تتواصل الإجراءات الأمنية، والتدابير الاحترازية، في أنحاء المملكة العربية السعودية، تحت شعار مكافحة فيروس “كورونا” المستجد، وفي الوقت ذاته، ربما تخدم تلك التدابير أهدافا ومآرب الأخرى للنظام الحاكم في البلاد.
وتطبق السلطات السعودية، إجراءات غير طبيعية؛ كفرض حظر تجول على مدار 24 ساعة يوميا على عدد من المحافظات، أبرزها العاصمة الرياض، وتبوك، والدمام، والظهران، والهفوف، وجدة، والطائف، والقطيف، والخبر.
والخميس الماضي، قررت الحكومة السعودية فرض حظر التجوال في أرجاء مدينتي مكة المكرمة، والمدينة المنورة كافة على مدى 24 ساعة يوميا، مع استمرار منع الدخول إليهما أو الخروج منهما، حتى إشعار آخر.
ولم تتوقف الإجراءات عند ذلك، بل شملت إغلاق المنافذ البرية مع الإمارات والكويت والبحرين، وإيقاف العملية التعليمية في المدارس والجامعات، والقبض على مواطنين بتهمة كسر الحظر.
حملة اعتقالات
ويشكك الكثيرون أن التدابير الاحترازية السعودية لديها أهداف مزدوجة، ويستشهدون على ذلك بالتزامن بين هذه التدابير الهادفة لمكافحة فيروس “كورونا”، وبين شن حملة اعتقالات طالت معارضين لولي العهد السعودي، “محمد بن سلمان”.
وطالت حملة الاعتقالات التي شنها النظام السعودي مطلع مارس/آذار الماضي، كبار أمراء العائلة الحاكمة، وفي مقدمتهم الأمير “أحمد بن عبد العزيز” شقيق الملك السعودي، والأمير “محمد بن نايف” ولي العهد السابق، وشقيقه “نواف بن نايف”.
ووفق مصادر مطلعة، اتهم ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” المعتقلين الثلاثة، بإجراء اتصالات مع القوى الأجنبية، للقيام بانقلاب، وهي تهمة توفر غطاء للأمير الشاب (35 عاما)، للتخلص من أبرز منافسيه؛ للوصول إلى العرش.
ومن شأن حملة الاعتقالات، التي طالت 20 أميرا، وعددا من كبار الضباط، إجهاض أية تحركات داخل الأسرة المالكة، قد تشكل خطرا على فرص “بن سلمان” في خلافة والده (85 عاما).
وتبعت تلك الاعتقالات برسالة، مفادها أن أي شخص في العائلة المالكة عليه أن يتوقف عن التذمر والنقد، وأن يلتزم الصمت، لأنه إذا أمكن القبض على الأمير “أحمد”، شقيق الملك، فإن أي أمير آخر معرض للمصير ذاته.
ترتيبات أمنية
في الوقت نفسه، توفر الإجراءات والتدابير الاحترازية السارية في المملكة، فرصة لشغل الأجهزة الأمنية، في تطبيق إجراءت الحظر، والسيطرة خاصة على محافظة القطيف (ذات الأغلبية الشيعية)، والعاصمة (الرياض)، مقر قصر الحكم.
ويمنح الحظر الكامل على المدن والمناطق الاستراتيجية، فرصة للقوات السعودية، التي تخضع لإمرة “محمد بن سلمان”، الذي يشغل أيضا منصب وزير الدفاع، إمكانية التحرك بانسيابية للقيام بأية عمليات ضد خصوم ولي العهد.
ويتوافق ذلك، مع ما نقله المغرد السعودي الشهير “مجتهد”، الذي أكد أن العديد من هذه الخطوات “ليس لها علاقة بفيروس كورونا، ومعظمها إجراءات أمنية”.
ويذهب معارضون سعوديون في المنفى، إلى القول بأن “كورونا” وفر حجة منطقية أمام “بن سلمان” لتقييد حركة بعض معارضيه عبر وضعهم قيد الحجر الصحي بحجة “تعرضهم للعدوى”.
ويعزز ذلك التسريبات المتداولة عن إنشاء منطقة معزولة في مدينة “نيوم”، على ساحل البحر الأحمر، سوف تكون مخصصة لإيداع أعضاء “آل سعود” المشتبه في إصابتهم بالفيروس، خاصة كبار السن، بما يضمن لولي العهد إبقاء خصومه داخل الأسرة الحاكمة بعيدا تماما عن العاصمة الرياض.
