بعد سنوات طويلة انكفأت السعودية على نفسها، رافضة الدخول والاستثمار في المجال الرياضي على غرار جارتيها؛ قطر والإمارات، بدا واضحاً للعيان تغير تلك الاستراتيجية في السنوات الأخيرة.

ومنذ صعود الأمير محمد بن سلمان إلى ولاية العهد، واعتباره الحاكم الفعلي للسعودية، سلكت المملكة طريقاً مغايراً اعتمد على استضافة البطولات والفعاليات الرياضية المختلفة، وهو ما كان حتى وقت قريب ” خارج خطط المسؤولين الحكوميين.

ويحرص هؤلاء المسؤولين على رعاية تلك الأحداث والفعاليات الرياضية، وقد يحضرونها بشكل شخصي، إضافة إلى تحشيد إعلامي كبير في مختلف القنوات والصحف والمواقع الإلكتروني، من أجل خلق هالة كبيرة تتجاوز حدود البلاد في سبيل تحقيق الأهداف والغايات الموضوعة.

ويرى مراقبون أن الرياض تستخدم الرياضة؛ بهدف تغيير وتبييض وتلميع النظرة العامة للسعودية، في ظل الاتهامات والانتهاكات الموجهة إليها في أكثر من ملف، على مختلف الجبهات؛ المحلية والعربية والإقليمية.

ويتوافق رأي المراقبين مع بيانات متلاحقة لمنظمات حقوقية دولية، تقول إن السعودية لجأت في عهد “بن سلمان” إلى سياسة “استخدام الرياضة في إعادة بناء صورة الدولة”.

 

بطولات في مختلف الألعاب

وبوتيرة متسارعة، تسابق المملكة الزمن في طلب تنظيم بطولات رياضية مختلفة وإقامتها على أراضيها ووسط جماهيرها، ما أثار تساؤلات حول الأسباب التي تدفع السلطات السعودية ممثلة بـ”هيئة الرياضة”، التي تُعد الجهة المسؤولة عن جميع الأنشطة الرياضية في البلاد، للتهافت ومحاولة الحصول على استضافة أكبر عدد من الفعاليات والمسابقات الرياضية.

وفي 11 نوفمبر 2019، نجحت المملكة في الظفر بتنظيم بطولة كأس السوبر الإسباني، التي تجمع أكبر 4 أندية في إسبانيا؛ وهي: ريال مدريد وبرشلونة وأتلتيكو مدريد وفالنسيا، وذلك على مدار الأعوام الثلاثة المقبلة.

وفي عالم “الساحرة المستديرة”، احتضنت المملكة بطولة السوبر الإيطالي، كما جلبت منتخبي البرازيل والأرجنتين المدججين بالنجوم والأسماء الكبيرة، في أكثر من مناسبة للعب على أراضيها ومحاولة خطف أنظار العالم إليها.

وفي نهاية فبراير 2018، وقعت السعودية مع اتحاد “WWE”، لإقامة عروض المصارعة الحرة بشكل حصري في المملكة مدة 10 سنوات.

وإضافة إلى فعاليات رياضية بألعاب مختلفة كالملاكمة والتنس، تنظم السعودية للعام الثاني توالياً، “سباق الفورمولا إي” لرياضة السيارات الكهربائية الرائدة في العالم، كما أنها بصدد استضافة “رالي داكار” الصحرواي، ضمن شراكة مدتها 10 سنوات بين الاتحاد السعودي للسيارات والدراجات النارية والشركة المالكة للسباق.

ومع كل إعلان سعودي يفيد بالحصول على تنظيم بطولات رياضية جديدة، تتعالى أصوات في أوروبا وأمريكا مطالبة بضرورة عدم التعامل مع الرياض، ومنحها “فرصة العمر” لتبييض سمعتها وغسل وجهها الملطخ بانتهاكات حقوقية.

 

“التبييض الرياضي”

وفي السنوات الأخيرة وتحديداً منذ عام 2015، صعد إلى السطح مصطلح جديد يُعرف بـ”التبييض الرياضي، عندما ارتبط بدولة أذربيجان، التي تمتلك ثروة نفطية كبيرة، لكن لديها تاريخ وسجل حافلين في انتهاكات حقوق الإنسان، والتعذيب، بحسب منظمات حقوقية دولية.

وعملت الدولة الأذرية على استضافة بطولات رياضية ورعاية أندية عالمية، في مسعى لإبعاد الأنظار عن انتهاكاتها في مجال حقوق الإنسان، وتصدير وجهها الرياضي وقت كتابة اسمها على محركات البحث.

