في ظل الحوار الإيراني السعودي الذي يجري بوساطة عراقية في محاولة للوصول إلى تهدئة بعد انقطاع بالعلاقات منذ نحو 5 سنوات، بات مصير أذرع إيران العسكرية في البلدان العربية مثار تساؤلات، إذ إنها تشكل العقبة الأبرز في طريق حل الكثير من الأزمات.

تنشط مليشيات إيران في أربعة بلدان عربية، هي لبنان وسوريا والعراق واليمن ولعل الأخير الأهم بالنسبة للسعودية كونها تتعرض إلى هجمات مباشرة من “الحوثيين”، والأمر ذاته ينطبق على بغداد وإن كان بنسبة قليلة، لكنه أيضا كان منطلقا لهجمات عدة ضدها.

وكان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، قد قال خلال مقابلة تلفزيونية في 28 أبريل/ نيسان 2021، إن “كل ما نطمح إليه أن يكون لدينا علاقة طيبة ومميزة مع إيران”، مضيفا: “كل إشكالياتنا هي في تصرفات طهران السلبية؛ سواء برنامجها النووي أو دعمها لمليشيات خارجة عن القانون”.

 

“رفع الغطاء”

وبالتزامن مع الحوار الإيراني السعودي، حث وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف “مليشيات الحوثي” على أن “الحل السياسي هو الحل الوحيد للأزمة اليمنية”، مجددا “دعم طهران الكامل لوقف إطلاق النار، وبدء حوار يمني – يمني”.

جاء ذلك في لقاء جمع ظريف بالقيادي الحوثي محمد عبد السلام في العاصمة العمانية مسقط، في 29 أبريل/ نيسان 2021.

وكشفت تقارير مواقع سعودية في 11 مايو/ أيار 2021 أن الوزير ظريف، قال لـ”الحوثيين” بصراحة إن “الأجواء الآن في المنطقة لا تتحمل استمرار الحرب والتوتر، وأن هنالك مساعي للحوار والتهدئة، وأنه يجب العمل على وقف الحرب”.

وفي الحالة العراقية أفادت التقارير بأن “إيران أعطت الحكومة العراقية قائمة بأسماء مجموعة من الفصائل المسلحة، وقالت إنها ترفع الغطاء عنها”، وأن هذه الفصائل يمكن تصنيفها ضمن “الخلايا المشاغبة” التي “لا يمكن التحكم فيها بسهولة، وتعمل وفق مصالحها الخاصة والضيقة جدا”.

ونقلت عن مصدر عراقي، متابع لملف “المليشيات” وتعقيداته العملية على أرض الواقع “هنالك تصور أن المليشيات والمجاميع المسلحة، من الممكن أن توقف هجماتها على القوات الأميركية، أو تكف عن مواقفها العدائية تجاه السعودية، أو تصمت عن شتائمها الموجهة لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، بمجرد أن تطلب منهم إيران ذلك، وهذا تصور غير دقيق”.

وأرجع المصدر ذلك إلى أن “العلاقات لا تسير على هذا النحو، فهناك مجموعات مسلحة العلاقة معها معقدة، وباتت أكثر صعوبة مع تشعب الخلايا التي تعلن عن نفسها بين وقت وآخر”.

ونقلت تقارير أخرى في 8 مايو/ أيار 2021 عن مصدر دبلوماسي إيراني بأن ظريفا حرص على الاجتماع بالقيادات السياسية العراقية، للتأكيد على أهمية ما يحدث في المنطقة مؤخرا، من محاولات للتهدئة، ورغبة إيران في استكمال هذه المحاولات بنجاح”.

في زيارته إلى العاصمة العراقية بغداد في 26 أبريل/ نيسان 2021، التقى ظريف بالعديد من القيادات الشيعية، منهم رؤساء الحكومة العراقيين السابقين (حيدر العبادي، نوري المالكي، عادل عبدالمهدي)، بالرغم من وجود الكثير من الخلافات السياسية بين العبادي والمالكي على وجه التحديد.

لكنه وبحسب المصدر الدبلوماسي حرص على إيصال الرسالة الإيرانية لجميع الأطراف السياسية العراقية.

