهناك ناس في عزل انفرادي مثل والدي الشيخ سلمان، ويمرّ بظروف في غاية السوء، كما يوجد سجن جماعي ولكن أيضًا وضعه سيّئ خاصة مع انقطاع الاتصالات وإهمال الرعاية الصحية واكتظاظ السجون بعدد كبير من المعتقلين في الزنزانة الواحدة.

أما فيما يتعلق بالتهم فليس هناك شيء واضح، مثل ما حصل مع الأستاذ عبد الله المالكي، إذ إنه عندما اُعتقل في المطار بعد ما عاد من زيارة رسمية حكومية للحديث عن اقتصاد البلاد ورؤية 2030، بالطبع نحن ضد كافة أشكال الاعتقال التعسفي والسياسي في أي مكان.

 

دعنا نعرّج قليلًا على الحراك القانوني والحقوقي والضغط على الحكومة السعودية بملف معتقلي الرأي بشكل خاص..

عملنا على عدة أصعدة في مسار الضغط السياسي، حيث التقينا مع أعضاء في الكونغرس إضافة إلى لقاءات في وزارة الخارجية والبيت الأبيض في واشنطن، كما التقينا مع مسؤولين أوروبيين، وخطواتنا دائمة ومستمرة في هذا الاتجاه، ولكن نحن نؤمن أنه لا يوجد سياسي يمكنك أن تجعله يؤمن بحقوق الإنسان ما لم يتم الضغط عليه بأدوات مختلفة، ثم إننا نستخدم العلاقة مع الكونغرس والوزارات في أوروبا للضغط على المسؤولين، وأظن أن هذا الى حد كبير هو أفضل وسيلة يمكن أن نتبعها.

هناك حلفاء مهمين جدًّا لنا داخل الكونغرس، وبالطبع إن صناعة مثل هؤلاء الحلفاء جرت عبر عملية معقدة جدًّا واحتاجت إلى وقت طويل لتأسيسها، حيث تتطلب في البداية إلى إثبات أنفسنا كخبراء في المجال الحقوقي في السعودية، لأنهم مع الوقت يحتاجون لنا لفهم المنطقة والسعودية والعلاقة المفترضة، وهنا نثبت أن الموضوع هو ذو أولوية بالنسبة إلينا وليست علاقة شخصية فقط.

دعني أوضح لك أننا لو بنينا علاقتنا مع هذه المؤسسات على أساس موضوع المعتقلين فقط لكانوا سيعتبروننا ضحايا فقط، لكننا قررنا ألّا نكون ضحايا فقط، بل نكون قبل كل شيء سفراء لبلادنا، وأننا من مجال خبرتنا نوجّه النصح لهم بحلّ ملفات المعتقلين وملفات أخرى، وإلقاء الضوء على أشياء من هذا القبيل.

 

كيف تتعامل الحكومة السعودية وابن سلمان مع الحراك الحقوقي؟ هل يوجد تأثير فعلي؟

لو تتابع وتدقق في حسابات تويتر لأناس لديهم حسابات موثقة، وهم مقرَّبون من الديوان الملكي ومحللون مقرَّبون من الحكومة، بإمكانك رؤيتهم يكتبون أن هناك أشخاصًا أبناء إرهابيين ومتطرّفين هم الذين يحددون لأمريكا ما يجب عليها أن تفعله، ما يعني أنهم أصبحوا يعترفون أن حضورنا يصنع موجة مهمة جدًّا في أمريكا من حيث تسليط الضوء على الحقوق والحريات.

من جهة ثانية، يرى محمد بن سلمان والفريق الذي معه أنه يجب ألّا يخضعوا للضغط، إذ إن الخضوع سيحولك إلى دولة ضعيفة وهشة، وبالتالي يحاول أن يظهر دائمًا نوعًا من التحدي، وأنا أعتقد أن من سينتصر هو من سيكون لديه النفس الأطول، ونحن الآن بعد سنوات من العمل ما زلنا قادرين على الإنجاز، صحيح أن أهلنا في المعتقلات لكن ابن سلمان يخاطر بالعلاقات الدولية ويخاطر بعلاقاته مع حلفائه الآخرين.

