“تحول فيسبوك إلى وسيلة لتضليل الشعوب ونشر أخبار مزيفة ومضللة من قبل بعض الأنظمة العربية السلطوية”، هذا ما أكدته إذاعة صوت ألمانيا “دويتشه فيله”، مشيرة إلى أن الإمارات والسعودية استخدمتا كلاً من فيسبوك وانستجرام لضرب سمعة قطر وتركيا.

وكشفت إدارة فيسبوك مؤخرا أن أشخاصاً مرتبطين بحكومة السعودية أداروا شبكة من الحسابات والصفحات المزيفة على فيسبوك للترويج لدعاية الدولة ومهاجمة الخصوم في المنطقة.

وقالت الشركة في بيان، إنها وجدت عمليتين منفصلتين، واحدة نشأت في الإمارات ومصر وأخرى في السعودية، وكلاهما أنشأت حسابات عبر منصتي فيسبوك وانستجرام، لتضليل المستخدمين واستهداف بعض دول المنطقة.

بالنسبة للعملية الأولى (بمصر والإمارات)، أوضحت الشركة أنها أغلقت 259 حسابًا و102 صفحة و5 مجموعات و4 أحداث على فيسبوك، بخلاف إغلاق 17 حساباً عبر انستجرام.

كما ذكرت أنها أغلقت أيضًا 217 حسابًا و144 صفحة و5 مجموعات على فيسبوك و31 حسابا عبر انستجرام، قالت إنها “شاركت في سلوك غير منسق صادر من السعودية”.

اختلفت مسميات الحسابات الوهمية، لكن كانت مهمتهم محددة كأبواق ناطقة باسم الحكومات وهي “تضليل الرأي العام”، في مصر أطلق عليها “اللجان الإلكترونية”، وفي السعودية والإمارات عرفت بـ”الذباب الإلكتروني”.

تلك الحسابات دشنت ليست للتضليل السياسي فقط، وإنما تستخدم في القضايا الاجتماعية والاقتصادية والفنية والتقنية والدينية وغيرها، لمناصرة فكرة معينة وفرض رأي محدد بالإيهام بأنه رأي الأغلبية والأصح والأوقع.

 

استهداف الخصوم

نشط الذباب الإلكتروني بكثافة في بواكير اندلاع الأزمة الخليجية التي نتج عنها فرض حصار جوي وبحري وبري على دولة قطر من قبل كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر.

استعان “محور الشر” ساعتها بمنصات ولجان لإدارة عمل الذباب الإلكتروني وتوجيهه لشن هجمات شعواء على الدوحة تضمنت الترويج لأخبار كاذبة وفبركات إعلامية، وسعت الحملة لضرب النسيج الاجتماعي القطري من خلال نشر الفتنة القبلية وتأليب الرأي العام المحلي ضد الحكومة.

وسبق لصحيفة الجارديان البريطانية أن قالت في تقرير نهاية يوليو/تموز الماضي، إن شركة دعاية وعلاقات عامة بريطانية يديرها صديق مقرب من بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني الجديد، تقدم مواد دعائية لعملاء من بينهم حكومة السعودية على أنها أخبار في فيسبوك.

وأوضحت في التقرير الذي نشرته بعنوان “حليف رئيس الوزراء يدير شبكة للتضليل على فيسبوك” أنّ “شركة سي تي إف بارتنرز (CTF) للدعاية والعلاقات العامة، التي يديرها سير لينتون كروسبي، الحليف المقرب لرئيس الوزراء البريطاني، بنت شبكة للتضليل تقدم موادَّ للدعاية على أنها أخبار حقيقية على فيسبوك”.

وأنشأت الشركة صفحات تبدو مستقلة، تتعلق بحرب اليمن، بأسماء مثل “دبلوماسي شرق أوسطي” أو “تركيز على إيران”، دون أن تكشف عن عملها نيابة عن الحكومة السعودية التي تشترك وبقوة في الحرب.

وأضاف التقرير أن “الشركة حصلت على مئات الملايين من الجنيهات الإسترلينية من الحكومة السعودية لتلميع صورة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي تورط لاحقاً في مقتل الصحفي جمال خاشقجي”.

ومنذ اغتيال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول التركية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كشفت صحف غربية عن تورط شركات أجنبية تقدم خدمات دعاية وعلاقات عامة في تلميع صورة بن سلمان في أوروبا وأمريكا لتخفيف حدة الانتقادات تجاهه خصوصاً في قضية خاشقجي، وحرب اليمن، والانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان داخل المملكة.

