قالت المقررة الخاصة السابقة في الأمم المتحدة، أغنيس كالامار، التي حققت بمقتل الصحفي جمال خاشقجي، في تصريحات لصحيفة “إندبندنت”، إن الولايات المتحدة لديها معلومات حول مقتله، لكنها لا تكشف عنها، وهذا يدلل على أنها “متواطئة” في الجريمة.

 

وأضافت: “لو كانت لديهم معلومات من أي نوع أو مصدر يتعلق بالقتل، أو معلومات تشير بأصابع الاتهام لولي العهد السعودي أو التوقف في القاهرة ولم يكشفوا عنها، فإنهم يجعلون أنفسهم متورطين في محاولة الإفلات من العقاب”.

 

وقضت أغنيس كالامار ستة أشهر تحقق في ظروف مقتل خاشقجي، وتوصلت في تقريرها إلى أن عملية الإعدام مدبرة على مستويات عليا، وهناك أدلة موثوقة عن تورط محمد بن سلمان، ونفت السعودية مسؤولية ولي العهد، وزعمت أن الصحفي، البالغ من العمر 57 عاما، كان ضحية عملية قامت بها عناصر “مارقة”. وقدمت السعودية مجموعة من مسؤولي الدرجة الثانية، من دون الكشف عن هوياتهم، ولم تشمل المحاكمات أي من المسؤولين البارزين الذي كشفت عنهم وثيقة استخباراتية سمحت وكالة الأمن الوطني الأمريكي بنشرها بداية العام الحالي.

 

وشهدت الفترة الماضية سلسلة معلومات جديدة حول ظروف مقتل الصحفي في تشرين الأول/ أكتوبر 2018، والذي كان مدافعا عن النظام السعودي، قبل أن يتحول إلى ناقد شديد له عبر مقالاته في صحيفة “واشنطن بوست”.

 

وكشفت صحيفة “نيويورك تايمز”، في حزيران/ يونيو، أن فريق القتل تلقى تدريبات أولية في شركة تعهدات أمنية “تير وان غروب” ومقرها اركنساس، والتي تملكها شركة سندات خاصة، وهي “سيربيروس كابتيال مانجمينت”.

 

وتعهد جوزيف بايدن في حملته الرئاسية بمعاقبة السعودية، والتشدد معها أكثر من سلفه دونالد ترامب. لكنه لم يتخذ أي إجراءات ضد ولي العهد، الذي يشير تقرير وكالة الأمن القومي الأمريكي إلى أنه أمر بالعملية.

 

وقدمت دعوى قضائية ضد الحكومة الأمريكية؛ لإجبارها على الكشف عن أي معلومات حول الجريمة، وما كانت تعرفه مقدما من التهديد على حياة خاشقجي الذي كان مقيما في فيرجينيا.

 

ودعت كالامار، التي حققت في الجريمة -بما في ذلك الاستماع إلى تسجيل صوتي من 15 دقيقة لم يكشف عنه- كل الحكومات التي تملك أدلة لتوفيرها، وعبرت عن خيبة أملها من عودة العلاقات الأمريكية- السعودية إلى طبيعتها وبشكل سريع.

 

وفي تقريرها الذي صدر عام 2019، قالت إنها تستطيع تأكيد التقارير الإعلامية بأن تركيا والولايات المتحدة كان لديهما معلومات حول التهديدات على حياة الصحفي. وبعد عامين، تقول إنه من “غير المحتمل جدا” عدم معرفة الولايات المتحدة بالتهديد على خاشقجي، مضيفة: “كل شيء نسمعه يشير إلى علاقة وثيقة بين الولايات المتحدة والسعودية، بما في ذلك المستوى الأمني، وحدث هذا في مقدمة التسريبات… وهذه فرضية، وليس لدي المواد لإثباتها، لكنها تزيد من احتمال حصول المخابرات الأمريكية على معلومات تتعلق بالتهديدات على جمال”.

 

ولم يرد البيت الأبيض على طلب من الصحيفة للتعليق، ولا “سي آي إيه” أو كالة الأمن القومي، فيما قالت وزارة الخارجية الأمريكية إنها لا تستطيع التعليق، ولم ترد السفارة السعودية في واشنطن أو وزارة الخارجية وواحد من محاميها في الولايات المتحدة على أسئلة الصحيفة، وكذا شركة سيبروس.

 

وقالت الصحيفة إن التسجيل الذي استمعت إليه كالامار، وكانت واحدة من قلة لا يزال محاطا بالغموض، وفي الوقت اتهم فيه المدعي العام التركي هيئات عليا في السعودية بالوقوف وراء الجريمة تقول كالامار إن الولايات المتحدة لديها معلومات عن الجريمة يمكن أن تساعد في محاسبة المسؤولين عن الجريمة.

 

وأضافت كالامار: “أن تكون الولايات المتحدة قادرة على توفير المعلومات في الإطار العام التي اعتبرتها تهديدا على جمال وتقييمهم للتهديد أمر أساسي”.

