تقرير خاص:

جاء مقتل المواطن السعودي من قبيلة “الحويطات”، عبدالرحيم أحمد محمود الحويطي، ليصب مزيدًا من الزيت على النار التي أشعلها ولي العهد “محمد بن سلمان” منذ توليه ولاية العهد في 2017 ضد قبائل المملكة.

فما فعله ويفعله “ابن سلمان” مع القبائل ومشايخها لم يحدث منذ تأسيس المملكة، فالقبائل كان لها دور كبير بدءًا بتأسيس المملكة مع المؤسس الملك عبدالعزيز بن سعود، مرورًا بكافة ملوك المملكة الذين كانوا يقتطعون أموالاً سنويًا لأمراء ومشايخ القبائل لضمان ولائهم، وعدم الخروج عليهم، وكانوا يبجلون مشائخ القبائل ويحترمونهم.

وكان آخر تلك الفظائع التي ارتكبها “ابن سلمان” في مسلسل استعداء القبائل الذي يمارسه مقتل “الحويطي”، والذي جاء ضمن خطة التهجير القسري التي ينفذها “ابن سلمان” لقبائل تلك المنطقة من أجل تنفيذ مشروعه المأمول “نيوم”.

– بداية القصة:

بدأت القصة حين قرر “ابن سلمان” تهجير ما يزيد عن 30 ألف مواطن من قبيلة الحويطات من منازلهم لتنفيذ مشروع “نيوم”,

فقبل حوالي 3 أشهر، قام عدد من مشايخ قبيلة الحويطات؛ ومنهم وجهاء من فرع أبوطقيقة، بالاجتماع مع أمير تبوك “فهد بن سلطان بن عبدالعزيز” في قصره الخاص، وكان من ضمن المجتمعين المواطن الذي قتل في المواجهات مع قوات الأمن “الحويطي”، وقد أبدى اعتراضًا على عملية التهجير، وكان كلامه واضحًا أمام أمير تبوك، قائلاً: “تهجيرنا والموت شيء واحد”.

بالتزامن مع ذلك الاجتماع كانت لجان أمنية تقوم بحصر الأملاك في تلك المناطق من مساحة المنازل وعدد الغرف والمرافق بها وعدد الساكنين فيها، وحين تسائل الأهالي عن المكان الذي سيذهبون إليه بعد عملية التهجير، وهل هناك أماكن مجهزة ومخططة لنا؟ كان الرد من تلك اللجان “لا نعلم”، ويكتفون بالتأكيد على أنّ جميع السكان القاطنين في منطقة نيوم بلا استثناء سيخرجون منها، دون أن يعرف أحدهم قيمة التعويض الذي سيُدفع له، أو حتى مكان سكنه الجديد.

وفي يناير/كانون الثاني 2020 الماضي، قام مواطنون يتبعون للقبيلة؛ ويعيشون في منطقة الخريبة، بالذهاب للشيخ “عليان الزمهري الحويطي”؛ وهو أحد شيوخ قبيلة الحويطات، حاملين رسالة رافضين فيها إخلاء مساكنهم ومنازلهم، وطالبوه برفعها لولي العهد السعودي، لكن الأمر لم يلق تجاوبًا منه.

عقب ذلك فوجئ المواطنون بأمن الدولة السعودي وقوات الطوارئ الخاصة، يداهمون منازل الرافضين ويعتقلون بعضًا منهم، مقتادين إياهم إلى جهة غير معلومة.

وبحسب مصادر من أهالي المنطقة؛ فإن عملية التحضير للإجلاء بدأت منذ ثلاثة أشهر، وتأتي تمهيدًا لعميلة التهجير، التي وضعها القائمون على المشروع على مرحلتين، تتمثل المرحلة الأولى في مناطق: (قيال، العصيلة، شرما، الخريبة) جنوبًا، والثانية (البدع، مقنا، المويلح) شمالاً.

وتقول المصادر إن السلطات السعودية اتخذت قرارًا يقضي بعدم إيصال وإمداد الخدمات العامة (الكهرباء، الماء، خطوط الهاتف، رخص محلات تجارية)، في الأماكن المستهدفة بالإخلاء، لإتمام المشروع الذي بدأ منذ أكتوبر/تشرين الأول في العام 2017.

