MBS metoo

قرارات التقشف السعودية.. كيف ستنتهي مرحلة “شد الحزام”؟

يبدو أن السعودية دخلت بقوة في مرحلة “شد الحزام”، التي يرتهن وقت نهايتها مع القضاء على فيروس كورونا؛ إذ بطبيعة الحال سيساهم في تعافي أسعار النفط، مصدر العائدات الأكبر للمملكة.

وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، كانت تصريحاته مؤخراً أكثر وضوحاً وأقرب إلى الواقع، فيما يخص  الوضع الاقتصادي بالبلاد.

حيث إن جدعان لم يؤمل السعوديين، واعتبر أن النجاة من الضائقة التي تمر بها المملكة لن تمر من دون تضحيات كبيرة.

مطلع مايو الجاري أفصح الوزير الجدعان عن أن الإجراءات ستكون “شديدة ومؤلمة”، لكنه اعتبرها ضرورية، والسبب في ذلك هو عدم وجود منظور زمني واضح لانتهاء أزمة كورونا، بحسب قوله.

وشدد على ضرورة تقديم تنازلات في سبيل تجاوز الأزمة، مبيناً: “يجب أن نشد الحزام، وسنخرج من هذه الأزمة أقوياء”.

 

بدء مرحلة شد الحزام

مرحلة “شدّ الحزام” التي تحدث عنها الجدعان بدأت فجر الاثنين (11 مايو الجاري)، حيث قررت السعودية وقف بدل غلاء المعيشة ورفع نسبة ضريبة القيمة المضافة.

ونقلت وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس) عن وزير المالية أن الحكومة اتخذت عدة إجراءات تقشفية لتوفير نحو 100 مليار ريال سعودي (الدولار = 3.76 ريالات سعودية).

وأوضح أن هذه الإجراءات شملت إلغاء أو تمديداً أو تأجيلاً لبعض بنود النفقات التشغيلية والرأسمالية لعدد من الجهات الحكومية.

وتضمنت القرارات أيضاً خفض اعتمادات عدد من مبادرات برامج تحقيق الرؤية والمشاريع الكبرى للعام المالي الحالي، بالإضافة إلى إيقاف بدل غلاء المعيشة، ورفع نسبة ضريبة القيمة المضافة من 5% إلى 15%.

يقول الجدعان إن تحديات كورونا مجتمعة أدت إلى انخفاض الإيرادات الحكومية، والضغط على المالية العامة إلى مستويات يصعب التعامل معها لاحقاً دون إلحاق الضرر بالاقتصاد الكلي للمملكة والمالية العامة على المديين المتوسط والطويل.

 

خسائر الشركات

أكبر أذرع القوة الاقتصادية السعودية تعرضت لهزات قوية تسببت بخسائر كبيرة، وهو ما يؤكد ضبابية مستقبل الاقتصاد السعودي.

فعملاق النفط “أرامكو”، التي تعتبر أكبر شركة نفط في العالم، سجلت تراجعاً في أرباحها خلال 2019 بنسبة 20.6%، إلى 330.7 مليار ريال (88.2 مليار دولار)، بواقع 23 مليار دولار.

وأرجعت الشركة الانخفاض إلى تراجع أسعار النفط الخام وكميات إنتاجه، إضافة إلى انخفاض الهوامش الربحية لقطاعي التكرير والكيماويات، وانخفاض القيمة المثبتة المتعلقة بشركة صدارة للكيماويات بواقع 6 مليارات ريال (1.6 مليار دولار).

وفي 9 مارس الماضي تراجع سهم شركة أرامكو إلى مستوى قياسي؛ على خلفية انهيار قيمة النفط في خضم “حرب أسعار” بدأتها المملكة.

وتعرضّت سوق المال السعودية “تداول”، الأكبر في المنطقة، لخسائر قاسية حيث هبط المؤشر العام بأكثر من 9%، في حين تراجعت قيمة سهم أرامكو بنسبة 10% لتبلغ 27 ريالاً.

وخسرت أرامكو أكثر من 320 مليار دولار من قيمتها التي باتت تتراوح عند 1.4 تريليون دولار.

أما الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك)، التي تعتبر ثاني أقوى الأذرع الاقتصادية السعودية، وتحتل المركز الـ252 في ترتيب الشركات الأكبر عالمياً، فقد تكبدت خسارة صافية في الربع الأول من العام الحالي بلغت 252.89 مليون دولار.

وعزت الشركة هذه الخسائر إلى انخفاض قيمة أصول وتراجع الطلب على منتجاتها في أعقاب جائحة فيروس كورونا.

