يبدو أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان المهووس بالألعاب والمشاريع الأسطورية، يتطلع إلى حلم جديد يتمثل في إقامة منطقة سياحية بين مصر والسعودية في إطار مدينة نيوم الخيالية.

فبعد أعوام من إعلان رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي التنازل عن جزيرتي “تيران وصنافير” للسعودية، رغم الرفض الشعبي، وما ترتب على ذلك من متغيرات سياسية واقتصادية وأمنية كبيرة بالمنطقة.

ها هو ولي العهد يستعد للدخول بجحافله إلى شرم الشيخ (جنوب سيناء)، على الجانب الآخر من تيران وصنافير، ويضخ استثمارات ضخمة على أمل الاستحواذ استثماريا على أبرز مدن مصر الساحلية الإستراتيجية.

مستغلا في ذلك الفجوة التمويلية الكبيرة التي يعاني منها النظام المصري وتُقدر بنحو 40 مليار دولار خلال العام المالي الجاري، فيما يحاول السيسي حلحلة الأزمة عبر فتح الأبواب لكفلائه الخليجيين، أملا في منحه حفن جديدة من القروض والمساعدات المعروفة شعبيا باسم “الأرز”.

وتأتي هذه التطورات بعد أن توقفت عجلة التنمية في سيناء ومدنها السياحية على مدار سنوات حكم السيسي الذي دمر كثيرا من مدنها وهجّر آلاف من سكانها.

 

1000 كيلو

في 4 أغسطس/ آب 2022، نشر موقع “المونيتور” الأميركي، أن محمد بن سلمان يعتزم الاستثمار في مدينة شرم الشيخ المصرية كجزء من مشروع نيوم الخيالي الذي تقدر تكلفته بـ500 مليار دولار.

وكشف الموقع عن خطة ابن سلمان لضخ استثمارات ضخمة في مصر في إطار مشروع نيوم السعودي، ستتركز بمنطقة شرم الشيخ السياحية على ساحل البحر الأحمر.

وفي 26 يوليو/ تموز 2022، قال ابن سلمان إن المملكة تخطط للاستثمار في مصر لاستكمال مشروع نيوم، بما في ذلك منطقة شرم الشيخ السياحية.

وأضاف خلال مؤتمر صحفي خصص لإعلان تصاميم مدينة “ذا لاين” المستقبلية في إطار نيوم أيضا: “سننشئ استثمارات ضخمة في مصر”، دون مزيد من التفاصيل بحسب موقع العربية.

فيما نقل المونيتور عن مسؤول سعودي لم يسمه، أن مشروع نيوم سيحول 50 جزيرة في البحر الأحمر إلى منتجعات فاخرة.

وقال إنه “سيشمل أيضا 7 مدن ومشاريع سياحية، وسيتركز في مصر على تطوير مدينتي شرم الشيخ والغردقة القائمتين”.

وذكر أن صندوق الاستثمارات العامة السعودي هو المستثمر الرئيس في نيوم، ومن المقرر الانتهاء من المرحلة الأولى من المشروع في عام 2025″.

وأضاف أن “هناك تنسيقا مصريا سعوديا على أعلى مستوى فيما يتعلق بتنفيذ مشروع نيوم، الذي يهدف لتطوير أراضٍ على مساحة 1000 كيلومتر مربع في جنوب سيناء”.

يذكر أنه في أغسطس/ آب 2018 ، قام السيسي بزيارته الأولى من نوعها لرئيس دولة إلى مدينة نيوم، والتقى هناك بالعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود.

 

شرم الشيخ

وتعد شرم الشيخ التي يسعى ابن سلمان إلى الاستحواذ على استثمارات ضخمة فيها، أكبر مدن محافظة جنوب سيناء، وتبلغ مساحتها 480 كيلو مترا مربعا.

وتتميز بموقع فريد حيث تقع عند ملتقى خليجي العقبة والسويس على ساحل البحر الأحمر، ما أدى إلى وجود بيئة طبيعية متميزة تعد العامل الأساسي في الجذب السياحي للمدينة.

ويصل عدد سكانها إلى 35 ألف نسمة، معظمهم يعمل في مجال السياحة والتجارة.

وشيدت المدينة عام 1968، وتعد واحدة من أجمل 4 مدن في العالم وفقا لتصنيف هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) لعام 2005.

