بلغة صريحة، أقر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أن بلاده “لا تنظر إلى إسرائيل كعدو، وإنما كحليف محتمل”، ما أثار تساؤلات عن مدى اندراج هذه التصريحات تحت إطار تقارب سعودي إسرائيلي وشيك، تفرط فيه المملكة بمبادرة للسلام التي طرحتها عام 2002.

وفي 21 فبراير/ شباط 2022، أعلن وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، أن اندماج إسرائيل في المنطقة سيكون مفيدا للغاية ليس إلى تل أبيب فحسب، بل للمنطقة بأسرها.

وأكد أن بلاده ستجري عملية سلام مع إسرائيل في حال إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية.

 

“ليست عدوا”

محمد بن سلمان، كشف خلال مقابلة مع مجلة “ذي أتلانتيك” الأميركية نشرت نصها وكالة الأنباء السعودية الرسمية “واس”، عن نظرة المملكة إلى إسرائيل، في معرض إجابته على سؤال عما إذا كانت بلاده ستحذو حذو دول عربية أخرى أقامت خلال السنتين الماضيتين علاقات دبلوماسية معها.

وقال ابن سلمان خلال حديثه للمجلة الأميركية في 3 مارس/آذار 2022: “لا ننظر لإسرائيل كعدو، بل ننظر كحليف محتمل في العديد من المصالح التي يمكن أن نسعى لتحقيقها معا، لكن يجب أن تحل بعض القضايا قبل الوصول إلى ذلك”.

وأعرب ولي العهد السعودي عن أمله في “حل المشكلة بين الإسرائيليين والفلسطينيين”، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء السعودية “واس”.

ولدى حديثه عن إقامة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، أضاف محمد بن سلمان أن “الاتفاق بين دول مجلس التعاون الخليجي هو ألا تقوم أي دولة بأي تصرف سياسي، أو أمني، أو اقتصادي من شأنه أن يلحق الضرر بالدول الأخرى”.

وأضاف أن جميع دول مجلس التعاون الخليجي ملتزمة بالأمر، “وما عدا ذلك، فإن كل دولة لها الحرية الكاملة في فعل أي شيء ترغب به حسب ما ترى”.

وعلى إثر ذلك مباشرة، علق الإعلامي الإسرائيلي، إيدي كوهين بتغريدة على حسابه في تويتر، قائلا: “من الآن وصاعدا كل سعودي يقول بأن إسرائيل عدو يخالف توجهات سمو ولي العهد حفظه الله ورعاه وتوجهات المملكة العربية السعودية..”.

ولم تعلق الجهات الرسمية الإسرائيلية حتى يوم 8 مارس/آذار 2022، وإنما اكتفى حساب “إسرائيل بالعربية” التابع للخارجية الإسرائيلية على موقع “تويتر” بنقل جزء من المقابلة.

 

“تطبيع مسبق”

وتعليقا على تصريحات ابن سلمان، قال المعارض السعودي المقيم في لندن سعد الفقيه، إن “ما يهمه (ولي العهد السعودي) هو الحماية، هو لديه تنسيق مع إسرائيل أمني وعسكري وسياسي ومالي، والتفاهمات حتى على مستوى المخابرات ونقل البيانات، فهناك تفاهم شامل لا يحتاج إلى تطبيع”.

وأضاف الفقيه خلال تصريحات لموقع “بي بي سي” البريطاني في 7 مارس/آذار 2022 أن “إسرائيل هي التي ترفض التطبيع ليس كرها لذلك، لكنها تعتقد أن السعودية لها رمزية خاصة في العالم الإسلامي، وتخشى أنه إذا رفع العلم الإسرائيلي تخسر الرياض قيادتها للعالم الإسلامي وتحل محلها تركيا أو باكستان أو إيران”، وفق تقديره.

وأردف: “لا تريد إسرائيل أن تفقد القيادة النفاقية والمضللة للعالم الإسلامي، والتي تنفعها كثيرا”.

وشدد المعارض السعودي على أن “ابن سلمان لا يحترم منطقا دينيا ولا حضاريا ولا عروبيا، ولا ينظر إلى قضية الكرامة ومفهوم الاحتلال وحرية الشعوب، فهو يريد أن ينقذ نفسه”.

وأشار إلى أنه “بمنطق ابن سلمان يريد أن يلجأ إلى الإسرائيليين وغيرهم للوقاية من إيران، لأنه ليس لديه حدود ولا ضوابط، لكن بمنطق الإنسان الملتزم بالدين والعروبة والوطنية، يفترض أن يكون لديه إستراتيجية أمنية، وأمن قومي ذاتي لا يعتمد على أميركا وإسرائيل وروسيا وغيرها”.

