تفضح الوقائع النهج الحكومي السعودي في استخدام الفن لغسل سجل حقوق الإنسان الرهيب في المملكة ومحاولة تلميع صورة حكامها ف المحافل الدولية.

وأبرزت المديرة التنفيذية لمنظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي (DAWN) سارة لي ويتسن، ضرورة مراعاة القواعد الأخلاقية التي يجب التعامل في إطارها المتاحف الفنية مع حكومة استبدادية قمعية مثل السعودية.

وجاء في مقال نشرته ويتسن أنه “عندما قام متحف آندي وارهول في بيتسبرغ مؤخرًا بإعارة الأعمال الفنية لمعرض جديد في مركز الفنون الجديد بالمملكة العربية السعودية في العُلا تحت عنوان “الشهرة: آندي وارهول في العُلا”، ناقش المعلقون ما إذا كان يجب على المتحف العمل مع الحكومة السعودية أم لا.

ولكن السؤال “هل يجب عليهم ذلك أم لا”هو في الواقع سؤال خاطئ يصعب الاجابة عليه بنعم أو لا، أكثر من السؤال الحقيقي وهو: تحت أي ظروف يجب أن تتعامل متاحف الفن بشكل أخلاقي ومسؤول وتعير اعمالها الفنية لحكومة قمعية وسلطوية للغاية يرأسها “أمير” ديكتاتور معتل اجتماعيًا ارتكب بعضًا من أبشع الانتهاكات في العالم؟

قد يبدو الأمر مفاجئًا للبعض في عالم الفن أنه حتى المؤسسات الفنية لديها مسؤوليات تجاه حقوق الإنسان، كما هو مفصل في مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان، بالإضافة إلى مبادئ الأمم المتحدة العشرة للاتفاق العالمي وأهداف التنمية المستدامة للمنظمة.

تتطلب هذه المسؤوليات في جوهرها من المتاحف عند القيام بأعمال تجارية في مكان مثل المملكة العربية السعودية النظر فيما إذا كانت تلك المتاحف تساهم في انتهاكات حقوق الإنسان وما هي الخطوات التي يجب أن تتخذها لمعالجة الآثار السلبية لأنشطتها.

ليس سرًا أن حكومة السعودية لديها واحد من أسوأ سجلات حقوق الإنسان في العالم. فقد قصفت الحكومة السعودية بشكل عشوائي ومتعمد المدنيين في اليمن على مدار السنوات الثماني الماضية وفرضت حصارًا بريًا وجويًا وبحريًا على البلاد أودى بحياة نصف مليون يمني ودفع الملايين إلى حافة المجاعة.

كما وضعت ناشطين وكتّاب سعوديين وحتى مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في السجن لعشرات السنوات لتعبيرهم عن أقل قدر من الانتقادات، بما في ذلك سيدتان سعوديتان تم الحكم عليهما بالسجن لمدة 45 عامًا و 34 عامًا، بسبب بضع تغريدات فقط.

في الشهر الماضي، رفعت محكمة سعودية العقوبة ضد مواطن أمريكي ارتكب خطأ زيارة البلاد إلى 19 عامًا في السجن. ما هي جريمته؟ 14 تغريدة من فلوريدا تنتقد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

كانت الجريمة الأكثر شهرة التي ارتكبها محمد بن سلمان، بطبيعة الحال، هي اختطاف وتعذيب وقتل جمال خاشقجي المقيم في العاصمة الأمريكية واشنطن وذلك أثناء تواجده في القنصلية السعودية في إسطنبول.

بعد أكثر من أربع سنوات على مقتل الصحفي خاشقجي، لم تكشف الحكومة السعودية حتى الآن عن المكان الذي أخفوا فيه رفاته.

في الآونة الأخيرة، أصدرت الحكومة أيضًا “قانون الأحوال الشخصية” الجديد الذي يقنن قوانين الأسرة في البلاد لأول مرة، ولكن للأسف أبقت على أسوأ الأحكام ضد النساء، حيث تطلب منهن الحصول على إذن ولي الأمر الذكر للزواج، أو عند الخضوع لبعض الإجراءات الطبية، أو عند مغادرة مركز احتجاز، وتعريضهن لتمييز شديد في الطلاق وحضانة الأطفال.

يسعى الكثيرون لتبرير ممارسة الأعمال التجارية مع السعودية، والتي تُعد، في نهاية المطاف، واحدة من أغنى البلدان في العالم، ويستشهدون بالتغييرات العميقة في البلاد التي بدأها القائد السعودي الجديد مثل السماح للمرأة بالقيادة والظهور بدون حجاب في الأماكن العامة وإلغاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والسماح بالترفيه في البلاد مثل السينما والحفلات الموسيقية والعروض الفنية.

