عندما كانت السلسلة الأخيرة من مسلسل لعبة العروش Game of Thrones على وشك البث، نشرت إحدى شركات إنتاج الفيديو في السعودية صورة لرجل جالس على العرش الحديدي في المسلسل الناجح يرتدي جلبابا تقليديا أبيض اللون.
بحسب صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية: “كان الهدف من الفيديو ترويج ممتع لمجموعة UTURN. وبدلاً من ذلك، أصبحت تحريضًا للقوميين السعوديين، الذين توجهوا إلى وسائل التواصل الاجتماعي لانتقاد الشركة لما اعتبروه إهانة لعائلة آل سعود، العائلة المالكة”.
الصحيفة حذرت من خطورة المد القومي في السعودية، مشيرة إلى أنه بات وسيلة للنيل من أي مظهر للمعارضة في البلاد.
وبحسب التقرير، قال أحد مستخدمي تويتر إن الفيديو سخر من الملك، ومن فعل هذا يجب أن يكون مسؤولاً، داعيا إلى سحب الجنسية من مرتكب الفعلة.
ومضت الصحيفة البريطانية تقول: “كان الهجوم على الفيديو الذي مدته 10 ثوان، والذي نُشر على موقع Snapchat، أحدث مثال على موجة من التطرف القومي التي اجتاحت المملكة خلال السنوات الثلاث منذ أن عزز ولي العهد الأمير محمد بن سلمان سلطته في البلاد”.
وأضافت: “في حين أن صعوده قد تسبب في تشبع الشباب السعودي بآمال تغيير اقتصادي واجتماعي جذري، إلا أنه ألهم حماسة وطنية بين المواطنين الذين يحاولون تعريف الهوية السعودية بعبارات صدامية على نحو متزايد”.
التشكيك في الأصول
فاينانشال تايمز تابعت: “بالنسبة لمؤيدي ولي العهد، فهذا تعبير عن الاعتزاز بثقة القيادة الجديدة وأسلوب حكمها الجريء والصاخب في المملكة المحافظة التقليدية. لكن بالنسبة للآخرين، فإنه اتجاه مثير للانقسام والقلق يكرس عقلية (معنا أو ضدنا)، تلك العقلية العدوانية التي تحظى برعاية ولي العهد البالغ من العمر 33 عامًا.
ونقلت الصحيفة عن أكاديمي سعودي بارز، لم يرغب في ذكر اسمه، قوله: “إن الأمر بمثابة استبعاد شديد، حتى بالنسبة للسعوديين الآخرين، وعلى المدى الطويل يمكن أن يكون خطيرًا للغاية”.
وأضاف الأكاديمي السعودي: “إذا أبدى سعودي رأيًا مخالفًا لأرائهم، فإن المتصيدين سيذهبون للبحث عن أسباب أخرى ليصوروه على أنه ليس سعوديًا خالصًا”.
وعلقت الصحيفة بقولها: “في بيئة يمكن أن يؤدي فيها حتى التلميح بالمعارضة إلى السجن، يخشى البعض من أن يتم استدعاؤهم على وسائل التواصل الاجتماعي لمجرد ظهورهم بأنهم لا يُظهرون ولاء كافيا للأمير محمد بما قد يكلفهم سمعتهم ووظائفهم – بل وحتى حريتهم”.
ونقلت فاينانشال تايمز عن أحد المهنيين الشباب الذي تعرض لهجوم على وسائل التواصل الاجتماعي، قوله: “الأمر ليس مجرد تصيد، إنها بلطجة إلكترونية. قد تكون حملة عبر الإنترنت لإخضاعنا للسجن”.
وبحسب الصحيفة، يربط السعوديون صعود القومية بمستشاري البلاط الملكي الذين استخدموا وسائل التواصل الاجتماعي للترويج بقوة لدعم خطط الأمير محمد الاقتصادية وسياسته الخارجية الحازمة – من قرار الحظر المفروض على قطر إلى خلاف الرياض غير العادي مع كندا العام الماضي.
وتابعت: “في البداية، كان هناك انتقاد للسياسات الحكومية التي أثارت ردود فعل عنيفة على وسائل التواصل الاجتماعي. بعد ذلك، عندما واجه الأمير محمد تدقيقًا دوليًا بعد مقتل جمال خاشقجي في أكتوبر(تشرين الأول 2018)، تم تصنيف الناس على أنهم خونة لمجرد أنه يُنظر إليهم على أنهم غير داعمين للحكومة بدرجة كافية”.
وأردفت: “كان سعود القحطاني، وهو مستشار ولي العهد، يقود العديد من حملات التواصل الاجتماعي. وتمت إقالته لدوره المزعوم في مقتل خاشقجي، لكن الناشطين السعوديين قلقون من أنه لا يزال نشطًا وراء الكواليس”.