انتقال الحكم
وتطرح تقارير غربية، سيناريو آخر ضمن خطط التوظيف السياسي لفيروس “كورونا”، يتعلق بترتيبات المشهد السياسي في المملكة، وطريقة انتقال الحكم، وتأمين هذا الانتقال.
ووفق “مجتهد”، فإن “بن سلمان” ينوي نشر بيان يعلن “تنحي والده وتنصيبه ملكا”، وهو ما يعكس حالة التأهب الأمني في البلاد، وفرض حظر التجوال على نطاق واسع، ولمدة 24 ساعة يوميا.
ويعضد هذا القول ما سبق أن كشفه موقع “ميدل إيست آي البريطاني” حول كون “بن سلمان” يرغي في نقل السلطة ووالده على قيد الحياة، كي يستفيد من شرعيته، ورمزية سنه ومكانته، في تأمين البيعة له، دون معارضة.
ويخشى ولي العهد السعودي من فقدان دعم حليفه، الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، حال خسارة الأخير الانتخابات المقررة في نوفمبر/ تشرين الثاني، خاصة في ظل تضرر مصداقية “ترامب” بوضوح خلال أزمة كورونا.
نتيجة لذلك، بتوقع البعض أن “بن سلمان” ربما يرغب في تسريع عملية نقل السلطة لتتم خلال هذا العام للاستفادة من وجود “ترامب” في البيت الأبيض، وكذلك من الانشغال العالمي والمحلي بتداعيات “كورونا”، وينوي شن حملة علاقات عامة للترويج لهذا الانتقال خلال الأشهر القادمة.
علاقات عامة
ربما يفسر هذا التوجه مسارعة “بن سلمان” إلى استضافة قمة “افتراضية” لمجموعة العشرين، الشهر الماضي، بدعوى التصدي للوباء العالمي، على الرغم من الغموض حول مصير القمة الأصلية المقرر أن تستضيفها السعودية يومي 21 و22 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وشارك في القمة الافتراضية، العديد من قادة الدول وممثلي عدد من المنظمات الدولية، أبرزهم ملك السعوية ورؤساء الولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا، ورؤساء وزراء بريطانيا وبلجيكا وكندا واليابان والهند، وآخرين، إضافة إلى رئيس منظمة الصحة العالمية “تيدروس أدهانوم جبريسوس”.
وساعد “كورونا” على كسر العزلة الدولية التي كان يعانيها ولي العهد السعودي، منذ إقرار الرياض بقتل الصحفي السعودي “جمال خاشقجي” بقنصلية المملكة بإسطنبول، أكتوبر/تشرين الأول 2018.
وخلال الأيام الماضية، بحث “بن سلمان” مع الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون”، ومستشارة ألمانيا “أنجيلا ميركل”، ورئيس الوزراء الإسباني “بيدرو سانتشيز”، ورئيس وزراء بريطانيا “بوريس جونسون”، وقادة آخرين حول العالم، سبل مواجهة الفيروس.
ومثلت الأزمة الإنسانية التي يمر بها العالم، فرصة للأمير الشاب؛ للتعامل مع عواصم غربية وأوروبية، كانت تحجم في السابق عن التواصل معه، بعد تورطه في مقتل “خاشقجي”، فضلا عن تواصل انتهاكاته المستمرة لحقوق الإنسان.
وتعني تلك المتغيرات، القفز على ملفات عدة، كانت تعد صداعا مزمنا لـ”بن سلمان” مثل اعتقالات الأمراء، وجرائم الحرب في اليمن، وتعذيب ووفاة معارضين في السجون السعودية.
ومنذ مقتل “خاشقجي”، أنفقت السعودية ملايين الدولارات على العلاقات العامة وشركات الضغط؛ لتبييض صورة المملكة، وإحباط أي قرار دولي بحق “بن سلمان”، لكن “كورونا” ربما يمنح ولي العهد، فرصة جديدة للظهور السياسي العالمي، وربما يمنحه فرصة أخرى لتعزيز قبضته على السلطة وتكثيف جرعات القمع، في وقت يبدو فيه العالم منشغلا بتداعيات الوباء العالمي.