الصحيفة ذاتها نشرت تقريرها فبراير/شباط الماضي، عن قيام “كروسبي”، بعرض خطة مفصلة تتضمن قصصًا سلبية ومزيفة ضد قطر والضغط على الفيفا ‏لاختيار دولة أخرى لتنظيم مباريات كأس العالم عام 2022، مقابل 5.5 مليون جنيه إسترليني.‏

 

جيوش القحطاني

في السعودية، أشرف المستشار السابق بالديوان الملكي سعود القحطاني (المشتبه به في قضية اغتيال خاشقجي)، والذي يشغل منصب رئيس الاتحاد السعودي للأمن السيبراني، على إطلاق جيوش من “الذباب الإلكتروني” وزاد تجييشه بعد حادث اغتيال خاشقجي، لمواجهة المعارضة السعودية.

وأطلق معسكر “طويق” البرمجي، لاستقطاب عناصر جديدة لتعليمهم أسس البرمجيات المختلفة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لتمكينهم من مواجهة المعارضة السعودية.

ويعمل المشاركون في المعسكر ومن تمّ اختيارهم على الكثير من برامج التواصل الاجتماعي وعلى رأسها: تويتر، فيسبوك، سناب شات، ومواقع الدردشة، لاستكشاف المغردين من معارضي السعودية، وذلك من أجل الدفاع عن المملكة والهجوم على كل من يعارض سياسات الدولة.

ويعمل على تشكيل مجموعات في مواقع التواصل الاجتماعي في مدن مختلفة كالرياض والدمام وجدة، حيث سيشكل المعسكر عدة مجموعات وفرق مختلفة عبر الأشخاص الذي تمّ تجنيدهم واستقطابهم وتأهيلهم في المعسكر للكشف عن من ينتقد أو يعارض السياسة السعودية في مواقع التواصل.

 

محاكمة المدونين

وفي الوقت الذي استخدمت دول محور الشر الفضاء الإلكتروني لأغراضها الخاصة، حاربت رواده وتعقبتهم وعرضتهم على محاكمات وقمعت حريتهم في التعبير عن آرائهم، ومن بين أبرز المدونين القابعين في السجون السعودية المدون رائف بدوي، الذي قام بتأسيس موقع إلكتروني أسماه “الشبكة الليبرالية السعودية الحرة”، وطرح من خلاله عددا من الأفكار التي قال إنها لتثقيف المجتمع بواجباته وحقوقه، لكنها قادت في النهاية إلى الملاحقة والسجن والإدانة.

وفي يونيو/حزيران 2013 أصدرت المحكمة الجزائية السعودية المتخصصة بالنظر في قضايا الإرهاب حكما بسجن 7 شبان مددا تتراوح بين 5 و10 سنوات مع المنع من السفر بتهم التحريض على التظاهر عبر استخدام فيسبوك و”الخروج عن طاعة ولي الأمر”، وذلك حسب ما أفادت منظمة “هيومن رايتس ووتش”.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2016 أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة في السعودية، حكما بسجن رجل الدين الشيعي جعفر آل صويلح 3 أعوام ونصف العام بسبب كتابات على فيسبوك.

أما الإمارات يقبع في سجونها معتقلين إماراتيين وآخرين يحملون جنسيات مختلفة بتهم تتعلق بالتدوين على “فيس بوك”، بعد أن أصدرت ضدهم أحكاما وصفها اعتبرها حقوقيون “تعسفية”، إذ حكم على صحفي أردني لمدة ثلاث سنوات لإهانة شخصيات الدولة في الفيسبوك.

وفي يونيو/حزيران الماضي، ألقت السلطات في إمارة الشارقة القبض على مواطن مصري مقيم فيها يدعى أيمن شوشة بسبب تدوينها نشرها على حسابه بفيسبوك، وفي يوليو/تموز الماضي، صدر حكم تعسفي جديد على وافد آسيوي بالسجن المغلظ لمدة 10 أعوام بسبب كتابات على مواقع التواصل الاجتماعي.

 

نسب الاستخدام

تتزايد كل عام نسبة مستخدمي فيسبوك عالميًا لتصل أكثر من 2 مليار شخص، وتصل نسبة المستخدمين له بشكل يومي في السعودية إلى 78%.

يصل عدد مستخدمي انستجرام في السعودية إلى مليون شخص، ويعد انستجرام الآن الشبكة الاجتماعية الثانية الأكثر شعبية للأعمال التجارية الصغيرة، وبلغت نسبته من الحسابات لأكثر من 48%.

