في الوقت الذي يترقب فيه العالم وصول الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن للحكم، في العشرين من يناير المقبل، تواصل دول خليجية تعزيز علاقاتها مع دولة الاحتلال بهدف تشكيل تكتل لمواجهة ما تعتبره خطراً إيرانياً على أمن المنطقة.

وخلال السنوات الأربع الماضية، مارس الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته حملة ضغط قصوى على النظام الإيراني بهدف تقليص قدرته على تهديد حلفاء واشنطن في المنطقة، ولا سيما المملكة العربية السعودية و”إسرائيل”.

وبينما كان المتحالفون مع “إسرائيل”، سواء في السر أو في العلن، يطمحون لمزيد من الضغط على إيران، جاءت نتائج الانتخابات الأمريكية الأخيرة لتقلب الأمور رأساً على عقب؛ بعدما أعادت الديمقراطيين مجدداً إلى البيت الأبيض.

وبينما أبرم الديمقراطيون مع طهران اتفاقاً نووياً وصف بالتاريخي، عام 2015، فإن الرئيس الجمهوري المنصرف مزّق هذا الاتفاق، وعزل إيران سياسياً وعسكرياً واقتصادياً عبر العقوبات، بحسب ما صرّح به وزير خارجية الولايات المتحدة مايك بومبيو، الجمعة 4 ديسمبر.

وخلال الشهور الثلاث الماضية، أبرمت دولة الإمارات ومملكة البحرين اتفاقاً لتطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال برعاية أمريكية، وهو الاتفاق الذي يرى مراقبون أنه يستهدف محاصرة إيران بنفس الدرجة التي يستهدف بها القضية الفلسطينية.

تحالفات جديدة

ومنذ توقيع اتفاق التطبيع، منتصف سبتمبر، أبرمت أبوظبي والمنامة اتفاقات واسعة ومتنوعة مع “تل أبيب”، في الوقت الذي ما تزال فيه الأنباء الخاصة بانضمام الرياض إلى الاتفاق أقرب للواقع منها إلى التكهنات.

ومع إعلان بايدن إمكانية عودة إدارته إلى الاتفاق النووي الإيراني فإن المحور الخليجي المتقارب مع “إسرائيل” يتحدث عن إمكانية تغيير اتفاق التطبيع الأخير لأوراق اللعبة في المنطقة، وفق ما صرّح به وزير خارجية البحرين عبد اللطيف الزياني، السبت 5 ديسمر، على هامش “حوار المنامة”.

وهذه ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها الزياني عن تغييرات مرتقبة بالمنطقة في ظل التقارب الخليجي الإسرائيلي؛ فقد أعلن خلال زيارته الرسمية الأولى لـ”تل أبيب، منتصف نوفمبر الماضي، عن وجود مشاورات مشتركة بشأن التعامل مع إيران.

كما أكد الزياني أن على الرئيس الأمريكي الجديد مشاورة دول المنطقة قبل اتخاذ أية خطوة جديدة مع إيران، وهو ما أكده وزير خارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان، في حوار مع وكالة الأنباء الفرنسية، السبت 5 ديسبمر، بقوله إنه لا مجال لاتفاق جديد مع طهران دون مشاورة دول الخليج.

وتأتي هذه الأحاديث ردّاً على تصريحات بايدن التي قال فيها، الخميس 3 ديسمبر، إنه سيعطي أولوية لإعادة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، والنظر في رفع العقوبات، لكنه سيطلب من إيران الامتثال أولاً لبنود الاتفاق.

والجمعة 4 ديسمبر، ردّ وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف على حديث بايدن بالقول إن طهران لا تقبل بشروط مسبقة من جانب الإدارة الأمريكية المقبلة بشأن برنامجها النووي، وإنها متمسكة بعودة واشنطن إلى الاتفاق قبل إجراء محادثات.

إعادة تموضع

المحلل السياسي الفلسطيني عدنان أبو عامر يرى أن الحديث عن تغيير قواعد اللعبة بالمنطقة يشير بالدرجة الأولى إلى عملية إعادة التموضع الدائرة حالياً على كافة الصعد؛ سياسياً وعسكرياً وأمنياً.

وفي تصريح لـ”الخليج أونلاين” قال أبو عامر إن دول مجلس التعاون الخليجي ومنطقة شمال أفريقيا والمغرب العربي تشهد حالياً ظهور تحالفات جديدة، وهي التحالفات التي تسعى دولة الاحتلال إلى إيجاد موضع قدم لها فيها.

ويعتقد أبو عامر أن “إسرائيل” تسعى في اللحظة الراهنة إلى تشكيل تحالف مع الدول العربية عموماً والخليجية خصوصاً؛ لمواجهة كافة التيارات والدول الإسلامية التي تعتبرها “تل أبيب” عدوة لها؛ وفي مقدمتها إيران وجماعة الإخوان المسلمين وتنظيم داعش والقاعدة.

لكن هذا التحالف، الذي تعتبر الرياض هي عرّابته الفعلية من وجهة نظر المحلل الفلسطيني، سيصطدم بأمور عدّة من بينها رؤية الإدارة الأمريكية الجديدة، والمخاوف السعودية الإماراتية من أن ينعكس استعداء إيران عليها سلباً؛ سواء باستهداف مباشر لها أو بتعظيم قدرات أذرعها العسكرية مثل الحوثيين اليمنيين.