هذه التغييرات جديرة بالثناء، لكنها لا تعفي الحكومة أو محمد بن سلمان من الجرائم الشنيعة، فتلك التغييرات تشابه التزام هارفي وينشتاين بالأفلام الخاصة به الذي يعده دفاعًا عن اغتصابه للنساء.

تدرك الحكومة السعودية جيدًا سمعتها الكارثية، ولهذا السبب بالتحديد استثمرت مليارات الدولارات في مشاريع أزياء ومشاريع رياضية وترفيهية فاخرة ومبهمة وصاخبة في الداخل والخارج، على أمل أن تتمكن الرياضة والأزياء والفن من غسل سجلها الدموي.

لا ينبغي أن يكون هناك أي وهم بأن المبلغ الضخم المدفوع لمتحف وارهول والامتيازات الفائقة التي يستمتع بها باتريك مور وموظفيه بلا شك هي فقط مقابل أعمال وارهول الفنية الجميلة.

ما تدفعه الحكومة السعودية حقًا—وما يبيعه متحف وارهول بالفعل—هو الشرعية والمصداقية والدعم للحكومة السعودية على الرغم من انتهاكاتها الجسيمة. هكذا يساهم متحف وارهول في انتهاكات الحكومة السعودية، حيث يلعب دوره في تشتيت انتباهنا وجعلنا ننظر بعيدًا عن الناشطات المدافعات عن حقوق المرأة اللواتي تعرضن للتعذيب والسجن، وعن قصف 26 طفلًا في صنعاء وتمزيقهم إلى أشلاء من خلال غارة سعودية استهدفت حافلة مدرستهم، وعن واعظ سعودي يواجه عقوبة الإعدام لدعوته إلى السلام، وعن أكثر من ذلك.

بدلًا من تجاهل الانتقادات من خلال الادعاء بشكل سطحي بدعم “التبادل الثقافي”، كان على متحف وارهول أن يبذل العناية الواجبة الصادقة والجادة بشأن تأثير معرضه على حقوق الإنسان، وأن يفكر في كيفية معالجة أو على الأقل التخفيف من الأضرار التي قد يساهم بها بشكل لا مفر منه، وأن يقوم بتعزيز نقاشات عامة حقيقية، بما في ذلك مع نشطاء من السعودية. كان ينبغي أن يكون قرار قبول القيام بهذا المعرض بداية لمثل هذا النقاش، وليس نهايته.

ان إحدى الطرق المهمة لمعالجة أضرار مثل هذا المعرض هي التفكير فعليًا في الكيفية التي يمكن للمتحف من خلالها دعم حقوق الإنسان للمجتمعات الأكثر ضعفًا في السعودية بمحتوى يمكن أن يثري فهم الجمهور السعودي لهذه القضايا.

سيكون مجتمع الميم الذي يتعرض للوصم الشديد والعقاب القانوني نقطة تركيز طبيعية، نظرًا لتجربة وارهول الخاصة كرجل مثلي الجنس عاش في وقت كان فيه التمييز ضد مجتمع الميم منصوصًا عليه في القانون.

كان من الممكن أن يكون تثقيف الجمهور السعودي لفهم عمل وارهول باعتباره متجذرًا بعمق في هويته وتجربته نقطة انطلاق رائعة ومساهمة إيجابية حقيقية وفعلية في “السردية والتعليم والتبادل الثقافي”، كما يستشهد السيد مور دفاعًا عن المعرض.

لكن بدلًا من ذلك، يبدو أنه انتقى أكثر أعمال وارهول سطحية وأقلها تطلبًا، والتي ركزت على “المشاهير” و “نجوم هوليوود”، في ما لا يمكن وصفه إلا بأنه ممارسة شنيعة في الرقابة الذاتية، حيث يخضع بشكل تام لقيود السعودية على حرية التعبير.

هناك بالفعل طرق لا تعد ولا تحصى كان يمكن لمتحف وارهول التفكير فيها لمعالجة بعض الأضرار الناجمة عن تواطؤه في دور الفن في غسل السمعة، وتجنب سردية “إما/أو” الهزيلة.

لا يتحمل الفنانون والقائمون على الأعمال الفنية والمتاحف مسؤولية خاصة لاستنكار أو إدانة أي وجميع الانتهاكات التي ترتكبها حكومة أجنبية.

ولكن عندما تقوض انتهاكات الحكومة اليومية مبادئ الفن وأهدافه—المتمثلة في تعزيز الإبداع وحرية التعبير وعالمية الفن—ويجد المتحف نفسه أداة لمثل هذه الانتهاكات، فحينها ينبغي التوقف عن ذلك، أوعلى الأقل، إيجاد طرق لإعادة تأكيد مبادئ حقوق الإنسان. ان أقل التزام يقع على عاتقنا، يا سيد مور، هو عدم إلحاق الضرر بأحد.