 

انطلاقًا من هذا الكلام، ما هي قدرتكم على تشكيل معارضة سعودية منظَّمة وقوية؟

أنا أقولها كثيرًا: إن من أخطر ما صُنع في بلادنا العربية هو الاستبداد، كما أنهم حاولوا أن يشوّهوا ويسمّموا العلاقات الاجتماعية، بعد كل هذا نحن بحاجة لفترة طويلة لأن نتحرر من الحساسيات والمشاكل، وقدرتنا الحقيقية على أن ننجح و نتجاوز هذه الأشياء، ونتجاوز سردية الحكومة التي قامت بتصنيفنا يمنة ويسرة، وأيضًا نحتاج وقتًا لتقديم نموذج جيد لنوعية التعدد الموجود داخل البلد.

هناك محاولات حصلت لتنظيم المعارضة السعودية، وأعتقد أن حزبنا، حزب التجمع الوطني، هو التجمع الأبرز في هذا المجال، إذ يوجد المئات في الداخل وفي الخارج، ونحن نتحدث عن المئات في بيئة صعبة جدًّا راصدة لكل شي، وهذا يعتبر اختراقًا كبيرًا جدًّا.

نحن نقيّم المعارضة على أنها شريحة من الناس التي استطاعت أن ترسم خطًّا باتجاه التركيز على الهدف الأساسي، وهي محاربة الاستبداد، وبقيت بعيدة عن القيل والقال والنزاعات الداخلية الجانبية، ومحاولة تركيز سهامنا على الهدف الأساسي، حتى الذين يهاجموننا وينتقدونا هم ليسوا هدفًا لنا.

 

ما مدى قدرة المعارضة السعودية على مزاحمة ابن سلمان في الداخل السعودي؟ وما مدى قدرتها على تشكيل وعي شعبي بوجود معارضة في ظلّ البروباغندا القوية التي يقودها ابن سلمان؟

تخيّل أن الحكومة لديها علاقات غير محدودة، ولديها كل المصادر، وهي من أغنى دول العالم وتستخدم كل هذا للترويج لنفسها ومحاولة ضربنا في كل مكان وليس من أجل مصلحة الوطن، إضافة إلى أنهم يحاولون العبث بوعي الناس، لكننا نهزمها مرارًا وتكرارًا بمكونات محدودة جدًّا وصفر تكاليف وبثقة عارمة من الشعب والناس.

مثال على ذلك، تدفع الحكومة الملايين لحملات الدعاية من أجل الترويج لنفسها، إلا أنني شاركت في كتابة مقال عن الهدم الذي حصل في الخريبة في منطقة تبوك لتأسيس مدينة نيوم، وبعدها بأسبوع أو أسبوعَين دفعت الحكومة 5 ملايين دولار لشركة علاقات عامة في نيويورك للترويج لمدينة نيوم فقط بسبب هذا المقال، الذي أصبح من الأكثر قراءة في “فورين بوليسي”، وتأثيره وصل حد أن أصبح صنّاع القرار يقتبسون منه.

أضف إلى ذلك حديثنا عن قصة مقتل عبد الرحيم الحويطي، وما صنعناه في الفترة الماضية من تسمية شارع خاشقجي، وهنا نرى أن الأمر ليس فقط عبارة عن تغيير اسم شارع، بل له رمزية مهمة للتذكير والتأثير كعلاقات عامة وكسمعة وكرأي، هذه الإنجازات وغيرها مستمرة في الخارج والحكومة لا تستطيع منافستنا، وهذا موضوع محسوم.

أيضًا أنا أرى أن مساعدنا الأول لمعارضة محمد بن سلمان هو ابن سلمان ذاته، بسبب غبائه في العلاقات السياسية وحُمقه في دراسة السمعة، ولا يدرك الأبجديات البسيطة للعملية السياسية لذلك هو يساعدنا في هذا المجال كثيرًا خارجيًّا.

