اتخذت الغالبية الساحقة من مرشحي الحزب الديمقراطي لانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 (سواء المستمرين أو المنسحبين) مواقف ناقدة بصرامة للمملكة العربية السعودية بسبب الكثير من القضايا بينها أوضاع الحريات الحريات ومبيعات الأسلحة والحرب في اليمن ومقتل الصحفي “جمال خاشقجي”.

وعلى الرغم من ذلك كان الملياردير “مايكل بلومبرج” الذي يتهمه خصومه بأنه “اشترى” مكانه في السباق الرئاسي، هو الاستثناء الوحيد في هذا الصدد، ورغم دخوله السباق متأخرا إلا أنه أبرز المرشحين للفوز بالبطاقة الديمقراطية المؤهلة لمنافسة الرئيس الجمهوري الحالي “دونالد ترامب”.

مايكل بلومبرج

يمكن القول إن “بلومبرج “عمدة نيويورك السابق، هو الاستثناء الوحيد إذا تم مقارنة موقفه برفاقه الديمقراطيين الصارم فيما يتعلق بالسعودية، ويظهر ذلك في التصريحات التي أدلى بها خلال الفترة السابقة، والتي تشبه ما يردده الرئيس “دونالد ترامب” عن أهمية التحالف مع الدولة الخليجية.

وفي 30 يوليو / تموز، وردا على سؤال من “مجلس العلاقات الخارجية” حول موقفه من السعودية، قال “بلومبرج”، إن العلاقة بين واشنطن والرياض “لا تزال حاسمة بالنسبة للاستقرار في الشرق الأوسط وأسواق الطاقة، ويتعين على الولايات المتحدة العمل مع السعودية لمواجهة الهيمنة الإيرانية على المنطقة، ولإدارة أسعار النفط، وتنشيط عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية”.

وأضاف “بلومبرغ” مستدركا أن ذلك لا يعني “إعطاء الرياض شيكا على بياض، كما فعل الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب”، مشيرا إلى أنه ينبغي الضغط على الحكومة السعودية للعمل على إنهاء أزمة حقوق الإنسان في اليمن وتحسين سجلها في مجال حقوق المرأة.

وأشار “بلومبرغ” أن “قتل أي صحفي خارج نطاق القانون، ناهيك عن كونه مقيما في الولايات المتحدة الأمريكية ويعمل لدي مؤسسة إخبارية كبري، أمر بغيض ويتعارض مع القيم الأمريكية الأساسية”.

واعتبر “بلومبرج” أن الاعتداء على “خاشقجي” بمثابة اعتداء على المبادئ الديمقراطية مؤكدا على أهمية مواجهة ذلك “حتى يري العالم أنه لا توجد علاقة مالية أو استراتيجية تبرر مثل هذا العمل”.

وفي تصريحات لصحيفة “نيويورك تايمز” نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، كرر “بلومبرغ” تصريحاته السابقة حول أهمية دور السعودية في الحفاظ على استقرار المنطقة، واعتبر أن “بعض الأمور مثل مقتل خاشقجي لا تغتفر”، لكن ينبغي مساعدة السعودية “في جهودها للتحول إلى النمط الغربي” على حد قوله.

وأضاف أنه تحدث إلى نساء سعوديات في المملكة أكدن أنهن حصلن على المزيد من حقوقهن، مشيرا إلى أن واشنطن والرياض لديهما علاقات طويلة الأمد مع الكثير من الالتزامات المشتركة.

بيرني ساندرز

في المقابل، يري “ساندرز” الذي حل في مرتبة متقدمة على قوائم الديمقراطيين في الانتخابات الماضية وأظهر تفوقا واضحا خلال الجولات الأولى من الانتخابات التمهيدية، أن العلاقة الأمريكية السعودية بحاجة إلى تغيير، فهي “تعتمد على النفط الرخيص، ومبيعات أسلحة بملايين الدولارات، بينما تتجاهل بشكل كامل انتهاكات حقوق الإنسان من قبل الرياض، وتغض الطرف عن دور الرياض في نشر التطرف الديني”.

ويطالب”ساندرز” بالإنهاء الفوري للدعم الأمريكي لما وصفها بمذبحة السعودية في اليمن، كما يرفض رفضا قاطعا “جهود المملكة الغامضة لجذب الولايات المتحدة للدخول في صراع ضد إيران”.