وبسبب أن نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك أراد أن يجعلها قبلة السياسيين وزعماء العالم، حظيت المدينة ببنية أساسية قوية من المرافق والخدمات.

وفي عام 1996 شهدت شرم الشيخ قمة السلام، والتي حضرها قادة نحو 70 دولة ومنظمة دولية بينهم رؤساء مصر والولايات المتحدة روسيا وفرنسا والسلطة الفلسطينية.

وفي عام 1998 شهدت قمة مجموعة الـ 15 وقد عقدت لأول مرة في مصر، وهذه القمة تعقد بالتناوب في إحدى دول المجموعة.

ومن أبرز الأحداث التي شهدتها اتفاقية “واى ريفر” بين الفلسطينيين الذي مثلهم الزعيم ياسر عرفات والكيان الإسرائيلي الممثل في رئيس وزرائه في ذلك الوقت إيهود باراك في سبتمبر/ آب 1999.

وحضر عقد الاتفاقية عاهل الأردن الملك عبد الله، والرئيس (آنذاك) مبارك ووزيرة الخارجية الأمريكية (آنذاك) مادلين أولبرايت.

وتضم المدينة ميناء شرم الشيخ الذي تم تطويره عام 2006، وكما تضم مطارا دوليا تفد إليه الرحلات من مختلف دول العالم.

لذلك فإن تركيز ولي العهد السعودي على مدينة بهذا الحجم وهذه الأهمية مثير للاهتمام والتساؤلات.

 

سيناء والأمن القومي

ولم تزل مصر في طور الخطأ الإستراتيجي المترتب على التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، من أجل خدمة الكيان الإسرائيلي.

ما أثر على الأمن القومي للبلاد وعلى اقتصادها وتجارتها وعلى عبور السفن لقناة السويس.

كما منح إسرائيل حق المرور الحر في مضيق “تيران” كممر ملاحي دولي.

ومنح التنازل المصري دولة الاحتلال فرصة عقد اتفاقيات نقل البترول من الإمارات عبر سفن عملاقة إلى ميناء “إيلات” مرورا بمضيق تيران.

والتي كانت أول شحنة لها في 28 مايو/ آيار 2021، ما يؤثر على مستقبل قناة السويس بشكل مباشر.

ومنذ صعوده إلى الحكم عام 2014 عجز السيسي عن تنمية سيناء، بل ساهم في تدهورها.

ما سمح لقادة إقليميين مثل محمد بن سلمان للدخول إلى خط الاستحواذ قدر المستطاع على المناطق الإستراتيجية في سيناء.

وفي 15 يوليو/ تموز 2022، أعلن البيت الأبيض في بيان اتفاق السعودية مع إسرائيل على مغادرة قوات حفظ السلام المتاخمة بجزيرتي تيران وصنافير اللتين باعهما النظام المصري للرياض.

وذلك مقابل الإسراع في التطبيع مع إسرائيل والسماح لطائراتها باستباحة الأجواء السعودية.

 

عوائق التنمية

وبحسب تقرير للقناة 12 العبرية، في 25 يونيو/ حزيران 2021، شهدت السنوات الأخيرة إهدار ما لا يقل عن 30 مليار دولار تحت مقصد تطوير سيناء، خاصة في إقامة الطرق العامة والبنى التحتية، لكن المعطيات التي تتحدث عن الفساد باتت أكبر من أن تخطئها العين.

وسبق أن كتب وزير الإعلام (الأسبق) في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي، “صلاح عبدالمقصود” مقالة عن عوائق وفشل تنمية سيناء في 24 يونيو 2015، وأورد فيها: ” كنا في الحكومة نرى أن تنمية سيناء وإعمارها بالسكان، وتشجيع الاستثمار فيها خير وسيلة لحمايتها من مخاطر الاحتلال الصهيوني وغيره”.

وأكمل: “بوصف سيناء بوابة مصر الشرقية التي دخل منها الغزاة على مدى العصور منذ آلاف السنين وحتى القرن الماضي عندما احتلها العدو الإسرائيلي في حرب 1967، ونجح في احتلالها بالكامل، والتغول حتى وصل إلى مدن بورسعيد والسويس والإسماعيلية، ولم يعد بينه وبين العاصمة القاهرة إلا ثمانين كيلومترا فقط”.