أما فيما يتعلق بالداخل، وهو الأهم، هناك يوجد جمهورنا الحقيقي ورأس مالنا الحقيقي في كل هذه العملية، اذهب فقط إلى مساحاتنا الصوتية التي نقوم بعملها كل أسبوع على تويتر، أحيانًا يصل عدد الحضور إلى 100 ألف مستمع غالبهم من داخل البلاد، ثم اذهب إلى مناسبات الحكومة فتجد عشرات وربما يصل إلى المئات، دعني أذكر لك إحصائية واحدة قمنا بها بعد إحدى المساحات الصوتية التي أجريناها على تويتر، حيث حضرها أكثر من 85 ألفًا كان 80% منهم من داخل البلاد.

على جانب مقابل، نشرت الإذاعة الأمريكية الرسمية مقابلات على الأرض مع ضحايا للهدم الذي يحصل في جدة، وغيّرت أصواتهم وصورهم ونشرت بعضًا من هذه المقابلات، ما يعني أن الناس تريد أن تتكلم عن أوجاعها حتى مع التشديد الأمني الموجود في الداخل والاعتقالات والتعذيب.

ودعنا نتكلم عن مثال من الشباب النشط على وسائل التواصل الاجتماعي، المعارض عمر بن عبد العزيز لديه أكثر من 600 ألف متابع على تويتر، وفقًا للإحصاءات أكثر متابعيه من داخل السعودية، وعمر بحدّ ذاته يعمل عملًا جبّارًا أكثر من أي وسيلة إعلامية أخرى، حتى أن الحكومة ترتبك بسبب ضخّه الإعلامي، مثلًا في بثّ مباشر واحد أجراه عمر على موضوع مدينة نيوم، يوضّح فيه أنه مشروع فاشل حضره أكثر من 700 مستمع، أكثر من 500 منهم من السعودية.

الحكومة بعد هذا البثّ استنفرت بشكل غير عادي، وأرسلت أناسًا ليجروا تغطية إعلامية من داخل مدينة نيوم، والتقاط صور عن مواقع العمل هناك للتوضيح أن هناك إنجازات و تقدُّم في المشروع، لكن حتى هذه الحركة أيضًا أثبتت فشل الحكومة.

 

هناك الآن العشرات من المعتقلين لمجرّد كلمة أو تغريدة ربما تكون غير سياسية، كيف تفسّرون هذه الحالة؟

هذه الأنظمة هي أنظمة من ورق وتفتقد للشعبية الشرعية، إذ إنها ليست منتخَبة بشكل ديمقراطي من الشعب، كما أنها مفتقِدة للشرعية التاريخية ذلك أنها لا تملك المعطى التاريخي الذي يجعلها مقبولة عند الناس ضمن إطار معقول، وأيضًا تفتقر للشرعية الشرعية، فهي بالتالي ليس لديها أي إرث ديني فتراها تلجأ إلى مشاريع بديلة مثل المواطنة، لكنهم تورّطوا بفكرة المواطنة إذ إن هذا الأمر له حقوق وحريات، ليخترعوا شيئًا جديدًا وهو الدولة الوطنية الخالية من المواطنة.

هذه النوعية من الأنظمة بسبب هشاشتها “يحسبون كل صيحة عليهم”، كما ذكر الله تعالى في القرآن، حيث باتت السلطة تقرأ وتفسّر كل ما يحصل بالهوس السياسي الأمني والاجتماعي، وبات النظام يرى أن أتفه وأصغر سبب يمكن أن يخلق كرة الثلج التي ستودي به.

