وصفت صحيفة Financial Times البريطانية السعودية بأنها جحيم المستثمرين الأجانب تحت قيادة ولي العهد محمد بن سلمان.

وشككت الصحيفة في تقرير لها بفرص نجاح خطط بن سلمان في إطار رؤية 2030 للتنويع الاقتصادي بشأن جذب كبرى الشركات الأجنبية لفتح مقرات لها في المملكة.

وقالت الصحيفة إن هناك ارتباك كبير في عمل مختلف الوزارات السعودية، لأن بن سلمان حوّل أهداف هذه الوزارات إلى العمل كجزء من خططه التي تتعارض مع بعضها البعض.

وأضافت أن هناك تناقض هائل عندما تتحدث وزارة الاستثمار فإنها تصوّر السعودية وكأنّها جنة المستثمرين، لكن الواقع الحقيقي جهنمي، حيث يوجد تأخير في المدفوعات وبيروقراطية تعيق العمل، بالإضافة إلى مخاوف بشأن البيئة التنظيمية وسمعة ابن سلمان في حملاته القمعية ضد رجال الأعمال.

وأبرزت الصحيفة أنه لاتزال السعودية تواجه تحدياً كبيراً في جذب شركات السيارات والطيران والسلع الاستهلاكية والتكنولوجيا الحيوية والأدوية وشركات الطاقة الخضراء.

وتناولت الصحيفة تصاعد حدة التنافس الاقتصادي بين السعودية والإمارات لاسيما ما يتعلق باستضافة مقرات الشركات الكبرى.

وأشارت إلى أنه “بينما تعمل السعودية على إضفاء الشرعية على الكحول والسياحة في البحر الأحمر، سوف تلغي الإمارات تجريم المثلية الجنسية وتجعل أسبوع العمل من الاثنين إلى الجمعة حسب بعض التوقعات”.

وسبق أن أبرز تقرير دولي نقاط ضعف عديدة للسعودية في جذب الشركات العالمية من أجل افتتاح مقرات لها في المملكة.

وذكر تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية أن المدن السعودية تفتقر إلى البنية التحتية الملائمة في قطاعات رئيسية؛ مثل النقل والمصارف، بينما تعاني بعض الوزارات من بيروقراطية متجذّرة.

وقال الخبير في شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة “ستراتفور” الاستشارية ريان بوهل للوكالة إنّ الرياض بعيدة جداً عن “دبي وحتى أبوظبي من حيث الليبرالية الاجتماعية والإسكان والتعليم وأماكن الترفيه”.

وتابع أنّ “الحقيقة الصعبة الأخرى هي أنّ في السعودية 19 مليون مواطن محافظ إلى حد كبير سيكونون أقل قابلية للتفاعل مع العادات الاجتماعية الغربية لسنوات قادمة مقارنة بالإمارات”.

 

وهذه ليست التحديات الوحيدة.

فبينما ينظر إلى دبي على أنها واحدة من أكثر المدن أماناً في المنطقة، تواجه الرياض تهديداً من الحوثيين في اليمن، حيث تقود تحالفاً عسكرياً منذ 2015، والجماعات المتطرفة على حد سواء.

ومن المتوقع أن تتعرض جهود السعودية لتحسين صورتها لضغوط من قبل الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة.

وذلك بعدما لوّح الرئيس جو بايدن بجعل المملكة “منبوذة” على خلفية جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي وسجلّها الحقوقي وحرب اليمن.

وجعلت البنية التحتية الحديثة والقوانين السلسة من دبي المقر الإقليمي المفضّل للشركات الدولية.

وسهّلت الإمارة الخليجية الثرية فتح الأعمال التجارية في منطقة تعاني من البيروقراطية.

ما ساعدها على استضافة نحو 140 مقرّاً لشركات كبرى خلال 3 عقود، أكثر من أي مدينة أخرى في الشرق الأوسط.

وبينما كانت بيئة الأعمال تزدهر في دبي، تعثر النمو في الرياض، عاصمة أكبر اقتصاد عربي، بسبب السياسات المتشددة والتهديدات الأمنية والفساد.

ويحاول ولي العهد محمد بن سلمان وضع حد لذلك عبر دفع افتتاح أعمال جديدة بوتيرة متسارعة، من المطاعم إلى الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا.

وقال بن سلمان إنّ هدفه “أن تصبح الرياض واحدة من أكبر عشر اقتصادات مدن في العالم”

ولتسريع هذا الهدف، أعلنت الرياض أنّها ستوقف، اعتباراً من مطلع العام 2024، التعامل مع شركات أجنبية تقيم مقرات إقليمية لها خارج السعودية.

وتمثّل الخطوة تحدّياً مباشراً لدبي وتهدّد بسباق مفتوح محتدم بين الجارتين الحليفتين، السعودية والإمارات.

وقال الأستاذ المساعد في كلية لندن للاقتصاد والسياسة ستيفن هيرتوغ: “لا أعتقد أنّ هذه هي النية، ولكن هذا ما سيحصل عملياً، كون دبي الموقع المفضّل كمقر إقليمي للشركات الدولية”.

وتبنّت السعودية مؤخرا سلسلة من التغييرات الاجتماعية التي لم يكن من الممكن تصورها في السابق، وعدّلت بعض قوانينها المتشددة.

وفتحت الرياض، المدينة التي يبلغ عدد سكانها 7.5 ملايين نسمة وكان يُنظر إليها على أنها معقل لسياسات المحافظين، أبوابها للترفيه والاستثمار.

وتم تهميش هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونفّذت حملات لمكافحة الفساد.

وتلطّخت عملية التجديد بجريمة قتل خاشقجي في إسطنبول عام 2018.

والحملة القمعية ضد المعارضة التي شهدت وضع العديد من المنتقدين السلميين وراء القضبان.

لكن الوجه الجديد للعاصمة جذب مع ذلك مستثمرين كثيرين يأملون في الاستفادة من مشاريع بمليارات الدولارات.

مثل مدينة “نيوم” المستقبلية الضخمة المخطط لها على ساحل البحر الأحمر.

ويقول المسؤولون السعوديون إنّ المملكة تستضيف أقل من 5% من المقرات الرئيسية للشركات الكبرى في المنطقة.

وذلك رغم أنها تمثّل “حصة الأسد” من الأعمال والعقود إقليمياً.