لسنا بحاجة لأن نكون في عجلة من أمرنا”.. هكذا عبر المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي “جون كيربي” مؤخرا عن استراتيجية الولايات المتحدة المعتمدة لـ “عقاب” السعودية على دعمها خفض إنتاج تكتل (أوبك+) للنفط بمقدار مليوني برميل يوميا، ما اعتبره المحلل الأمريكي “جيمس دورسي” فوزا بطيئا بالنقاط.
وذكر “دورسي”، في تحليل نشره موقع “مودرن دبلوماسي”، أن الاستراتيجية الأمريكية نجحت مؤخرا في دفع السعودية نحو استرضاء إدارة الرئيس “جو بايدن”، خاصة بعدما فشلت ضغوط المملكة، المتعلقة بإنتاج النفط، في دعم منافسه، الرئيس السابق “دونالد ترامب” وحزبه الجمهوري، في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس.
وأوضح أن “السياسة السعودية جاءت بنتائج عكسية”، إذ كان أداء حزب “بايدن” الديمقراطي أفضل بكثير في الانتخابات، بعدما احتفظ بالسيطرة على مجلس الشيوخ وخسر أكثرية مجلس النواب أمام الجمهوريين بهامش أقل بكثير مما كان متوقعًا.
واعتبر “دورسي” أن السعودية أدارت سياستها وفق استراتيجية العصا والجزرة، بدعمها قرار خفض إنتاج النفط، وإرسالها “إيماءات” تصالحية في الأسابيع الستة التي أعقبت القرار، عبر التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح قرار يعتبر ضم روسيا لأجزاء من شرق أوكرانيا غير قانوني، وزيادة المساعدات الإنسانية لأوكرانيا بشكل كبير.
لكن هكذا سياسة فشلت في إقناع “بايدن” بتفريغ بعض الوقت على هامش قمة مجموعة العشرين للقاء ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان”، وفق سياسة مقابلة لإدارته، تقوم على معاقبة الرياض بإرغامها على تنازلات متدرجة، في إطار استراتيجية عصا وجزرة مقابلة.
فإدارة “بايدن”، الذي رفض تخصيص وقت للقاء “بن سلمان”، تحركت بحسم عبر تحليق قاذفتين من طراز B-52 فوق الشرق الأوسط، في رسالة استعراضية موجهة لردع إيران، بعد تداول أنباء عن خطط مزعومة لهجوم وشيك على السعودية، وفي أعقاب تقارير تفيد بأن الرياض قطعت محادثاتها، التي يرعاها العراق، مع طهران.
ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان التحرك الأمريكي قد ردع إيران، حسبما يرى “دورسي”، لكن المؤكد أنه قد يدفع السعودية لمزيد من استرضاء الولايات المتحدة، خاصة في ظل استمرار التهديد الإيراني، واحتمال انتقاله إلى الحدث العالمي الكبير في قطر.. نهائيات كأس العالم لكرة القدم.
وهنا يوضح “دورسي” أن الدولة العبرية نصحت نحو 20 ألف إسرائيلي، يُتوقع حضورهم مباريات كأس العالم، بتوخي الحذر على خلفية المشاركة الإيرانية في البطولة. ولما كان التهديد المحتمل إزاء المشجعين الإسرائيليين ممكنا إزاء السعوديين أيضا، فإن الرياض عليها تقديم المزيد من التنازلات للوقاية من هكذا تهديدات.
ويلفت المحلل الأمريكي إلى مفارقة تجمع السعودية وإيران في هذا الصدد، وهو تبني النظام في كل منهما لحملات قمعية داخلية لتثبيت أركانه في مواجهة أي ضغوط أمريكية، مشيرا إلى أن عالمة السياسة “باربرا ف.والتر” سبق أن فسرت ذلك بالخوف من مخاطر الحرب الأهلية المحتملة في حال أسفرت أي ضغوط خارجية عن تصدعات بالنظام الحاكم.
“باربرا” أطلقت اسم “الأنوقراطية” على النظم التي تتسم بطابع وسط، ليس استبداديًا بالكامل ولا ديمقراطيًا بالكامل، وهي أكثر ما تخشاه الرياض وطهران، لأن “الحروب الأهلية لا تحدث أبدًا في ظل ديمقراطيات كاملة وصحية وقوية. ونادرًا ما تحدث في ظل أنظمة استبدادية كاملة. يكاد يكون العنف دائمًا تقريبًا في البلدان الواقعة في الوسط ” حسبما يرى “دورسي”.
ويقرأ المحلل السياسي الأمريكي الحكم القاسي مؤخرا على مواطنين سعوديين وأمريكيين بالسجن عقودًا بسبب تغريدات لهم على في إطار كونه “وسيلة بن سلمان للرد على بايدن” وتثبيت بقاء نظامه القمعي.
ومع ذلك، فإن إدارة “بايدن” ترى أنها تفوز بالمباراة مع السعودية بالنقاط، وهو ما عبر عنه مسؤول أمريكي كبير بقوله: “استياؤنا تم التعبير عنه بوضوح، وكان له تأثير. لقد رأينا السعوديين يتفاعلون بطرق بناءة”.
ونتيجة لذلك، فإن الإدارة الأمريكية اعتمدت خطى بطيئة لجعل السعودية تدفع ثمن خفض إنتاج النفط، ومنها إبلاغ القضاء بمنح “بن سلمان” حصانة سيادية في قضية مقتل الصحفي “جمال خاشقجي” عام 2018.
وبينما أنهى الإبلاغ فعليًا محاولة أخيرة لتحميل ولي العهد السعودي المسؤولية القانونية عن جريمة الاغتيال التي جرت في قنصلية المملكة في مدينة إسطنبول التركية، بدا أن الرياض تستجيب لهكذا خطوات، حسبما ترى إدارة “بايدن”.