ونقلت أيضا عن سياسي عراقي شيعي بارز، كان حاضرا هذا الاجتماع، قوله: “كانت رسالة ظريف واضحة، العلاقة بين السعودية وإيران تشهد فصلا جديدا، كما أنه أكد على دور الرياض الإيجابي في المفاوضات النووية بين إيران والقوى العالمية القائمة حاليا في فيينا”.

وبحسب قوله، فإن ظريفا، أبلغ القيادات السياسية الشيعية في العراق، بتأييد إيران لعلاقات العراق مع الدول العربية، كما أكد في اجتماعه مع القيادات السياسية العراقية، أن إيران ترحب بدور الوساطة العراقية، وترى أن الأمر سيصب في مصلحة أمن واستقرار بغداد.

 

“حجر الزاوية”

وتعليقا على ذلك، رأى الباحث المختص في الشأن الإيراني، حسن فحص، أن “علاقة إيران بمعظم الفصائل العراقية تقوم على المصالح النفعية والتبادلية المشتركة”.

شارحا ذلك بقوله: “إيران تريد نفوذا لها في العراق، وتلك الفصائل تريد أن تستقوي ويكون لها حصة في الساحة الداخلية، ولذا هي تستفيد من الإيرانيين في تحقيق مكاسب مادية واجتماعية، والإيرانيون يستفيدون منهم في توطيد حضورهم عراقيا”.

ولفت الباحث خلال تصريحات صحفية في 11 مايو/ أيار 2021 إلى أن هذه العلاقة القائمة على “المصلحة” أكثر من بنائها على “الولاء”، تجعل الساحة العراقية أكثر وعورة على “الحرس الثوري” من الساحتين اللبنانية واليمنية، خصوصا مع عدم وجود حكومة مركزية قوية تستطيع نزع سلاح المليشيات.

وفي السياق ذاته، أشار تقرير تحليلي نشره موقع “ستراتفور” الأميركي، في 4 مارس/آذار 2021 إلى أن إيران تستخدم وكلاءها في العراق وسوريا واليمن لزيادة الضغط على المصالح الأميركية في الشرق الأوسط، في الوقت الذي تسعى فيه لبناء نفوذها قبل استئناف المفاوضات مع واشنطن.

لذلك سترفض أي مطالب بالتخلي عن شبكة المليشيات التابعة لها، مما يزيد من خطر اندلاع المزيد من العنف في مناطق الصراع مثل العراق.

واستبعد تقرير الموقع الأميركي أن تتخلى طهران عن شبكة المليشيات القوية التي تدعمها في المنطقة، وإن أسفرت المحادثات مع واشنطن عن تخفيف العقوبات، لافتا إلى أن دعم إيران للوكلاء الإقليميين يعتبر حجر الزاوية في إستراتيجيتها للأمن القومي، والتي توفر أيضا لطهران نفوذا ضد أميركا.

ولفت إلى أن تجهيز شبكة المليشيات وتدريبها ودعمها سياسيا يوفر وظائف هجومية ودفاعية قيمة لإيران، وهي -إيران- قوة عسكرية تقليدية أضعف من نظيراتها، ويرجع ذلك جزئيا إلى العقوبات الغربية التي تمنع مشتريات الدفاع.

وتعمل علاقات إيران مع المليشيات المتحالفة معها، وفق الموقع، كنوع من الانتشار الأمامي في مسارح مثل سوريا والعراق، حيث تريد طهران الحفاظ على الوصول إلى الأراضي الرئيسة.

كما عززت علاقات طهران مع هذه المليشيات منذ فترة طويلة نفوذها الإقليمي من خلال رعاية علاقاتها مع الجماعات الشيعية والسنية على حد سواء.

وبصرف النظر عن هذه الوظائف الأساسية، فإن دعم المليشيات المتحالفة يخلق نقطة ضغط أمنية في الأماكن التي تتداخل فيها المصالح الأميركية والإيرانية؛ مما يوفر لطهران طريقة لإظهار القوة الإقليمية التي تفتقر إليها واشنطن، فضلا عن أنها رافعة يمكن دفعها وسحبها ضد الولايات المتحدة، حسبما ذكر التقرير.