فيما بلغ عدد الحسابات النشطة على مواقع التواصل فيسبوك، انستجرام، تويتر، سناب شات، ولينكدإن في الإمارات أكثر من 20 مليون حساب، بحسب تقرير “حالة التواصل الاجتماعي 2019” الذي أعدته “كراود أناليزر”، بالشراكة مع “هوتسوت”، وبالتعاون مع “أبكو”.

وأفاد التقرير أن حسابات مواقع التواصل النشطة في الإمارات توزعت بواقع 8.8 مليون حساب على فيسبوك، و4 ملايين على لينكد إن، و3.7 مليون انستجرام، و2.3 مستخدم لتويتر، ونحو مليوني حساب نشط على موقع سناب شات. واحتفظ فيسبوك بالصدارة رغم تباطؤ نمو عدد مستخدمي الموقع في الدولة ليزيدوا بنسبة 3.5% خلال عام.

استخدام دول السعودية والإمارات ومصر “محور الشر” لمواقع التواصل الاجتماعي لتمرير سياساتهم وتدعيم حلفائهم ومناهضة معارضيهم أمراً ليس بالجديد، حسب ما أكد المعارض السعودي فهد الغويدي.

الغويدي أوضح أن القصة بدأت بعد ظهور مواقع التواصل بفترة قصيرة حين أدركت السعودية مدى قوة تأثير تلك المواقع على توجيه الرأي العام وتوجيه شريحة كبيرة من مستخدميها، وفي نفس الوقت إمكانية ظهور حسابات وهمية تنتقد الدولة وسياساتها بمختلف الوسائل والطرق.

وأشار المعارض السعودي في حديثه مع “الاستقلال” إلى أن السعودية بدأت بعد يأسها من السيطرة على انتشار هذه الحسابات ويأسها كذلك من تتبع أصحابها ومعرفة هوياتهم الحقيقية بعملية “جوبلزية” (نسبة إلى جوبلز وزير الدعاية النازية)، والتي توعز بنشر دعاية مضادة عبر إنشاء مئآت ثم آلاف ثم مئآت الآلاف من الحسابات الوهمية التي تدار من قبل جهة حكومية ما.

الغويدي أضاف: “الغرض منها كان في البداية الترويج لسياسات الدولة ثم تجاوزت الأمر للهجوم على الحسابات حتى وصل بها الأمر إلى سقوط أخلاقي وأصبحت هذه الحسابات تشوه صورة الدولة بدلاً من تحسينها، ولم يعد يخفى على أحد أن الدولة هي من تدير هذه الحسابات سيئة السمعة والمعروفة ضمنيا باسم الذباب الالكتروني”.

وحسب الغويدي: “النموذج الإماراتي اقتدى بالنهج السعودي في ذلك بشكل أكثر ذكاء، كما اتبعت الحكومة الانقلابية في مصر بقيادة عبد الفتاح السيسي نفس النهج حيث يعد فيسبوك منصة التواصل الاجتماعي الأولى هناك”.

مضيفا: “في اعتقادي أن الدول التي تلجأ لمثل هذه السياسة الجوبلزية هي دول فاشلة حتى وإن لم تحقق مفهوم الدول الفاشلة المتعارف عليه، لكن لجوئها لمثل هذه الممارسات للترويج لها وتلميع صورتها وإنفاق الملايين في سبيل نشر دعاية، هو دليل كافي على فشل هذه السياسات التي تحاول أن تعيش بنشر الوهم في عقول الناس”.

حديث “الغويدي” جاء بعد اتخاذ إدارة فيس بوك قرارا بتفكيك خلايا إلكترونية تحتوي على مئآت الحسابات المرتبط جزء كبير منها بالسعودية، قائلاً: “الحقيقة أن توجه الحكومات نحو فيسبوك الهدف منه تحسين صورتها وتلميع قياداتها في العالم عموما والعالم العربي خصوصا كون فيسبوك هو موقع التواصل الأول عالميا بنحو 2 مليار مشترك”.

 

مراحل التطور

المعارض السعودي ماجد الأسمري أشار إلى أن تلاعب دول محور الشر وغيرها بمواقع التواصل الاجتماعي ليس بالجديد فهو موجود منذ شيوع استخدام مواقع المنتديات الإلكترونية بين الناس بداية الألفية الثالثة.

موضحاً أن الحكومة السعودية كانت حينها تزرع كتّاب في المنتديات الشهيرة مثل موقع “الساحات” ثم “الشبكة الليبرالية” وغيرهما ليروجوا لوجهات النظر التي تخدم المستبد وسياساته الظالمة والفاسدة تجاه الشعوب.

