سلطت صحيفة “إلباييس” الإسبانية الضوء على التطورات في اليمن مع دخول الحرب عامها الثامن، مؤكدة أن آمال استمرار الهدنة الحالية بين الأطراف المتصارعة تصطدم بتحالفات هشة قد تعصف بمستقبل الاستقرار في البلاد بأي لحظة.

والهدنة الراهنة هي الأولى منذ عام 2014 على مستوى اليمن، الذي يشهد منذ أكثر من سبع سنوات حربا أحد طرفيها هي القوات الموالية للحكومة، مدعومة بتحالف عسكري سعودي إماراتي.

وتقاتل هذه القوات مسلحي جماعة الحوثي المدعومين من إيران، المسيطرين على محافظات بينها العاصمة صنعاء (شمال)، منذ سبتمبر/ أيلول 2014.

وحتى نهاية العام 2021 أسفرت حرب اليمن عن مقتل 377 ألف شخص بشكل مباشر وغير مباشر، وفق الأمم المتحدة.

 

واقع مرير

وذكرت الصحيفة أنه بينما دخلت الحرب في اليمن سنتها الثامنة، تحاول السعودية إدارة التنسيق السياسي بين جميع الفصائل المعارضة للحوثيين.

وأضافت أن المناظر المحيطة بقصر المعاشيق الرئاسي في العاصمة المؤقتة عدن مذهلة بقدر ما هي مضللة.

في الواقع، يتناقض لون خليج عدن الأزرق الذي يمتع العين من الاستراحة، مع الدمار والبؤس الذي يخيمان على الطريق الذي يؤدي إلى هناك.

كما يحمل اسم القصر الكثير من التناقض؛ حيث إنه ليس بقصر ولا يقيم أي رئيس في المعاشيق.

ويعمل المجمع المتواضع بمثابة مقر للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، كما أنه مقر رئيس وزرائها، معين عبد الملك سعيد.

ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، لأن القرارات المهمة لا تتخذ هناك، بل في الرياض عاصمة السعودية.

وأوضحت الصحيفة أن ظلال تلك الوصاية تبدو جلية بمجرد وصولك إلى عدن، العاصمة “المؤقتة” لليمن، من خلال رسالة على الهاتف الخلوي من شركة التليفونات السعودية تتمنى “إقامة سعيدة” في البلاد.

علاوة على ذلك، تتحكم الرياض فيمن يمكنه الدخول للبلاد، لأنها تسيطر على المجال الجوي اليمني.

في أوائل أبريل/ نيسان 2022، أجبرت السعودية الرئيس عبد ربه منصور هادي على الاستقالة واستبداله بمجلس رئاسي من ثمانية أعضاء برئاسة رشاد العليمي.

ومنذ ذلك الحين يشارك رئيس الوزراء قصر المعاشيق مع العليمي.

وأضافت الصحيفة أن سعيد كان جزءا مما يسمى بالحوار الوطني الذي حاول ضمان انتقال سلمي بعد احتجاجات الربيع العربي. لكن، كان تعيينه في 2018، بدعم سعودي، يفتقر إلى الإجماع.

وقال سعيد لمجموعة من الصحفيين الذين زاروا عدن قبل تشكيل المجلس الرئاسي: “هناك يمنيون يرون الأشياء بشكل مختلف عنا”.

في الواقع، تبدو كلمة “مختلف” وكأنها تعبير ملطف في بلد استمرت فيه حالة حرب لمدة سبع سنوات.

 

دمار متواصل

وأوضحت الصحيفة الإسبانية أن كل شيء بدأ عندما استولى الحوثيون على صنعاء وأطاحوا بالرئيس هادي في أوائل عام 2015.

في وقت لاحق، سيطروا على عدن، لكن محاولة الحفاظ على هذا الوضع تحطمت عندما قرر المتمردون في الشمال، بدعم من جزء من الجيش الموالي للرئيس السابق علي عبد الله صالح التقدم ولم يتمكن الحوثيون من صدهم.

ومن هنا، فر هادي إلى السعودية التي تدخلت على رأس تحالف عسكري وتمكنت من طرد الحوثيين من الجنوب وترك عدن تحت الأنقاض.

وأوردت الصحيفة أنه بعد سبع سنوات من الحرب، أصبح ثلثا سكان اليمن، 30 مليونا تقريبا، على شفا المجاعة، وعزز الحوثيون مواقعهم في شمال غرب البلاد، حيث يعيش 70 بالمئة من السكان.

في الأثناء، بقيت السيطرة على باقي الأراضي مقسمة بين مجموعات مختلفة يستجيب دعمها للحكومة أكثر “لعدائها للمتمردين”، وليس بسبب تقاربها.