تقول هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، إنه عندما يذكر اسم الدولة في الأخبار، فإنه “عادة ما يقترن سماعه كثيراً بالأحداث الرياضية الكبيرة والجذابة التي ظهرت فيها شخصيات بارزة.

وتشير إلى أن سلطات تلك الدول تأمل في إرسال رسالة للجماهير مفادها أن “الأمور ليست سيئة للغاية” من خلال ربطها بأحداث رياضية كبيرة بدلاً من انتهاكات حقوق الإنسان.

وتعتمد الدول المتهمة بـ “التبييض الرياضي” على أمرين؛ يرتكز الأول على حقيقة أن معظم الهيئات الرياضية الحكومية تصر على أن أنشطتها غير سياسية.

ومن خلال هذه الحقيقة تحاول أن تنأى البلدان بنفسها عن اتهامها بخلط السياسة في الرياضة، وهو ما يجعل من أمر استضافة البطولات الرياضية على أراضيها جذاباً ومحط اهتمام، في ظل القيود السياسية المفروضة في تلك الدول.

أما الأمر الثاني فإنه عند الحديث عن القضايا المثيرة للجدل خلال الإعداد لحدث رياضي ما، فإن هذا الشيء يختفي تقريباً فور بدايته وانطلاقته؛ إذ ينتقل التركيز إلى الرياضة، ولا يعود أبداً إلى القضايا الجدلية.

لكن “بي بي سي”، تقول إن السحر قد ينقلب على الساحر، وقد يأتي “التبييض الرياضي” بردود فعل عكسية، وبالتالي يتم الانتباه والتركيز على الأشياء والمخالفات والانتهاكات التي كانت تحاول تلك الدول إخفاءها.

 

سمعة السعودية

وتشن السعودية حرباً مدمرة في اليمن منذ مارس 2015، خلفت عشرات الآلاف بين قتيل وجريح ومشرد، إضافة إلى أزمة إنسانية حادة، وصفتها الأمم المتحدة بأنها “الأسوأ في العالم”، خاصة أن نحو 80% من سكانه في حاجة إلى “مساعدات وحماية” بعد مرور قرابة 5 سنوات على الحرب.

كما فرضت الرياض بجوار أبوظبي والمنامة والقاهرة حصاراً خانقاً على قطر في يونيو 2017 بزعم مكافحة الإرهاب، وهو ما نفته الدوحة مراراً وقالت إنها تواجه حملة من الأكاذيب والإدعاءات تستهدف التنازل عن سيادتها وقرارها الوطني المستقل.

كما أن سمعة السعودية قد تلطخت وباتت في الحضيض، بعد الجريمة البشعة التي ارتكبها فريق اغتيال من المخابرات السعودية بحق الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول التركية، في أكتوبر 2018.

وقتل خاشقجي خنقاً، ثم قطعت أوصاله إرباً إرباً، ووضعت في حقائب سوداء كبيرة، قبل أن يتم التخلص منها حرقاً في فرن أعد خصيصاً في منزل القنصل السعودي بإسطنبول، كما كشف برنامج “ما خفي أعظم” الاستقصائي على قناة الجزيرة الإخبارية.

أما على الصعيد المحلي، تتهم منظمات حقوقية دولية، السلطات السعودية بملاحقة أمراء ووزراء ومعارضين ودعاة وعلماء ونشطاء وناشطات وزجهم في السجون والمعتقلات في ظروف غاية بالصعوبة، وإخضاعهم لمحاكمات تنتفي فيها أبسط شروط ومعايير وضمانات المحاكمات العادلة.

كما تتهم السلطات السعودية بتشكيل لجان إلكترونية باتت تُعرف بـ”الذباب الإلكتروني” لتشويه سمعة كل من يعارض السلطات الحاكمة ورؤية ولي العهد بن سلمان، وتهديده بالملاحقة والقتل والاعتقال.

كما كشفت تقارير غربية في أكثر من مناسبة عن تورط المملكة في التجسس على المعارضين بغية الحصول على معلومات شخصية عنهم، فضلاً عن آلاف من مستخدمي “تويتر”، إلى جانب تهريب أرقام الهواتف وعناوين البريد الإلكتروني والإنترنت (IP).

وتشهد السعودية قيوداً شديدة على حرية التعبير وحقوق المرأة، علاوة على استخدام عقوبة الإعدام في مخالفات لا تعتبر جرائم بموجب القانون الدولي.