ويتواصل العجز المالي في المملكة خلال 2020 للعام السادس على التوالي، وفق تقديرات الموازنة التي أعلنتها الحكومة في ديسمبر الماضي.

 

مستقبل ضبابي

تصريحات وزير المالية السعودي محمد الجدعان باتت المؤشر الذي يحاول من خلاله المختصون معرفة إلى أين تسير سفينة الاقتصاد السعودي.

ففي مقاله بصحيفة “مكة” المحلية، الذي حمل عنوان “بعد كورونا.. الاقتصاد السعودي إلى أين؟”، يقول المستشار الاقتصادي السعودي سعد السبيعي، إن تصريحات الجدعان يُستشف منها “بعض الخطوط العريضة التي تنوي المملكة اتخاذها خلال الفترة المقبلة”.

وفق قوله فإن هذه الخطوات تتمثل بـ”اتخاذ بعض الإجراءات المؤلمة لكنها في مصلحة الجميع (…) مع ضبط المالية العامة للدولة واتخاذ إجراءات سريعة لسلامة الإنسان، والحد من النفقات، وتوجيه جزء منها للرعاية الصحية، مع التخفيف من المصاريف الأخرى مثل مصاريف السفر والانتدابات وغيرها”.

لكن السبيعي ينتهي في مقاله إلى تساؤل يعبر عن ضبابية مستقبل المملكة الاقتصادي، إذ يقول: “يبقى التحدي الأكبر، ألا وهو: هل يستطيع الاقتصاد الوطني تحمل كل هذه الضغوط العنيفة خلال الفترة المقبلة؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام المقبلة”.

 

خط الدفاع الأول

مرحلة “ما بعد كورونا” هي ما ينصح بالعمل عليها مختصون اقتصاديون لوضع الخطط من الآن، وهو ما يؤكده الخبير السعودي صالح السلطان، المتخصص في الاقتصاد الكلي والنقدي والمالية العامة.

السلطان، الذي يطلق على الاحتياطي المالي للدولة بـ”خط الدفاع الأول للمالية العامة”، يتساءل عن ماهية مسار المالية العامة المرغوب فيه للمصلحة العامة بعد انتصار البشرية على الفيروس، ورجوع اقتصاد العالم إلى نشاطه السابق.

جاء هذا في مقال له بصحيفة “الاقتصادية” المحلية، الاثنين (11 مايو الجاري)، حمل عنوان “الاحتياطي خط الدفاع الأول للمالية العامة”.

الخبير الاقتصادي السعودي يرى أنه في سبيل تقوية خط الدفاع الأول يجب أن تعد الميزانية للعام المقبل فصاعداً وفق افتراض أسعار وكميات تصدير أقل من الأسعار وكميات التصدير التي أعدت عليها ميزانية العام الحالي.

ويرى أن الفائض من الدخل يجب أن يوجه نحو الاستثمار  “كأن يحول كله أو بعضه إلى صندوق الاستثمارات العامة”.

وفق هذه الرؤية يتوقع السلطان أن يساهم ارتفاع الدخل من الموارد الطبيعية “مساهمة واضحة في إحداث ازدهار اقتصادي”، لكنه يحذر- من جانب آخر- من أن “حدوث هذا الازدهار، يجب ألا يعمينا عن النظر في طبيعته: هل هو وقتي، أم أنه يتصف بالرسوخ؟”.

لكنه يجيب مستنداً إلى نتائج دراسات وإحصاءات تقول إن وفرة تلك الموارد لا تعني بالضرورة تحقيق نمو اقتصادي راسخ.

ويحذر السلطان من الهدر في المستقبل، مثلما هو الحال في الهدر الحاصل حالياً، وفي الأعوام السابقة بحسب رأيه.

حيث يشير إلى أن “هناك مبالغة شديدة وهدراً في مساحات المطارات وكثير من الجامعات والأجهزة الحكومية، حيث هي مقامة على أراض تفوق كثيراً حاجاتها. وهناك فرص استغلال أفضل لبعض مباني ومواقع أجهزة حكومية”.

واعتبر أن من الضروري تعويد الناس على المزيد من الترشيد في السلوك الاستهلاكي، لافتاً النظر إلى أن “الأوضاع الحالية أسهمت في تحقيق درجة من هذا الهدف”.

وختم معرباً عن اعتقاده بأن تطبيق المقترحات التي تحدث عنها “ستساعد ليس فقط على إعادة حجم الاحتياطي كما كان في أوج قمته، بل تحقيق طموح زيادته مع الوقت”.

Exit mobile version