الأسمري أضاف لـ “الاستقلال” أن الحكومة السعودية استخدمت هؤلاء الجواسيس أيضا في محاولة اختراق أو تبليغ المباحث عن من يرونه مؤثراً ومشكلاً خطراً على الرأي العام الذي تريد الحكومة تشكيله حصرياً.

وتابع: “ومع انتقال غالبية الكتاب بالسعودية، المعروفين منهم والمجهولين من أصحاب اﻷسماء المستعارة إلى مواقع شبكات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك (تقريباً 2008) ثم تويتر (2011 تقريباً) وموقع يوتيوب للفيديوهات، رأت الدولة بمباحثها ومخابراتها فرصة للسيطرة على هذه المنصات ببث وجهات النظر التي تخدمها ومراقبة محتوياتها وجمع المعلومات عن المؤثرين فيها”.

المعارض السعودي أوضح أن الرياض استمرت في بث الآراء التي تصنع الرأي العام الذي تريده الدولة وكذلك الاعتقالات لمن يخالف هذا التوجه أو يشكل خطراً عليه إلى أن بلغ مرحلة جديدة في عام 2014 لمواجهة ما يطرحه المتحمسون لتنظيم الدولة ضد حكم آل سعود، بهدف تفنيد الادعاءات واختراق حسابات وشبكات التجنيد.

الأسمري يرى أن الحكومة السعودية في هذه المرحلة أدركت أن شبكات التواصل الإجتماعي، قد تشكل خطراً من الممكن أن يتسبب في سقوط حكم آل سعود، فضاعفت أعداد الحسابات التي تحارب الناشطين المعارضين، وخرجت إعلانات كثيرة لمن يريد العمل في اللجان الإلكترونية برواتب شهرية تصل إلى 10 آلاف ريال.

الأسمري أكد أن ذروة استخدام الحكومة السعودية لهذا السلاح لتوجيه الرأي العام الداخلي والخارجي “بلغت ذروتها مع صعود بن سلمان لولاية العهد، ثم حصار قطر، حتى بدت مواقع التواصل الاجتماعي منذ ذلك الحين كأداة بيد السلطة تتلاعب بالترند (أي الوسم الأعلى من حيث عدد المشاركات) فضلاً عن إغلاق حسابات الناشطين”.

ولفت المعارض السعودي إلى اتجاه السلطة لإغلاق حسابات الناشطين واعتقال عشرات أو ربما مئات من خلال معلومات توثيق حساباتهم في تويتر، وفيما يخص فيسبوك فالأمر لا يختلف كثيراً من حيث تلاعب النظام بها، بل إن الحسابات التي أغلقت مؤخراً في فيسبوك بلا شك أقل تأثيراً على الرأي العام مقارنة بالاستيلاء التام على تويتر الأكثر استخداماً في البلاد.

 

الاتجاه الصحيح

أمين علي مدير التسويق لجيش النحل الإلكتروني، قال إن النظام السعودي ليس بمستغرب عليه القيام بمثل هذه الأعمال لتحسين وتجميل صورته بكل الطرق والوسائل وخصوصاً صورة بن سلمان التي اهتزت كثيراً بسبب تورطه المباشر في اغتيال شهيد الكلمة جمال خاشقجي.

علي وصف في حديثه لـ “الاستقلال” ما قامت به إدارة “فيس بوك” بأنه خطوة في الاتجاه الصحيح لتحسين سمعتها التي ساءت تجاه سياسة الخصوصية وحماية المعلومات، داعيا كل مسؤولي البرامج الاجتماعية الأخرى للقيام بمثل ما قامت به إدارة فيسبوك.

وتمنى “علي” أن يعرف مستخدمو مواقع التواصل حقيقة النظام السعودي وكيف يحاول التأثير على الرأي العام عن طريق نشر أخبار كاذبة ومضللة، خاصة المتعلقة بقمعه وانتهاكاته لحقوق الإنسان وخصوصاً حقوق المرأة وحرب اليمن وتحسين صورة بن سلمان وخطته الاقتصادية والاجتماعية التي أثرت كثيراً على الوضع الاقتصادي في السعودية.

وأكد علي أن المبالغ الطائلة التي صرفها بن سلمان للتأثير على الرأي العام دليل على حقيقة جرائمه واستنزافه للاقتصاد السعودي، مشيراً إلى أن ما فعله على فيسبوك طريقة من طرق عديدة يمارسها النظام السعودي لتحسين وتجميل صورته أمام المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية والشعب السعودي.