واستطرد: “بدلا من أن تسهم وزارة الدفاع في معركة التنمية والنهوض بسيناء انقلب قائدها (عبدالفتاح السيسي)، وراح يدمر بيوت سيناء ويهجر سكانها، ويقيم منطقة عازلة مع قطاع غزة”.

وتابع: “وذلك بعد إزالة مدينة رفح الموجودة منذ مئات السنين، ويهدم الأنفاق التي تمد الفلسطينيين بمقومات الحياة عندما يخنقه العدو والشقيق، ويغلق المعابر ليحكم الحصار على أهل غزة، وبذل كل ما يستطيع لتحقيق المطالب الإسرائيلية الأميركية التي فشل مبارك والمجلس العسكري من بعده في تحقيقها”.

واختتم: “تنمية سيناء وإعمارها بالبشر والمشروعات خط أحمر، ضمن خطوط حمر أخرى استوجبت انقلاب قادة العسكر على التجربة الديمقراطية في مصر”.

والسؤال الذي يطرح نفسه إذا كانت تنمية سيناء خطا أحمر، لحساب من يدخل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ويقيم ألف كيلو متر في مشروعه للتنمية.

وإذا كان تم تدمير رفح المصرية والشيخ زويد وأجزاء من العريش، فما هو مستهدف ولي العهد السعودي في شرم الشيخ والغردقة؟

 

تخطيط المدن

من جانبه، قال أستاذ التخطيط العمراني بجامعة الأزهر الدكتور سيد نادر، إن “تخطيط مدينة نيوم التي يتطلع إليها محمد بن سلمان، حكم بالفشل قبل أن يولد، فالمدينة ليس لها ظهير عمراني كبير، وفي قلب صحراء جرداء لا موارد طبيعية فيها، ولا أساسيات للحياة الطبيعية كسائر مدن العالم”.

وأوضح لـ”الاستقلال”: “كل ما سيفعله ابن سلمان أنه سيطور مدينة تبوك ويحصل على الألف كيلو متر المصرية في الغردقة وسيناء، بالإضافة إلى تيران وصنافير، ثم يعلن نهضته العمرانية المزعومة”.

وأضاف نادر: “هذا أمر طبيعي وهو سبب رئيس لحرص ولي العهد على أخذ تلك المساحة من مصر والاستثمار فيها”.

وشرح الأمر بالقول: “لو ضربنا المثل بمدينة مثل (القاهرة) التي بناها القائد الفاطمي جوهر الصقلي، فهو لم يقمها من العدم، بل هي امتداد عمراني لعين شمس ثم الفسطاط ثم العساكر وأخيرا القاهرة، فكانت نتاج تنقلات حضارية وعمرانية طبيعية، وهو ما نقوم بتدريسه وتعليمه في الجامعات، حتى مع أساليب التطوير العمراني الحديثة”.

ولفت الخبير العمراني المصري إلى أن “الأخطر من فكرة تغول محمد بن سلمان في شرم الشيخ، الوجود الإسرائيلي عن طريق الشركات متعددة الجنسيات.

وقال نادر إنه في إطار أن السعودية تدفع إلى محور التطبيع العربي، وأن التنازل عن تيران وصنافير كان في صالح إسرائيل، فليس مستبعدا أن تخترق الشركات الإسرائيلية المدينة المصرية، لا سيما أن لها أطماعا واسعة في سيناء، تحديدا شرم الشيخ وطابا والغردقة، والمناطق الموازية لميناء إيلات”.

وأشار إلى أنه “علينا أن نسأل لماذا تضخ السعودية هذه الأموال والاستثمارات في شرم الشيخ؟ لماذا لم يذهبوا إلى بقعة مجاورة كما فعلوا في نيوم وقاموا بإصلاحها وتأسيسها من العدم؟ لماذا اختاروا هذه المدينة المحورية؟”.

“في ظل وجود كثير من المدن السعودية في حاجة إلى إصلاح واستثمار واسع، تحديدا في المناطق الشرقية ومحافظات القطيف والأحساء، حتى الرياض نفسها تحتاج إلى تطوير كبير، وهي العاصمة المحاطة بأماكن قديمة ومتهالكة” يوضح أستاذ العمران المصري.

وختم نادر بالقول: “فمن باب أولى إصلاح الوضع الداخلي، فضلا عن التطلع للتوسع خارجيا، واستغلال أزمة مصر الحالية”.