الحاكم يعرف جيدًا أن كل ما يحتاجه الناس اليوم ليتخلّصوا منه هي صرخة حق وعدل وحرية، وتحتاج فقط إلى شرارة لكي يتم التخلص منها، لذلك هي تخاف من اللمسة والهمسة، فالتغريدة بالنسبة إليهم هي رمز لما تراه ورأته من أيام الربيع العربي الأولى، حيث كانت وسائل التواصل الاجتماعي تؤدي إلى ثورات، فهي تقرأ وتبالغ في تفسير هذه الأشياء

على سبيل المثال، يعتبر تويتر في السعودية شيئًا أساسيًّا، ويعتبر شعبها من أكثر الشعوب انخراطًا في استخدام تويتر إذا ما قيس بالنسبة إلى عدد الشعب، إضافة إلى أن الحكومة تحاول الاستثمار في هذا البرنامج حيث زرعت جواسيس داخله مهمتهم الأساسية الدخول إلى بعض الحسابات لمعرفة ما ورائها، وحصل ذلك بعد أن أصبح الأمير الوليد بن طلال شريكًا في الموقع.

طبعًا لا يخفى على أحد أن الحكومة أنشأت ما يُسمّى بالذباب الإلكتروني، وهي حالة حشد كبيرة تشتم وتهاجم كل أحد ينتقد الحكومة السعودية وتدافع عن مشاريعها أيًّا كانت، بالإضافة إلى أنهم صنعوا فريقًا كبيرًا جدًّا للعمل على خوارزميات تويتر لمواجهة الهاشتاغات المعارضة، وتستطيع من خلال هذا أن تسقط أي هاشتاغ معارض للحكومة و ترفع ما هو مؤيد لها.

يوجد اليوم عشرات آلاف الموظفين مهمتهم الوحيدة هي كتابة التغريدات ورفع الترندات المؤيدة للحكومة، ونعرف الكثير من المسؤولين السابقين الذين قالوا لنا إننا دخلنا على محمد بن سلمان ورأينا أن غرفته مليئة بالشاشات التي تعرض “تايم لاين” من التويتر السعودي، وهذا يعني وجود هوس كبير من قبل الحكومة السعودية بكل شيء يتعلق بهذا الموقع، لذلك هم يستهدفون أي أحد ينتقدهم ولو بتغريدة واحدة أو بكلمة.

يوجد امرأة اُعتقلت لأنها راسلت ناشطة من اللواتي اُعتقلن، وعندما فُتّش هاتف هذه الناشطة اُكتشفت المحادثة التي جرت بينهما قبل 10 سنوات، فعادوا إلى المرأة واعتقلوها.

 

بخصوص قضية الصحفي الراحل جمال خاشقجي.. هل نستطيع القول إن ابن سلمان حرّف القضية عن مسارها؟ وما هو تقييمك للدور الأمريكي والتركي في قضية خاشقجي؟

رفعنا في أمريكا قضية فيدرالية، وبالطبع لا تخضع هذه القضية لضغط أحد من قبل الأمريكيين أو الحكومة السعودية، نحن سنحاصر محمد بن سلمان بكل المجموعات القريبة منه والتي تخدمه الآن وسَدَنته المقرّبين.

من ناحية أخرى بما يتعلق بقضية خاشقجي بشكل عام، نحن لماذا نتحدث عن شارع خاشقجي وقصة خاشقجي ومنظمة خاشقجي؟ لأن الحادثة التي مرَّ بها ابن سلمان والحكومة السعودية في موضوع خاشقجي هي ما يسمّونه بالضرر غير القابل للإصلاح.

نحن فرضنا قضية خاشقجي على بايدن، ما أفقد محمد بن سلمان لذة ما يسمّى النصر بزيارة بايدن إلى السعودية، وأنا أعتقد أننا ضغطنا على حلفائنا في الكونغرس وهم جعلوا الرئيس بايدن يضطر للحديث بشكل صريح عن خاشقجي.