 

وتابعت: “إن هذا مهم؛ نظرا لوجود دعوى قضائية في الولايات المتحدة، وهم يخفون معلومات تتعلق بالجريمة، وهذا بالنسبة لي غير مقبول”.

 

وتقدم ناشطون بدعوى قضائية ضد الحكومة الأمريكية، وطالبوها بالكشف عن كل السجلات المتعلقة بالجريمة. وتساءلت جماعات حقوق إعلامية عن معرفة الولايات المتحدة مقدما بالتهديد لخاشقجي، الذين كان مقيما في أمريكا، وأنها فشلت في القيام بواجبها القانوني وتحذيره، وانضمت الجماعة إلى منظمة الديمقراطية في العالم العربي الآن التي أنشأها خاشقجي في واشنطن.

 

وسافرت كالامار، المواطنة الفرنسية ذات الخبرة الطويلة في تحقيق انتهاكات حقوق الإنسان، إلى إسطنبول وأنقرة وأوتاوا وباريس ولندن وبرلين ونيويورك وجنيف وبروكسل، لكن قدرتها على التحقيق العميق بالجريمة كانت محدودة، حتى بدعم من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غويتريش.

 

ولم تستجب السعودية لمطالبها بزيارة المملكة ولقاء المسؤولين هناك. وكشف أن مسؤولا سعوديا هدد “بالعناية بها”.
ورغم جمع الأمن التركي معلومات من القنصلية ومقر القنصل، إلا أنه وفر لها 45 دقيقة من 48 ساعة. وقالت إن الأتراك لم يسمحوا لها بفحص المواد بشكل مستقل أو اخذ ملاحظات، مع أنها أخذت بعضها. وإن اللقاء مع المسؤولين الأتراك استمر أربع ساعات، وكان “صعبا”، وبدا عليهم القلق.

 

وكان أول تسجيل استمعت إليه هو زيارة خاشقجي وخطيبته خديجة جنكيز للقنصلية في 29 أيلول/ سبتمبر؛ للحصول على وثيقة طلاق، حيث قام مسؤول في القنصلية بالاتصال مع الرياض، والسؤال إن كان خاشقجي من بين الأشخاص المطلوبين. وبدا أن المسؤولين في إسطنبول فوجئوا بزيارته، وتبع ذلك حوارات عدة حول كيفية التعامل معه، وإرسال فرقة من 12 شخصا. وآخر تسجيلين استمعت إليهما كانا عن الجريمة، واحد منهما من الطبيب الشرعي الذي ناقش عددا من المسائل مثل “تقطيع الجثة”، و”كان وصفا عاما، ولم يذكر اسم جمال خاشقجي، لكنه تحدث عن سهولة تقطيع الجثة خارج مختبر التشريح الشرعي، وقال: “ليست معقدة، وكل ما تريد عمله هو ألف ثم جيم”، وهو “أقوى دليل لدينا على أن عملية قتل جمال كانت مدبرة”، أما التسجيل الأخير، فقد ذكر فيه “الأضحية” و”لا يوجد شك في ذهني أنهم كانوا يشيرون إلى جمال”، بحسب ما قالت.

 

وقالت كالامار إن المترجم الذي أخذته معها إلى تركيا من جنيف استمع للحوارات بالعربي، وكان مصدوما، ولو كانت كالامار تعتقد أن التهديد ضد جمال كان حقيقيا، فلماذا لم يحذر؟ وتجيب بأن التهديد ربما لم يكن قابلا للتحقق، وأنهم تعاملوا معه، “وهؤلاء الناس يجمعون ملايين البيانات، وعلينا أن نضع هذا في سياق جمع معلومات مكافحة الإرهاب. ومن المحتمل أنهم عندما قاموا بتقييم التهديد ضد جمال وجدوا أنه ليس محتوما، وربما كان هذا خطأ”.

 

وهي لا تعتقد أن الولايات المتحدة قررت قصدا عدم تحذير جمال قائلة: “لا أؤمن بنظريات المؤامرة، ولو حدث خطأ فقد كان تقييما سيئا”. وعبرت عن خيبة أملها من تقرير وكالة الأمن القومي، قائلة: “كان مجرد تلخيص للمعلومات الأمنية ومن دون أدلة قدمت”.

 

وأضافت كالامار أنه حتى يوفر المسؤولون المعلومات فإنهم “يساهمون في عمليات الإفلات من العقاب”. وتعتقد أن سبب تصرفات الأمريكيين راجعة للحسابات الجيوسياسية والاقتصادية التي تتفوق على حياة صحفي واشنطن بوست.

 

وتابعت: “حتى نكون واضحين، الولايات المتحدة ليست وحدها، فهناك فرنسا وبريطانيا وألمانيا، وقد لا يكون لديهم نفس المعلومات للكشف عنها، لكن أفعالهم تسهم في الإفلات من العقاب”، مشيرة إلى أن تلك الدول لم تتحرك لمعاقبة أي من الذين اتهموا على المستويات العليا، وفرضت عقوبات على عدد من الأفراد دون أثر، وهو ما يسهم في عملية الإفلات من العقاب.