للمرة الثالثة، يبذل العراق جهودا تبدو مستحيلة، للتوسط بين السعودية وإيران، لإنهاء الأزمة المتصاعدة بين البلدين، ولا سيما بعد الهجمات التي طالت منشآت “أرامكو” النفطية، واتهمت الرياض طهران بالوقوف وراءها.

زيارة رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي المفاجئة إلى الرياض، الأسبوع الماضي، أعادت الحديث عن دخول بغداد كوسيط لحل الأزمة بين البلدين، التي بدأت شرارتها منذ عام 2016 جراء الهجوم على البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران.

إلا أن ما يجعل الموضوع مختلفا هذه المرة، هو أن لقاءات عبدالمهدي بالمسؤولين السعوديين جاءت بالتزامن مع حديث رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان عن طلب كل من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، منه الوساطة مع إيران.

رئيس الحكومة العراقية، قال بحسب بيان صدر عن مكتبه: إنه بحث مع ملك السعودية سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده، الأوضاع الإقليمية والسعي إلى تهدئة الأوضاع ودرء أخطار نشوب أي صراع او حرب وتلافي مضاعفات كل ذلك.

وأشار إلى أن اللقاءات كانت مكثفة وعميقة وصريحة ومباشرة، “ووضعنا بعض التصورات في كيفية إيجاد حلول تساعد البلدين بالتقدم في علاقاتهما، خصوصا في مجالي النفط والتبادل التجاري، وكذلك للتهدئة في أوضاع المنطقة ومنع شرور الحرب فيها”.

عبدالمهدي، أبدى تفاؤلا بعد محادثاته في السعودية، بالقول: “لقينا استجابة طيبة جدا في لقاءاتنا المكثفة مع الملك وولي العهد ونحن أقرب إلى التفاؤل للمضي قدما باتجاهات حلحلة الاوضاع ومنع حدوث أي صدام أو احتمالات لنشوب اقتتال أو حرب في المنطقة، والكل يريد التهدئة لا الحرب، ولكن الاوضاع صعبة ومعقدة، ويحب أن نكون صبورين ونسعى لإيجاد مفاتيح وأبواب وحلول مقبولة لكل الأطراف”.

وساطة العراق هذه المرة جاءت، بضوء أخضر من السعودية وإيران، لحل الأزمة القائمة في المنطقة، على خلفية الهجوم الأخير الذي استهدف شركة أرامكو النفطية السعودية، بحسب عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي عامر الفايز.

الفايز قال في تصريحات، إن: “الأزمة بين الرياض وطهران في طريقها إلى التهدئة، وربما الحل النهائي من خلال جمع الطرفين على طاولة حوار في بلد محايد”.

ووصف العراق على أنه بلد محايد في هذه الأزمة، قد لا يتفق معه كثيرون يرون أن بغداد بمثابة الحديقة الخلفية لطهران التي تدعمها سياسيا وعسكريا.

 

سُعاة بريد

واستكمالا لدور “الوساطة” العراقية، فإن عبدالمهدي يعتزم إجراء زيارة إلى إيران بعدما تكللت زيارته إلى المملكة العربية السعودية بالنجاح، وفقا للنائب العراقي بدر الزيادي.

الزيادي أكد أن: “العراق لاعب أساسي بالمنطقة ودوره فعال وعاد إلى دوره الريادي”، لافتا إلى أن: “التهدئة هي الحل الأمثل لأن حصول أي معركة أو حرب لن تنفع أي طرف، والمنطقة لا تتحمل المزيد من الحروب، والعراق يريد الاستقرار وهو الامر الذي تبناه رئيس الوزراء خلال زياراته لدول المنطقة”.

غير أن الرئيس العراقي برهم صالح، أدلى بتصريحات نفى فيها أن يكون العراق وسيطا بين السعودية وإيران، وقال: إن “عبدالمهدي وخلال زيارته الأخيرة للسعودية لم يكن وسيطا، لكنه حمل طروحات حول كيفية التهدئة في المنطقة، لأنها بحاجة إلى التهدئة وتخفيف التوتر”.

