قرارات جديدة أصدرتها السلطات السعودية مؤخرا تمس وضع الوافدين الأجانب بالمملكة، هذه القرارات تمثلت في زيادة قيمة رسوم الإقامة للعامل وأفراد أسرته، وسياسة الترحيل القسري، الأمر الذي ضاعف من معاناة العمالة الوافدة وأسهم بتدهور حالتهم الإنسانية والمعيشية.
بات أمرا معتادا في مملكة آل سعود حرمان العمال من رواتبهم لأشهر طويلة والتباطؤ المتعمد من أرباب العمل في استخراج بطاقات الإقامة لهم كإجراء تهديدي من أصحاب العمل للضغط عليهم والرضوخ لشروطهم غير الإنسانية مخافة الطرد والترحيل إلى خارج البلاد.
العمالة الوافدة
المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أصدر تقريرا هو الأحدث عن وضع العمالة الأجنبية في المملكة العربية السعودية، قال فيه: إن الرياض أقرت جملة من القوانين في الآونة الأخيرة ضد العمالة الوافدة، أسهمت بتدهور وضعهم المعيشي والإنساني، في انتهاك صارخ للقوانين الدولية لحقوق الإنسان.
وتناول المرصد الحقوقي الانتهاكات التي تتعرض لها العمالة الأجنبية في السعودية من قبل أرباب العمل، في ظل قانون يعزز من سلطة المواطن السعودي ضد الوافدين الأجانب، وقرارات تمثل غطاء قانونيا لكل الانتهاكات التي تطال العمالة الوافدة.
حسب التقرير: فإن الانتهاكات دفعت ملايين الوافدين إلى مغادرة السعودية، وأن عدد العاملين في السعودية قد تراجع من 12 مليونا في عام 2017 إلى نحو 10 ملايين خلال العام الجاري 2019.
وتناول التقرير ظروف الاحتجاز والترحيل للعمال غير النظاميين الذين فقدوا حقهم بالعمل داخل المملكة لأسباب لا تتعلق بهم، بل بتباطؤ الكفلاء في تجديد أوراقهم وتصويب أوضاعهم القانونية.
معاناة مستمرة
عملت السعودية على دعم الثورات المضادة في بلدان الربيع العربي، الأمر الذي أدى إلى تردي الوضع السياسي الاقتصادي وارتفاع مستوى البطالة في تلك البلدان، خصوصا في مصر واليمن، ودفع بعدد من مواطني تلك البلدان إلى السفر للمملكة للبحث عن فرص عمل، لكن السعودية، وهي المتسبب الأساسي بتردي أوضاعهم الاقتصادية، ضاعفت من معاناتهم وفرضت عليهم قوانين.
يقول الكاتب والناشط الحقوقي اليمني محمد الأحمدي: “ما يجري في السعودية حاليا هو رق وعبودية تشرعنه وتحميه قوانين سعودية، فبعد أن تسببت السعودية، عمليا، بتشريد ملايين المواطنين من بلدانهم جراء استهداف استقرار الأنظمة السياسية، التي انعكست بالضرورة على الوضع الاقتصادي ومستوى توفر فرص العمل، قامت بفرض قوانين للتضييق عليهم وعلى عائلاتهم غير عابئة بظروفهم ولا بظروف بلدانهم التي كانت هي السبب الرئيس في تدهورها”.
يضيف الأحمدي: “تتحجج السعودية في ممارساتها الجائرة بالالتزام بالقانون، ذلك القانون التي سنته على أسس تحمي رب العمل ولا تضمن أي حقوق للعامل، بل تشرعن لإذلاله وإهدار كرامته وسلب حقوقه”.
أقرت السلطات السعودية عدة قوانين أسهمت بتدهور الوضع المعيشي للعمالة الوافدةأقرت السلطات السعودية عدة قوانين أسهمت بتدهور الوضع المعيشي للعمالة الوافدة
في اليمن، شنت الرياض الحرب على اليمن منذ مارس/آذار 2015 وساهمت بتردي الوضع الاقتصادي، ودخلت اليمن في أزمة إنسانية هي الأسوأ في تاريخها بحسب تصنيف الأمم المتحدة، وتسببت بتراجع اليمن في مؤشراتها الاقتصادية والاجتماعية بما يزيد عن 20 عاما، بحسب بيان لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
في الوقت الذي يقول محمد بن سلمان في أحد لقاءاته: “لا مشكلة لدينا في عدم حسم الحرب، نحن نفسُنا طويل، والوقت من صالحنا”.
صحيفة واشنطن بوست الأمريكية نشرت تقريرا يوضح: أن “أزمة المجاعة في اليمن تعود للسياسات المتعمدة التي يمارسها التحالف الذي تقوده السعودية في الحرب على البلاد”.