– ماذا حدث مع “الحويطي”؟

أثناء قيام اللجان الأمنية بحصر الممتلكات، رفض “عبدالرحيم الحويطي” تقييد اسمه ضمن قوائم الترحيل في المنطقة والتنازل بمحض إرادته عن منزله، ورفض التفاعل مع تلك اللجان أو مقابلتها حتى، كما أعلن رفضه الخروج من بيته بشكل تعسفي، معتبرًا أن اللجنة لم تكن واضحة في عملية التقدير الفعلي لقيمة المنازل بالمنطقة، ولم تحدد لهم سعر التعويض المادي مقابل ترك منازلهم.

وتفاجأ “الحويطي” بزيارة من الضابط السعودي “عبدالله الربيعه” وفريق أمني من المعاونين له، وذلك لإجباره على الموافقة على عملية الحصر، والإقرار بالتنازل عن المنزل، إلا أنه أصرّ على الرفض.

في اليوم التالي؛ توجهت قوات أمنية في تمام الساعة 6 صباحًا، لمنزله، وداهموه بالقوة، مع تعزيزات أمنية بمدرعات الهامفي المضادة للرصاص، وبحسب أحد جيران “الحويطي” فإنه لم يُصب بأي طلقات نارية في جسده.

بل توفي نتيجة هدم جدار البيت عليه، حين استعانت القوة بمدرعة “هامفي”، وقاموا بمحاصرة منزله من كافة الجهات، وتمّ هدم جدران البيت عليه وهو بداخله، وذلك بعد إطلاق وابل من الأعيرة النارية المكثفة من عيار 50 على اتجاهين، الأمر الذي أدى إلى سقوط الجدار.

وأكد جار “الحويطي” أنه لم يحمل سلاحًا، على عكس ما أعلنته رئاسة أمن الدولة، ولم يبادر بإطلاق النار تجاه رجال الأمن، ولم يكن متحصنًا في أعلى المبنى خلف سواتر رملية، بحسب ادعاءاتهم.

أما عن العثور على سلاح كلاشنيكوف بمنزله بعد مقتله، أوضح جاره أن هذا شيء طبيعي وغير جديد على هذا المجتمع القبلي والعشائري؛ إذ لا يخلو أي بيت في المنطقة من الأسلحة المختلفة، وهو أمر متعارف عليه هناك.

– أهمية المنطقة ومستقبل مشروع “نيوم”:

تعد منطقتي “شرما” و”الخريبة” على وجه الخصوص، مناطق استراتيجية ومهمة ضمن خطة تنفيذ مشروع نيوم.

فأراضي المنطقتين تطلان بشكل مباشر على قصور “ابن سلمان” في مشروع نيوم، فهي المنطقة الأقرب للقصور الخاصة، وتطل على الساحل مباشرة، وتعود ملكيتها بالكامل للقبائل الساكنة بها قبل مرحلة حكم (آل سعود).

كما يوجد بين المنطقتين مشاريع سياحية بالفعل، مثل فندق “رويال توليب شارما” السياحي على البحر الأحمر.

أما عن المستقبل الذي ينتظر مشروع “نيوم” ذاته، فقد اعترف “ابن سلمان” نفسه بتعطل مشروع مدينة “نيوم” الذي يعتبر حجر الأساس في خطته “رؤية 2030” متأثرًا بقضية مقتل “خاشقجي”.

فقد ذكرت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية أن وفدَا تجاريًا التقى ولي العهد السعودي مؤخرًا، تفاجأ أعضاؤه لدى سماعهم اعترافًا صريحًا من “ابن سلمان” بشأن المشروع، حيث قال: “لا أحد سيستثمر في المشروع لسنوات”!

كما قام الرئيس التنفيذي لشركة “نيوم”، المهندس نظمي النصر، في 29 يناير 2020، بالتأكيد على أنه سيتم خلال شهري يناير ومارس، إعلان المخطط العام لمشروع مدينة نيوم، ومراحل التنفيذ والبناء فيه، التي ستركز في مراحلها الأولى على تطوير البنية التحتية، وحتى منتصف أبريل الجاري لم يتم الكشف عن تفاصيل مخطط مشروع “نيوم”.

والآن كل ما تم تنفيذه من مشروع “نيوم” هو تهجير المواطنين وقتلهم، وهو المشروع الذي كان ينظر إليه البعض على أنه متنفس أمل للمملكة في ظل انخفاض أسعار النفط العالمية، والأزمات السياسية والاقتصادية التي تواجه المملكة، ولكن يبدو أنه لم يحمل سوى المزيد من المعاناة والدماء على الشعب السعودي.