وأشارت إلى أن السعوديين يقولون إنه يمكن النبش عن منشورات وسائل التواصل الاجتماعي منذ سنوات وإعادة تدويرها لاستهداف شخص ما.
وقال الشاب السعودي: “الهدف وضع جبهة موحدة وإسكات المنتقدين. كلما وقعت كارثة مثل مقتل خاشقجي، علينا التأكد من أننا جميعًا معًا”.
ومضت الصحيفة البريطانية تقول: “تعاملت السعودية، وهي بلد شاسع ذي تعداد سكاني متنوع ومناطق متميزة، مع مسألة الهوية الوطنية منذ تأسيس المملكة من قبل الملك عبد العزيز في عام 1932. على مدى عقود، علمت المدارس الأطفال أنهم مسلمون أولاً وعرب ثانيا وسعوديون ثالثا”.
وأضافت: “لكن بعد هجمات سبتمبر (أيلول) 2001 على الولايات المتحدة، والمؤامرات الإرهابية في المملكة، سعت الحكومة إلى تعزيز الشعور بالهوية لمواجهة التطرف. تبنت منهجًا محسوبًا بدأ بسلسلة من مؤتمرات الحوار الوطني. وبدأت المملكة رسميا الاحتفال بيومها الوطني في عام 2005”.
ومضت تقول: “في العصر الجديد، يعرض الكثير من السعوديين صورًا للملك سلمان والأمير محمد في ملفاتهم الإعلامية الاجتماعية. وثمة لوحات إعلانية ضخمة تحمل صورة الأب والابن على خلفية العلم الأخضر تزين المباني المكتبية. لقد استفادت الشركات من هذه الظاهرة من خلال نشر إعلانات وطنية للاحتفال بالمناسبات الوطنية”.
لعبة العروش
ونقلت عن محاضر شاب، قوله: “إن الأمر جديد جدًا. لم نعتد أبدا على النشيد الوطني”، مضيفا إنه فوجئ بعدم وجود رد فعل ضد النعرة القومية من “أصحاب النفوذ”
المحاضر حذر من خطورة أن يحدد عناصر الهوية الوطنية أشخاص مجهولون، قائلا: “يتم تعريفها من قبل أشخاص لديهم أتباع كثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي، ويقومون بالتغريد دون وضع صورهم أو أسمائهم الحقيقية – وهذا أمر خطير”.
ودعا قيادة البلاد إلى تحديد هذه الهوية، متسائلا: “ما الذي يميز السعودي عن غير السعودي؟ ما القيم الأساسية للشخص السعودي الذي يوحد جميع السعوديين بغض النظر عن مصدرها؟”.
وبحسب الصحيفة البريطانية، فإن الشعور بالقومية تأجج مع شعور البعض بسرعة مذهلة في التغيير المليء بالتناقضات.
ومضى تقرير الصحيفة يقول: “يتمتع الأمير محمد بدعم واسع النطاق للتغييرات الاجتماعية التي قادها، والتي فتحت الأبواب أمام النساء اللائي يقدن الآن ويعملن جنباً إلى جنب مع الرجال في المكاتب والمقاهي، فيما كانت تتبعهم الشرطة الدينية المخيفة. لكن الرواية المتغيرة لما يعنيه أن تكون سعوديًا تخلق شعورًا بالغربة بين البعض”.
ونقل التقرير عن سعودية تبلغ من العمر 40 عامًا، قولها: “لقد نشأت في جيل رأى الأشياء فقط من خلال منظور الدين، هل هذا حرام أم لا؟ بعد ذلك، تم امتصاص الدين بين عشية وضحاها دون ضخ قيم اجتماعية جديدة – هذا ما يقلقني”، مضيفة أنه في يوم من الأيام يمكن أن يتم وصفها بأنها إسلامية، وفي مرة قادمة بأنها ليبرالية.
وتابعت الصحيفة البريطانية: “في مواجهة الهجمات، أصبحت UTURN، الذين اتهم مسؤولوها التنفيذيون بالخيانة، من قبل المتصيدين، الآن في موقف دفاعي – وتنشر لغتها القومية الخاصة”.
ونقلت عن قسورة الخطيب رئيس مجلس الإدارة، في مقطع فيديو نُشر على الإنترنت بعد جدال لعبة العروش: “تخيل أنه في كل مرة أخرج فيها من البلاد أو أخرج منها، أشعر بالخوف. أعتذر لأي شخص قد نكون أهناه عن غير قصد، لكنني أريد أن أؤكد من جديد أننا جزء من هذه الأمة. نحن أول من يدافع عن البلاد. UTURN جندي لهذه الأمة”.