لكن في الوقت نفسه، لم ينف برهم صالح خلال حديث تلفزيوني، وجود تواصل مع الجانب الإيراني لتهدئة المنطقة بعد التوترات الأخيرة مع واشنطن، مشددا على أن العراق لا يريد حربا أخرى.

 

وعلى الوتيرة ذاتها، قال رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي: إن المنطقة تعيش حالة من التوتر، وأن هناك أطرافا تريد إشعال الحرب، مشيرا إلى أن هذه الحرب لو وقعت، فإنها ستدمر الجميع.

ولفت العبادي إلى أن: “العراق بموقعه له علاقات طيبة مع كل الجيران، يستطيع أن يساهم في التهدئة، لكن يجب أن تكون خطوات العراق محسوبة وليس مبالغ فيها، فنحن لسنا سُعاة بريد، وليس من واجبنا نقل رسالة من هنا وهناك”.

وتابع: “الدول لديها سعاة بريد ولا نريد أن نضاف كسعاة بريد جدد، وإنما يجب أن يكون لنا دور محوري في تفكيك هذه الأزمة من خلال علاقاتنا الطيبة”.

 

الوساطة الثانية

السؤال الذي يطرح نفسه حاليا: بماذا تختلف وساطة العراق الحالية عن محاولتين سابقتين كتب لهما الفشل في إنهاء التصعيد بين إيران والسعودية، أم أنها مجرد مبادرة شخصية يحملها عبدالمهدي لتجنيب بلاده نيران أي تصعيد بين البلدين، تكون الولايات المتحدة طرفا فيه؟

ففي أبريل/نيسان الماضي، كشف مصدر سياسي مقرب من رئيس الوزراء العراقي الحالي، أن عبد المهدي طرح خلال زيارته إلى طهران آنذاك مبادرة لتقريب وجهات النظر بين إيران والسعودية.

ونقلت تقارير صحيفة عن المصدر، قوله: إن “زيارة عبد المهدي في شكلها تبحث العلاقات بين بغداد وطهران، وآليات تنفيذ الاتفاقيات ومذكرات التعاون بين البلدين، لكنه يطرح أيضا مبادرة بين إيران والسعودية”. وأضاف أن: “هذه المبادرة بدأت من مصر، عندما زارها عبد المهدي في مارس/آذار الماضي”.

من جهته، كشف رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، النائب حشمت الله فلاحت بشه، أن: “هناك جهودا تبذلها الحكومة العراقية لإنهاء الخلافات وتقريب وجهات النظر بين السعودية وإيران”.

وأشار في حديث نقلته وكالة “تسنيم” الإيرانية في أبريل/نيسان الماضي، أن: “بعض دول العالم الإسلامي بالمنطقة تدرك أن أي خلافات وأزمة تحدث في المنطقة ستؤثر عليها، وفي مقدمتها الحكومة العراقية”.

وأضاف أن: “إنهاء الخلافات والتوترات بين إيران والدول العربية بالنسبة للعراق اليوم قضية إستراتيجية، الأمر الذي دفع لتدخل الوساطة العراقية التي تعي أهمية الأمن بالنسبة للقادة العراقيين”.

وبيّن حشمت، أنه: “وفقا للمعلومات التي تلقيناها، يؤكد القادة العراقيون أنهم يحاولون لعب دور الوسيط، ولهذا يقومون بزيارات لإيران والسعودية لمنع تصاعد التوتر بين البلدين الذي يؤثر على استقرار المنطقة”.

وبعد زيارة عبدالمهدي إلى السعودية في أبريل/نيسان الماضي ولقائه الملك سلمان وولي العهد، لم يصدر أي شيء للإعلام عن الوساطة التي يقوم بها رئيس الحكومة العراقية بين الرياض وطهران.

 

الوساطة الأولى

أما الوساطة الأولى للعراق، فقد كنت في عهد رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، إذ كشف وزير الداخلية العراقي قاسم الأعرجي في أغسطس/آب 2017، أن المملكة العربية السعودية طلبت من بلاده رسميا التوسط بين الرياض وطهران لكبح التوتر بين البلدين.

جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي للأعرجي عقده في طهران مع نظيرة الإيراني عبد الرضا رحماني فضلي ونقلته محطات فضائية، حيث قال الأول: إن السعودية طلبت من العبادي التدخل للتوسط بين الرياض وطهران.

كما أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان طلب من الأعرجي رسميا خلال زيارته الأخيرة إلى السعودية أن يتوسط العراق بين بلاده وإيران بغرض تخفيض التوتر بين البلدين.

وأضاف الأعرجي: “سبق أن طرح الملك سلمان هذا الطلب. وأنا رددت عليهم: عليكم أن تحترموا الحجاج الإيرانيين وتتعاملوا معهم بأحسن طريقة ممكنة، وأن تسمحوا لهم بالدخول إلى مقبرة البقيع ووعدنا الجانب السعودي بهذا الشأن”.

وبعدها خرج مصدر دبلوماسي خليجي وشكك بمصداقية تصريح وزير الداخلية العراقي، بخصوص طلب الرياض وساطة عراقية لتخفيف التوتر مع إيران.

ونقلت مواقع خليجية عن الدبلوماسي أن كلام الأعرجي غير واقعي، وهو أمر مستبعد في الظروف الحالية، مستغربا صدور هذا التصريح من مسوؤل عراقي تناط به مسؤولية محددة داخليا، وليس على اطلاع بما يدور في وزارة الخارجية العراقية، التي يجب أن يصدر عنها هذا التصريح، إن كان صحيحا فعلا.

وأضاف الدبلوماسي الخليجي الذي لم يذكر اسمه: أن إطلاق هذا التصريح من داخل إيران ومن وزير داخلية، وليس وزير خارجية “أمر مثير للاستغراب”.

لكن الصدمة كانت بعد يوم واحد فقط، إذ أصدر الأعرجي في اليوم التالي بيانا نفى فيه تصريحه المسجل صوتا وصورة، الذي أدلى به أثناء وجوده في طهران، عن طلب السعودية من رئيس وزراء العراق حيدر العبادي التوسط لدى طهران لإنهاء التوترات بينهما.

وقال الأعرجي في بيان مقتضب نشرته وزارة الداخلية العراقية في حينها، إن: “السعودية لم تطلب من رئيس الوزراء حيدر العبادي التوسط بينها وبين إيران”.

 

الجنوح للسلام

يرجح مراقبون سيناريو طلب السعودية للوساطة بجدية هذه المرة، لعدة أسباب، أبرزها أن الخيار العسكري سيؤدي حتما إلى حرب مفتوحة، حيث لا تتردد قيادات إيرانية، مثل قائد الحرس الثوري، في تهديد السعودية، وما فعلته مؤخرا، في ردها على تصريحات سعودية وأمريكية اتهمت إيران بالمسؤولية عن الهجمات الأخيرة.

وتؤكد إيران على أن أية ضربة عسكرية على إيران ستؤدي إلى “حرب شاملة”، وهو ما يدعو الولايات المتحدة والسعودية للتردد في اتخاذ قرار الرد العسكري على الهجمات.

ومن الأسباب المهمة التي تدفع السعودية لتجنب الحرب والرد العسكري، أن منظومة الدفاع الجوي التي تمتلكها، لا تكفي لتأمين الحماية لكافة البنى التحتية للطاقة والمرافق الحيوية التي يمكن أن تكون أهدافا متاحة للضربات الإيرانية المباشرة، أو عبر القوات الحليفة لها في العراق واليمن.

وتأكد خلال حرب اليمن التي يخوضها التحالف السعودي الإماراتي منذ مارس/آذار 2015، فشل صواريخ الدفاع الأمريكية “باتريوت” في التصدي لاستهداف جماعة الحوثي المسلحة المدعومة من إيران للعمق السعودي.

وقد رأت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية في يونيو/حزيران الماضي، أن هجمات الحوثيين بالصواريخ والطائرات المسيرة كشفت نقاط ضعف في الدفاعات الجوية لدى السعودية التي تعتمد نظام باتريوت الأمريكي، وتعد ثالث أكبر دولة في العالم من حيث الإنفاق العسكري.