تغريدة واحدة كتبتها خديجة جينكيز في تويتر فيما يتعلق بالصحفي خاشقجي حرّكت الرأي العام، إذ إن أول سؤال تلقاه الرئيس الأمريكي جو بايدن في جدة كان ماهية ردّه على خطيبة خاشقجي التي وجّهت حديثها لبايدن، قائلة إن الضحية القادمة لمحمد بن سلمان دمها سيكون على يدَيك؟ ردَّ بأنه حزين لأنها تشعر بهذا الشيء، وقال إنه بحث موضوع خاشقجي مع ابن سلمان، وسأله الصحفيون إن اتخذ إجراءات بشأن قضية خاشقجي، وهذا السؤال أصبح من الفيديوهات الأكثر مشاهدةً، حيث ما زال خاشقجي حاضرًا ومسيطرًا على زيارة بايدن للسعودية، وهذا يعني أن القضية هي التي تحكم تاريخ ابن سلمان وتقدمه.

 

هناك الكثير من الناس التي تقول إن بلاد مثل السعودية والشرق الأوسط لا ينفع فيها الحكم الديمقراطي ويجب أن تحكم دائمًا بالسيف، هل تعتقد أننا كشعوب شرق أوسطية لا نستحق الديمقراطية كما يقولون؟

المستعمرون حينما أرادوا أن يحتلوا البلاد العربية نشروا سردية مهمة، وهي باختصار أن هذه الشعوب المتخلفة العربية والإسلامية غير قادرة على تطوير نفسها بنفسها، وتحتاج إلى مطوّر وإلى وصاية شبيهة بوصاية الكبير على الصغير والعاقل على السفيه، وهذه فكرة استعمارية خسيسة، منشأها الاستشراق العنصري الذي يرى أن العالم الإسلامي لا يستطيع أن يحكم نفسه بنفسه، وهذه الشعوب قدرها أن تكون متخلفة ولديها طريقة وحيدة لتقدمها، وهي أن يأتي شخص ويجعلها تتقدم بالإجبار.

أيضًا، برأيهم كل شعوب العالم تستطيع أن تتقدم بنفسها لأنها شعوب بيضاء، وحرة لأنها أوروبية وأمريكية، لكن نحن متخلفون، فالاستبداد لمّا جاء ورث من الاستعمار هذه الفكرة ورسّخها، فكرة أن الشعوب لا تحكم نفسها بنفسها لأجل أن يعيش وأن يكون هناك سلام واستقرار في المنطقة، وشرط التنمية أن أكون أنا الحاكم وآخذ الناس بالغصب، والسعودية وأمثالها هما نتيجة لهذا الشيء.

هذه للأسف السردية التي يرددها كل المستبدين، لذلك لما جاءت أحداث الربيع العربي تحدث بعض المفكرين والمثقفين عن الاستقلال الثاني، لأن الاستقلال الأول من الاستعمار الأحمر والتحرر الثاني هو من الاستعمار الأسمر، وهذا المستعمر يكون وصيًّا علينا وعلى مقدراتنا ويمنعنا من حرياتنا.

 

هل ترى أي أفق لتغيير قادم في السعودية؟

نحن في الجزيرة العربية لسنا استثناءً من التاريخ، هناك نواميس وسنن جارية لا يمكن إغفالها، يوجد طغيان يستشري بعض الوقت لكنه لا يبقى، صحيح أنه منهار أخلاقيًّا لكنه يستطيع صنع علاقاته السياسية بذكاء ليضمن الاستقرار، ولحسن الحظ إن محمد بن سلمان لا يمتلك أخلاقيات في هذا العالم حاله حال المستبدين في العالم، ولحسن الحظ ليس لديه السياسة التي تتواجد عند بعض المستبدين والتي تساعدهم أن يُبقُوا على أنفسهم في كرسي الحكم، فهو دمّر كل المعطيات الطبيعية التي عادة يلجأ إليها الاستبداد للبقاء في الحكم.

فلذلك، أنا آمل أن مثل هذا النظام لن يكون لديه طريق للإصلاح والتحسُّن، والشعب سيكون هو الحل لأنه هو العنصر الوحيد الباقي في المعادلة.