وعليه فإن تكوين هذا التحالف سيكون بالدرجة الأولى على حساب قضية فلسطين التي قفزت عليها السعودية والإمارات والبحرين تحديداً، بحسب أبو عامر، الذي يرى أن إدارة بايدن تبدو عازمة على إعادة تصدير القضية الفلسطينية لنزاعات المنطقة.

ثمة أزمات أخرى ستواجه محاولات تغيير قواعد اللعبة كما يتم التخطيط لها حالياً؛ من بينها موازين القوى واحتمال وقوع انقلابات أو تغييرات في بعض بيوت الحكم الخليجية لكبح جماح أي تحالف عربي إسرائيلي مستقبلي.

وخلص المحلل الفلطسيني إلى أن التغير الأبرز حالياً هو قفز الرياض وأبوظبي والمنامة على المبادرة العربية التي نصت على عدم الاعتراف بـ”إسرائيل” دون إقامة دولة فلسطينية، ما يعني أن فلسطين ما تزال هي الخاسر الأكبر من هذه التغيرات حتى اللحظة.

تبديل الأعداء

المحلل السياسي شرحبيل الغريب يرى أن مسلسل التطبيع الأخير يهدف بالدرجة الأولى إلى تشكيل تحالفات أمنية وعسكرية بغية إيجاد محور جديد يعترف بأن “إسرائيل” هي جزء من هذه المنطقة، وهو محور يضم الدول المتماهية مع التطبيع.

وأضاف الغريب في حديث لـ”الخليج أونلاين”: “هذا التحالف يهدف للحد من نفوذ إيران وعزلها، وتحويلها إلى العدو الأول للعرب بدلاً من إسرائيل التي تمارس انتهاكات صارخة بحق العرب والمسلمين، والتي تتحرك وعينها دائماً على مقدراتهم”.

واستدل المحلل الفلسطيني على حديثه بتصريحات رئيس الموساد الإسرائيلي يوسي كوهين، التي قال فيها إن من كانوا ينادون بزوال إسرائيل أصبحوا اليوم يتحالفون معها، مضيفاً: “هذا الكلام يعني أن المحتل يشعر بأن مخطط دمجه في المنطقة يسير بخُطا ثابتة”.

ويرى الغريب أن ما يحدث الآن هو أن المنطقة تنقسم إلى محورين؛ أحدهما يؤمن بفلسطين ويرفض التطبيع تحت أي مبرر مثل الكويت، ومحور آخر يؤيد التطبيع ويسعى لتمريره على كافة المستويات مثل الإمارات والبحرين.

لكن المحلل الفلسطيني يؤكد أن ثمة دولاً عربية ما تزال تتمسك بقضية فلسطين، وأن شعوباً ما تزال تعتبر أن فلسطين هي رافعة الأنظمة بالمنطقة وخافضتها، وهذا ما يجعل مخطط تمدد المحتل في جسد المنطقة وتبديل خريطة الأعداء غير قابل للنجاح.

تعاطٍ جديد

وتراجعت أحاديث التطبيع كثيراً بعد هزيمة ترامب في انتخابات نوفمبر الماضي، كما أن السعودية التي كانت قاب قوسين من الانضمام لجارتيها (الإمارات- البحرين) تراجعت، ولو ظاهرياً، وأكدت أنه لا اعتراف بـ”إسرائيل” دون إقامة دولة فلسطينية مستقلة، بحسب ما أكده وزير خارجيتها في أكثر من موقف.

ويبدو أن تغير الإدارة الأمريكية هو الباعث الأساسي على هذا التغير، فضلاً عن مؤشرات على وجود خلاف داخل المحور الداعم للتطبيع بشأن من يقود من.

فبينما عرض ملك البحرين عيسى بن حمد، خلال قمة ثلاثية جمعته بملك الأردن وولي عهد أبوظبي في الإمارات، أواخر نوفمبر، استضافة مفاوضات بين الفلسطينيين وحكومة الاحتلال، بدأت القاهرة خطوات عملية لاستضافة هذه المفاوضات.

فقد كشفت القناة “12” العبرية، الجمعة 4 ديسمبر، عن اتصالات أجراها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بهدف استئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

وقالت القناة إن السيسي أجرى “محادثات منفصلة مع وزيري الخارجية الإسرائيلي غابي أشكنازي، والفلسطيني رياض المالكي، في محاولة لاستئناف المفاوضات المتوقفة بين الطرفين منذ أبريل 2014”.

أما إيران فقد قال وزير خارجيتها، الجمعة 4 ديسمبر، إن بلاده تعتقد أن علاقتها ستتحسن مع جيرانها الخليجيين فور رحيل ترامب عن البيت الأبيض.

ودانت دول مجلس التعاون عملية اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده، الجمعة 27 نوفمبر، وقالت إنها تزعزع استقرار المنطقة وتجلب مزيداً من المشاكل.

وقد أكد وزير الخارجية السعودي، السبت 5 ديسمبر، أن بلاده لا تتبنى سياسية الاغتيالات ولا تؤيدها، وقال إن حركة التطبيع الأخيرة غير مرتبطة بسلوكيات “إسرائيل” الأخيرة ضد إيران.

واتهمت القيادة الإيرانية حكومة الاحتلال ومن ورائها الولايات المتحدة باغتيال فخري زاده، الذي كان يوصف بأنه أبو البرنامج النووي الإيراني، في حين لم تعلق “تل أبيب” ولا واشنطن على هذه الاتهامات.