بقلم/ دانة المعيوف
تفاجأت مثل الجميع في شهر يوليو الماضي بخبر اعتقال مكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكية للسعودي إبراهيم الحصين طالب الدكتوراة في ولاية مسيسيبي.
منذ عام 2019 وأنا أعلم أني أحد الناشطين/ات الذين يتعرضون بشكل دائم لحملات استدراج، وتشويه سمعة، وتهديد من الذباب السعودي الالكتروني. كانت تلك الحسابات غالبا تستخدم اسم مستخدم وهمي. حساب سمر كان أحدها، وهو الذي اكتشفت لاحقا بعد ما تم القبض على إبراهيم الحصين، أنه حسابه والذي استخدمه ليستدرجني للقائه.
بدأت نشاطي في التعبير عن آرائي في السياسة والدين وحقوق المرأة على موقع تويتر مع قيام ثورات الربيع العربي في عام 2011. بعد أن شاهد جيلي قوة تأثير مواقع التواصل الاجتماعي في نشر الحقيقة، تملكنا الأمل في تغيير واقع العالم العربي وزيادة وعي الشعوب بحقوقها. كان تويتر حينها ساحة نقاش، وجدل، وتبادل آراء، لاسيما أن عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز سمح حينها بمساحة بسيطة للتحدث بحرية نوعا ما.
بعد وفاة الملك عبد الله، وتولي الملك سلمان الحكم لم أشعر أن عودتي للمملكة العربية السعودية ستكون فكرة جيدة، خاصة بعد ما امتلأت ساحة تويتر بآرائي الناقدة. كأحد سكان الرياض، كنت أعلم جيدا ما سيؤول إليه حكم الملك سلمان، وكيف أن المملكة ستشهد عصرا من القمع لم يسبق له مثيل.
وكما توقعت، توالت الاعتقالات في عهد الملك سلمان، ومن ثم فجعنا بجريمة مقتل الصحافي جمال خاشقجي. ولم يتوقف البطش بعد اغتيال خاشقجي، بل زاد وتشعب، وأصبح النظام يستخدم أساليب مبتكرة في التضييق على الناشطين/ات وملاحقتهم في الخارج. وهنا بدأت قصتي مع إبراهيم الحصين وأعوانه.
بما أنني لم أبتلع طعم الاستدراج ولم أقابل ابراهيم الحصين، رغم محاولاته الكثيرة عبر حساب سمر في انستقرام، نجوت واستطعت بعدها بثلاثة سنوات أن أحضر جلسة اعترافه بذنبه وجرمه في المحكمة الفيدرالية في بروكلين، في مدينة نيويورك.
ذهبت للجلسة الأولى في نهاية الشهر الماضي برفقة زوجي، لم أعتاد على دخول المحاكم، وهذه المرة أدخلها كضحية. كانت خطواتي ثقيلة داخل المحكمة رغم أني لم أكن المذنبة. فكيف كانت خطوات ابراهيم؟
بعد أن تم تفتيشنا وأخذ جوالاتنا تم السماح لنا بدخول الجلسة. كانت صالة المحكمة كما نشاهدها في الأفلام الأمريكية، الدفاع والمتهم ومحاميه يجلسون في يمين الصالة، والادعاء العام والضحية يجلسون في الجهة اليسرى من الصالة. كان ابراهيم أول من وقعت عيني عليه في القاعة، ولكنه لم يكن يبادلني النظرات، فكانت نظراته مثبتة على أوراق اعترافه بذنبه، وكان يرد بكل تأني وخنوع على أسئلة القاضي.
ما لفت نظري بعد ذلك كان والده عبد الرحمن الحصين، والذي كان يجلس وحيدا في المقاعد المخصصة للدفاع. شعور غريب تملكني عندما شاهدت والده يجلس في آخر مقعد في القاعة، تذكرت والدي الذي توفي في عام 2020، ثم بدأت بالبكاء،
شعرت بالحزن أن الأمور وصلت إلى هذا الحد. أبناء بلد واحد في محكمة دولة غربية، ووالد إبراهيم يأتي متعنيا من السعودية حتى يحضر جلسة إقرار ابنه بالذنب بعد ما كان سجينا في السجون الفيدرالية لعدة أشهر. ما نوع الألم الذي كان بداخل قلب والده لحظتها؟ كنت الضحية، لكني شعرت بالذنب.
شعور غريب أردت التخلص منه لكني لم أستطيع، رغم أني الضحية، وهو المتهم. على الرغم من أن إبراهيم لم يشعر بالذنب والرأفة بحالي عندما أراد أن يستدرجني ويلتقي بي. لم تشعر حكومة بلدي المسؤولة عنه بالذنب عندما أرسلوه ليستدرجني وهو يضمر الشر لي. لماذا بكيت؟ لا أعلم، لكني الآن نادمة على دموعي التي سقطت في تلك الجلسة.
يعتقد الإنسان أن التحدث بحرية هو أمر مكفول له منذ بدئه بالنطق في صغره، لكن ما لا يعرفه هذا الإنسان أن العالم ليس كما يعتقد، وأن حريته ليست مطلقة، خصوصا حرية الكلمة. الكلمة التي تزعزع أمن المستبد، وتنقض نوم الفاسد. كلمة الإنسان هي أعظم سلاح، ولن تستطيع البشرية أن تصنع سلاحا أقوى من كلمة حق في وجه سلطان جائر.