في الوقت الراهن، تريد السعودية إنهاء الحرب التي خرجت عن السيطرة، بعد أن سحبت الإمارات قواتها في عام 2019، رغم أنها تحتفظ بنفوذها من خلال المليشيات المتحالفة معها.

ومن هنا جاء التزام الرياض الآن بذلك المجلس الرئاسي الذي سيقدم معه جبهة مشتركة للحوثيين؛ إما للتفاوض على اتفاق سلام أو لمكافحتهم بشكل أكثر فاعلية.

جاء هذا الإعلان بعد أيام فقط من موافقة الحوثيين والتحالف على وقف إطلاق النار لمدة شهرين في أوائل أبريل 2022.

وهو الأول على مستوى البلاد منذ عام 2016، والذي منح المدنيين بعض الراحة. لكن الآمال محدودة في هذا السياق.

وفي هذه المرحلة، يبقى أن نرى ما إذا كان المتمردون سيمددون الهدنة إلى ما بعد الثاني من يونيو/ حزيران 2022.

وأشارت الصحيفة إلى أن السعودية والإمارات وعدتا بتقديم مساعدة بقيمة  ثلاثة مليارات دولار عند تشكيل المجلس الرئاسي.

 

خلافات حاضرة

لكن في الواقع، تختفي وراء ابتسامات أعضاء هذا المجلس الثمانية (أربعة من الشمال وأربعة من الجنوب)، اختلافات كبيرة.

عموما، يكمن الخلاف الرئيس بين المجلس الانتقالي الجنوبي وحزب الإصلاح الإسلامي.

وحتى لو أجبرهم الضغط الخارجي على تنحية عداواتهم الأيديولوجية والشخصية جانبا، فليس من الواضح أنهم على استعداد لإرسال رجالهم شمالا لاستعادة صنعاء.

وتجدر الإشارة إلى أن الصراع تركز في السنوات الأخيرة على منطقة مأرب، في الشرق، حيث تتركز الثروات النفطية.

ونوهت الصحيفة بأنه على مستوى الشارع، يرى السكان الحكام معزولين في أبراجهم العاجية، بينما يطالبون بالخدمات الأساسية مثل الكهرباء ومياه الشرب والتعليم والصحة.

في هذا السياق يعترف رئيس الحكومة، وهو الرابع منذ انقلاب الحوثيين، بقيوده. ويقول في هذا السياق: “نحاول الحفاظ على أسس مؤسسات الدولة حتى يمكن إعادة بنائها”.

في الحقيقة، لوحظ أنه حتى منزل سعيد يعاني من انقطاع التيار الكهربائي خلال زيارة الصحفيين. ودون ميزانية منذ 2014، ويؤكد رئيس الوزراء أنه يحاول حل المشاكل.

وعلقت الصحيفة أن سعيد يؤكد أنه “يفعل كل ما بوسعه”. لكن في الواقع، يعتمد “ما يستطيع فعله” على ما يقرره “رؤساؤه” الأجانب.

في الواقع، يعد وجود سعيد في عدن نتيجة الاتفاق الذي توصلت إليه السعودية والإمارات في الرياض نهاية عام 2019، والذي انتهى بمشاركة المجلس الانتقالي الجنوبي في الحكومة.

وبينت الصحيفة أن اتفاق الرياض حسن الوضع الأمني ​​في عدن، لكنه لم ينه التنافس بين شركاء الحكومة الحاليين.

بالنسبة لمؤيديه، فإن سعيد هو “واحد من أعضاء مجلس الوزراء القلائل الذين يمنحون الأمل في المستقبل”، وذلك بفضل قدرته على الحفاظ على علاقات جيدة مع جميع السلطات.

لكن بالنسبة لمنتقديه، فهو رجل السعوديين وهو في المنصب لأنه “لم يقل لا أبدا”.

وأشارت الصحيفة إلى أن عدم الثقة بين الجانبين يجعل من الصعب على الدولة أن تفرض نفسها على شبكات المصالح التي تأخذ مكانها تدريجيا وتحول البلاد إلى مملكة طائفية.

عموما، دون جبهة مشتركة، سيكون من المستحيل التوصل إلى تسوية مع الحوثيين الذين يسيطرون على صنعاء وشمال اليمن.

لكن حتى لو نجح المجلس الرئاسي، فإن تصفية الحوثيين تجعل أي اتفاق بعيد المنال. وفي ظل هذه المعطيات، يخشى الكثير من اليمنيين من تعميق حالة الانقسام في البلاد.