وتابع: “إسرائيل دولة صغيرة، لا عندها نفط ولا إمكانيات، وتعدادها ستة ملايين، تصبح دولة عظمى في المنطقة، بينما نحن يتدفق النفط لدينا منذ 70 سنة، عجزنا أن نهزم مليشيا (الحوثيين) صغيرة على أعتاب بيتنا، فهذا فشل مستبد، وهذه ليست مسؤوليته (ابن سلمان)، ونحن مهمتنا تخليص البلد من هذا الوضع الخاطئ، وبعدها نستطيع أن نتحدى إيران”.

وأكد الفقيه أن “إيران محتلة للعراق وسوريا واليمن، وهذا من كوارث النظام السعودي الذي مكنها من ذلك”.

وشدد على أنه “لو لم يكن النظام السعودي فاشلا لما تمكنت إيران من التمدد، وإنما بالعكس لانكمشت وتمت هزيمتها بجدارة في وقت مبكر”.

في المقابل، قال المحلل السياسي السعودي فيصل الصانع خلال تصريح له في 4 مارس/آذار 2022، إن ولي العهد السعودي “لم يتحدث عن تمهيد سياسي يلحقه تطبيع خجول بل حلف مشترك لهدف واحد”.

ونفى الصانع أن يكون حديث ابن سلمان تخليا عن المبادرة العربية بالقول إن “حديث ولي العهد ليس بجديد، لكنه اختلف في طريقة الطرح، حيث إن موقف المملكة هو نفسه الموقف السابق، الذي تحدث عن شرط حل الأزمة مع الجانب الفلسطيني على أساس المبادرة العربية، وحينها يمكن أن تكون هناك علاقة مع إسرائيل”.

ولفت المحلل السياسي السعودي إلى أن “الرسالة موجهة أكثر لبعض الفلسطينيين بشكل غير مباشر، بأن يحلوا مشاكل انقسامهم وأن تفك بعض الحركات الفلسطينية ارتباطاتها مع بعض الدول المعادية للمملكة العربية السعودية”، وفق تعبيره.

 

اتفاقية السلام

وبالحديث عن بوادر تخلي السعودية عن مبادرة السلام مع إسرائيل التي طرحها العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز في عام 2002، وحينها كان وليا للعهد قبل أن يصبح ملكا في 2005، لا بد من التطرق إلى بنود المبادرة السعودية.

السعودية طرحت مبادرة السلام على قمة جامعة الدول العربية الرابعة عشر بالعاصمة اللبنانية بيروت في 27 و28 مارس/ آذار عام 2002، وحصلت المبادرة على تأييد مجلس جامعة الدول العربية.

وفي إطار تبني المجلس للمبادرة السعودية كمبادرة سلام عربية طالب المجلس من إسرائيل إعادة النظر في سياساتها، وأن تجنح للسلم معلنة أن السلام العادل هو خيارها الإستراتيجي أيضا.

وطالبت المبادرة الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة بما في ذلك الجولان السوري وحتى خط الرابع من يونيو/حزيران 1967، والأراضي التي ما زالت محتلة في جنوب لبنان.

ومن بنودها أيضا: “التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، نتج عنه وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 قبول قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من يونيو/حزيران 1967 في الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون عاصمتها القدس الشرقية”.

ومقابل ذلك، عرضت الدول العربية، أنها ستعتبر “النزاع العربي الإسرائيلي منتهيا، والدخول في اتفاقية سلام بينها وبين إسرائيل مع تحقيق الأمن لجميع دول المنطقة”.

وكذلك، إنشاء علاقات طبيعية مع إسرائيل في إطار هذا السلام الشامل، وضمان رفض كل أشكال التوطين الفلسطيني الذي يتنافى والوضع الخاص في البلدان العربية المضيفة.

ودعا مجلس الجامعة العربية حكومة إسرائيل إلى قبول هذه المبادرة حماية لفرص السلام وحقنا للدماء بما يمكن الدول العربية وتل أبيب من العيش في سلام جنبا إلى جنب ويوفر للأجيال القادمة مستقبلا آمنا يسوده الرخاء والاستقرار”. ودعا المجلس المجتمع الدولي بكل دوله ومنظماته إلى دعم هذه المبادرة.

وفي أول تعليق رسمي لها بعد اتفاق “تطبيع العلاقات” بين الإمارات وإسرائيل في أغسطس/آب 2020، أعلنت المملكة العربية السعودية تمسكها بخيار السلام مع تل أبيب وفق مبادرة السلام العربية، وبعد تحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.