ولفت الموقع إلى أن إيران تفتقر إلى السيطرة الكاملة على المليشيات المتحالفة معها؛ مما يعني أن العنف في المسارح بالوكالة سيستمر بغض النظر عما يحدث في مفاوضاتها مع أميركا.

فكل المليشيات المدعومة من إيران لها مصالحها الخاصة وقواعدها المحلية والأيديولوجيات التي تحفز سلوكها.

وعلى سبيل المثال، يضيف الموقع، يحمل “الحوثيون” في اليمن مشاعرهم المعادية لأميركا والسعودية، التي لا علاقة لها بصلاتهم بإيران.

وتعمل المليشيات المتحالفة مع طهران أيضا في مناطق نزاع إقليمية مختلفة؛ مما يجعل كل مسرح يمثل تهديدا أمنيا في حد ذاته.

وتابع أن “هذا الواقع لإيران يمنح قدرا معقولا من الإنكار لإبعاد نفسها عن هجمات المليشيات ضد مصالح أميركا أو شركائها، الأمر الذي يخفف من الخطر المباشر لهذه الهجمات التي تؤدي إلى تصعيد أميركي ضد إيران مباشرة”.

وقال الموقع: إن إيران تريد إبقاء مفاوضات تخفيف العقوبات مركزة على برنامجها النووي وليس على سلوك طهران الإقليمي، بما في ذلك نشاط المليشيات بالوكالة.

ويمكن لطهران توجيه وتسريع بعض أعمال العنف بالوكالة ضد أهداف أميركية؛ لتذكير أميركا بالنفوذ الذي تتمتع به في المفاوضات، فضلا عن مقدار النفوذ الإقليمي الذي تتمتع به.

 

جذور الخلاف

توترت العلاقات الإيرانية السعودية بشدة بعد الغزو الأميركي للعراق، خصوصا في عهد إدارة الرئيس محمود أحمدي نجاد (2005-2013)، حيث اتهمت الرياض إيران بمحاولة السيطرة على العراق من خلال المليشيات والقوى السياسية الحليفة لها.

كما اتهمت السعودية إيران بدعم التمرد الحوثي في اليمن، الذي سيطر على العاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014. فتدخلت المملكة عسكريا في مارس/آذار 2015، لإيقاف زحف الحوثيين في اتجاه عدن بعد إطاحة حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي في صنعاء.

وفي مطلع عام 2016، قررت السعودية قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، وذلك بعد أن اقتحمت حشود غاضبة سفارة المملكة في طهران وأحرقت قنصليتها في مدينة مشهد.

وجاء ذلك ردا على إعدام السلطات السعودية رجل الدين الشيعي، نمر النمر، الذي اتهمته الرياض بإثارة النعرات الطائفية والخروج على النظام العام.

ومثل وصول الرئيس دونالد ترامب إلى الحكم في واشنطن عام 2016 عامل توتر إضافيا في العلاقات بين الرياض وطهران.

إذ أبدت السعودية ارتياحا لمواقف إدارة ترامب نحو إيران، بما في ذلك قراره الانسحاب من الاتفاق النووي، وإعادة فرض العقوبات على طهران، والتي شملت حظر تصدير النفط الإيراني، وعزل إيران عن النظام المصرفي العالمي.

وفي مايو/أيار 2019، سعت السعودية إلى حشد العالم الإسلامي وراءها من خلال استضافتها ثلاث قمم متزامنة خليجية وعربية وإسلامية في مكة، لمواجهة إيران بعد أن استهدفت هجمات – يعتقد أن طهران تقف وراءها – مصالح نفطية سعودية، بما فيها ناقلات تحمل النفط السعودي.

لكن المملكة العربية السعودية أخذت تميل إلى التهدئة مع إيران مع وصول جو بايدن إلى إدارة البيت الأبيض على نحو مهد للقاء الأمني بين الطرفين، والذي تناولته وسائل الإعلام العالمية في بغداد، في أبريل/ نيسان 2021.