في السياق ذاته، ينتقد ساندرز “عمل واشنطن تعمل في بعض الأحيان مع بعض الحكومات غير الديمقراطية لحماية أمنها”، مؤكدا أن “الاعتماد على الأنظمة الاستبدادية الفاسدة لتوفير الأمن هو رهان خاسر”.

ويشدد المرشح الديمقراطي أن “الحكومات الديمقراطية المسؤولة أمام شعبها، والتي لديها مجتمعات مفتوحة توفر شراكة أفضل بكثير معهم أفضل بكثير على المدى الطويل”.

وفى مناظرة تليفزيونية في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وصف “ساندرز “ما تمارسه السعودية بأنه “ديكتاتورية وحشية”.

وتابع: “ما يجب أن نعرفه هو أن السعودية ليست حليفًا موثوقًا به، وعلينا إعادة التفكير في هوية حلفائنا حول العالم، والعمل مع الأمم المتحدة وعدم الاستمرار في دعم الديكتاتوريات الوحشية”.

جو بايدن

يعتبر السيناتور المخضرم “جو بايدن”، نائب الرئيس الأمريكي السابق “باراك أوباما”، من أشد المعارضين للسعودية، وظهر ذلك في تصريحاته في أحد المناظرات التليفزيونية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، حيث أكد قائلا: “سأعلنها صراحة، لن نقوم ببيع المزيد من الأسلحة للسعودية، سنجبرهم في الواقع على دفع الثمن ونجعلهم منبوذين”، في إشارة إلى دور الرياض في حرب اليمن ومقتل “خاشقجي”.

وفى تصريحات سابقة عن موقفه من السعودية قال “بايدن”: “أود أن أنهي دعم الولايات المتحدة الأمريكية للحرب الكارثية التي تقودها السعودية في اليمن، وأطالب بإعادة تقييم علاقة واشنطن مع الرياض. لقد حان الوقت لإعادة التوازن في العلاقة والإخلاص لقيمنا فيما يتعلق بالعلاقات في الشرق الأوسط”.

وانتقد “بايدن” الرئيس “ترامب” لمنحه شيكا على بياض للسعودية ووصف ذلك بالأمر الخطير، لأن السعودية “استخدمته لتمديد الحرب في اليمن والتي خلفت أسوء أزمة إنسانية في العالم، ومتابعة معاركها السياسية الخارجية المتهورة وقمع شعبها”.

وذكر أن “اغتيال خاشقجي يعد من بين أن أكثر اللحظات المخزية في حكم ترامب اغتيال خاشقجي، حيث اختار الرئيس الدفاع عن القتلة بدلا من أن ينحاز إلى الضحية”.

مستقبل العلاقات

في ضوء هذه المواقف المناهضة للرياض من قبل معظم المرشحين الديمقراطيين، من المرجح أن علاقة واشنطن والرياض سوف تكون على المحك حال وصل ديمقراطي إلى البيت الأبيض نهاية العام الحالي.

وتشهد علاقة السعودية مع الحزب الديمقراطي توترات كبيرة برزت خلال فترة رئاسة “باراك أوباما” الذي أعرب في نهاية ولايته الأولى عن رغبته في إعادة النظر في التحالف بين واشنطن والرياض.

في السياق ذاته، يرى “بروس ريدل”مدير مشروع الاستخبارات في معهد “بروكينغز” والمسؤول السابق في وكالة المخابرات المركزية (CIA) أن الخلاف القائم بين واشنطن والرياض يتوسيع بسبب “شخصية من يقود المملكة حاليا وهو الأمير محمد بن سلمان، والتي جعلت السعودية منبوذة من قبل الديمقراطيين والجمهوريين”، بحيث يصبح موقف الرئيس “ترامب” المؤيد للمملكة نغمة متفردة في السياسة الأمريكية.

ويرى “ريدل” إن “مستقبل العلاقة السعودية الأمريكية أصبح اليوم موضع شك أكثر من أي وقت مضى، مؤكدا أنه حال وصول رجل آخر غير “ترامب” إلى البيت الأبيض في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل فقد تصبح العلاقة “قاب قوسين أو أدنى من صافرة النهاية”.