تحدث الكاتب البريطاني، “ريتشارد كويست”، عن انطباعه عقب زيارته الأخيرة التي أجراها إلى السعودية، قائلا إنه لم يرَ تغييرا كالذي يحدث في المملكة.

جاء ذلك في مقال كتبه “كويست” عن تجربته في السعودية، والتغييرات العميقة الحاصلة بالمملكة في ضوء رؤية الرياض 2030.

وكتب الصحفي في مقاله على “سي إن إن”: “لقد رأيت البلدان تتغير من قبل، لكنني لا أعتقد أنني رأيت أي شيء يشبه التغيير الذي يحدث في السعودية. إنه ليس مثل سقوط أوروبا السوفيتية، ولا الاضطرابات التي شهدتها سريلانكا مؤخرا. تغيير السعودية متعمد وعميق الأثر ودراماتيكي”.

وأضاف أن الصورة النمطية عن السعودية، حيث يجب أن تكون المرأة مغطاة بالكامل ولا اختلاط بين الجنسين، وحيث توجد شرطية دينية لا تتسامح، تغيرت.

وكجزء من التغيير، تنفق السعودية “مبالغ باهظة لإنشاء مدن جديدة ومناطق جذب سياحي (تخطيط طويل الأجل لعالم ما بعد النفط) وفي السعودية اليوم، هناك ثابت واحد فقط: التغيير بسرعة فائقة”.

والرجل الذي يقف وراء هذه التغييرات هو ولي العهد، “محمد بن سلمان”، مهندس إصلاحات السعودية، الذي يقوم بتحديث الاقتصاد بسرعة هائلة، ويخلق فرصا هائلة، لكنه يتعرض أيضا لانتقادات شديدة بسبب سجل المملكة في مجال حقوق الإنسان، وفق الكاتب.

 

المارد خرج من القمقم

ويروي الصحفي تجربته قائلا: “لم أتوقع أبدا أن أرى رجالا ونساء يختلطون معا و”دي جي” يطلقون ألحانا عالية والجماهير تتمايل مع الموسيقى”.

وتشرح طبيبة الأسنان والروائية السعودية الشهيرة “رجاء الصانع”: “حدث هذا فقط في السنوات الخمس الماضية”.

وتقول “الصانع”، التي ألفت رواية “بنات الرياض”، وهي حكاية 4 نساء وحياتهن العاطفية المعقدة، إنها لا تعتقد أن هذه التغييرات يمكن عكسها، وتقول: “الجني لن يعود إلى القمقم”.

ويقول “كويست” في المقال: إن “لغز السعودية هو محاولة احترام ماضي البلاد، مع إدخال إصلاحات تهدف إلى إفادة السكان المحليين، وجذب السياح إلى مكان يمكن أن يشعرون أنه غير مكتشف، وهذا سلعة نادرة في عصر السفر الحديث”.

وفي حين أن الحقيقة الأساسية أن هناك تقدما يحدث، لاتزال المرأة بحاجة إلى إذن ولي الأمر للزواج أو نقل الجنسية، وهو ما تصفه الروائية بأنه أحد جوانب “إنجاز نصف العمل” في الإصلاح السعودي.

ويقول الكاتب إن مدينة الرياض تتفوق بالعدد الهائل لأماكن تناول القهوة، مع انتشار المقاهي على الطراز الغربي في كل مكان خلال السنوات القليلة الماضية.

ويشير إلى تجربة إنشاء مقهى “MW Café” الذي يملكه مغني راب أمريكي، تحول إلى عالم الأعمال بعد مشاكل مع فرقته الموسيقية ومقتل أحد أعضائها.

ويقول “موتا بلي”، مالك المقهى، إنه كان يبحث عن شيء من شأنه أن يجلب له السلام، وقد وجده باعتناق الإسلام والانتقال إلى المملكة وإتمام مناسك الحج، وقد عاش هناك لمدة 11 عاما، وأصبحت القهوة شغفه.

ويقول: “عندما جئت إلى هنا لأول مرة، لم يكن بإمكانك الجلوس في الخارج وتناول فنجان من القهوة.. أنا أستمتع بهذه الأشياء الآن. لديك الكثير من التغييرات”.

ويشير الكاتب إلى أن التغيير لا يقتصر فقط على الرياض، ففي منطقة عسير، على بعد 900 كيلومتر من العاصمة، في الجنوب الغربي، يحدث الانتقال أيضا لكن بصورة أخف.

ففي الفندق الذي أقام فيه، كان يسمح بالاختلاط وعدم ارتداء الحجاب، رغم أن غالبية من يفعلون ذلك من المغتربين والغربيين، لكن السعوديين “يستوعبون ما يحدث جيدا ويقررون بشكل فردي ما هي الوتيرة المناسبة لحياتهم”.

وفي قرية المفتاحة الفنية في مدينة أبها، عاصمة عسير، التي كانت غنية بالإبداع على مدى قرون، ازدهرت أعمال الفنان السعودي الشهير “عبدالناصر غارم”.

ويقول “كويست” إن محافظ منطقة عسير، وليس الفنانين أنفسهم، هو الذي أنشأ هذه المساحة للمبدعين في عام 1989.

ومنذ ذلك الحين، أخرجت “المستعمرة، التي تمولها الحكومة، الفن بحرية في بلد ملزم بقانون ديني صارم”.

وهذا “مثال كلاسيكي على التناقض السعودي”.

ويجسد “غارم” التوازن الذي تحاول السعودية تحقيقه، ويعتقد الفنان أن “العالم الذي تم إنشاؤه في قرية المفتاحة للفنون قد أظهر الطريق للبلاد ككل”.

 

تناقض ملحوظ

ويقول كاتب المقال إن في “بلد يمر بمثل هذا التغيير العميق، لا يمكن التوصل لاستنتاجات شاملة، لأننا في منتصف العاصفة ومن الصعب رؤية النتيجة النهائية”.

ويضيف أن ما اكتشفه، سواء في شوارع الرياض المزدحمة، أو في جبال عسير الباردة، أو استكشاف الماضي القديم في العلا، هو أن “كل شيء في السعودية يبدو أنه يتغير”.

لكن شيئا حدث بعد زيارته ويظهر “الصعوبة التي يواجهها الجميع عندما يتعلق الأمر بالسعودية: بعد أسبوع من مغادرتي، في مارس/آذار، أعدمت البلاد 81 شخصا في يوم واحد، بسبب جرائم إرهابية”.

ويقول: “هذا يثير السؤال بشأن المدى الذي يمكن أن تذهب إليه السعودية لجلب العالم، قبل أن تصبح التجاوزات أكثر من اللازم”.

وفي مارس/ آذار 2022، أعدمت السعودية 81 رجلا في يوم واحد، بينهم سبعة يمنيين ومواطن سوري، بعد صدور أحكام عليهم بتهم “الإرهاب” و”المعتقدات المنحرفة”، وذلك حسبما ذكرت وكالة الأنباء السعودية “واس” آنذاك.

وعام 2016، أعلنت الرياض عن “رؤية السعودية 2030″، التي تستهدف إيرادات غير نفطية بـ267 مليار دولار سنوياً، فيما تضمنت أهدافها 3 تقسيمات توزعت بين اقتصاد مزدهر ومجتمع حيوي ووطن طموح، واندرج تحت كل منها أهداف فرعية.

وتشمل الرؤية إصلاحات جذرية في قطاعات مختلفة، وتشكل خطة تهدف لتحرير اقتصاد المملكة من الاعتماد على النفط على نطاق واسع، وتطوير الاقتصاد وتعزيز مشاركة المرأة في الحياة العامة.