وكالعادة، دفعت ظروف الحرب وانعدام فرص العمل كثيرا من اليمنيين إلى السفر للسعودية للبحث عن فرص عمل، غير أن اليمنيين كانوا كمن يستغيث من الرمضاء بالنار، فمن نجا من حرب اليمن كانت القوانين السعودية له بالمرصاد، وهي كفيلة بالتضييق عليه والقضاء على خياراته وآماله بحياة كريمة.
اعتقال وقتل
كانت آخر انتهاكات السلطات السعودية بحق اليمنيين العاملين هناك، هي الاعتقال والقتل تحت التعذيب، وكانت السلطات السعودية قد قامت في وقت سابق، باستدراج واعتقال الضابط اليمني إبراهيم الشمساني، الذي يعمل ضمن قوات خفر السواحل في جزيرة ميون اليمنية، إلى مدينة جازان.
السلطات السعودية قامت باعتقاله وتعذيبه حتى الموت، وفي مظاهرة أثناء تشييع القتيل، طالب الأهالي السلطات السعودية بتسليم الجثة، وقاموا بعرضها على الطبيب الشرعي الذي أكد أنه توفي تحت التعذيب.
الصحفي اليمني مروان المريسي هو الآخر تعرض للانتهاك، حيث تم اختطافه في الأراضي السعودية وإخفاؤه قسريا منذ أكثر من عام.
وفي 21 مايو/آيار الماضي، كشفت منظمة مراسلون بلا حدود، أن المريسي محتجز في السجون السعودية، وقالت المنظمة التي تتخذ من العاصمة الفرنسية مقرا لها: إن السلطات السعودية احتجزت الصحفي اليمني مروان المريسي المصنف منذ يونيو/حزيران 2018 في عداد المفقودين.
وقالت المنظمة في بيان: إن “عائلة الصحفي حصلت أخيرا على أخبار عنه، بعد أن كادت تفقد الأمل في معرفة مصيره، وكتبت زوجة المريسي في تغريدة أن مروان اتصل بها في مكالمة دامت بضع دقائق وقالت إن زوجها مازال على قيد الحياة”.
مراقبة الناشطين
أحد الصحفيين اليمنيين المقيمين في السعودية، طلب عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، قال: “الأجهزة الاستخباراتية السعودية وصلت لحد الإملاء على يمنيين مقيمين في السعودية، وخاصة الصحفيين، ما يكتبون في حساباتهم على تويتر وبماذا يغردون”.
وأضاف: “تفرض الأجهزة الأمنية السعودية رقابة على الناشطين اليمنيين في السعودية وتحاسبهم على أي تقصير، والتقصير يعني أنهم لا يقومون بمديح دور السعودية في اليمن خصوصا عند حصول أي حدث يتطلب منهم الإشادة بدور السعودية”.
وفي سبتمبر/أيلول الماضي، طردت وزارة الخارجية السعودية المستشار في القنصلية اليمنية بجدة، الدبلوماسي اليمني مطهر قاسم عنان، وطالبت بمغادرته خلال 24 ساعة، جراء مطالباته بتصحيح أوضاع اليمنيين في السعودية وتصحيح مسار التحالف في اليمن.
هل تعيد المملكة النظر في قوانين الكفالة، أسوة بالإجراءات التي اتخذتها قطر مؤخرا، للتخفيف من حجم الانتهاكات التي تمارس بحق كثير من الوافدين والعمالة الأجنبية، تحت مظلة القانون؟
كانت منظمات دولية وحقوقية قد وجهت انتقادات لدول مجلس التعاون بشأن وضع العمالة، ودعت منظمة هيومن رايتس ووتش، الدوحة قبل أيام إلى التحقيق بدقة وبشكل فوري في الأسباب الكامنة وراء وفاة آلاف العمال الوافدين خصوصا من الجنسيتين النيبالية والهندية، ما بين عامي 2012 و2017 وإعلان نتائج التحقيق في أسرع وقت.
وحسب “بي بي سي”: فإن تلك الدعوات لقيت استجابة من قبل وزارة التنمية الإدارية والعمل القطرية، حيث تم اعتماد تشريعات جديدة تتعلق بقانون الكفالة.
وشملت التشريعات إلغاء شرط حصول العمال على إذن السفر وتسهيل انتقال العمالة من جهة عمل إلى أخرى خلال فترة التعاقد بما يحفظ حقوق الطرفين، إضافة إلى قانون الحد الأدنى من الأجور.
ويسري تشريع إلغاء إذن السفر على الجهات غير الخاضعة لأحكام قانون العمل القطري وعلى المستخدمين في المنازل الذين لم يشملهم قانون الإلغاء السابق.