بين الحين والآخر، تشهد المملكة العربية السعودية، هجمات على منشآت عملاق النفط “أرامكو” في بقيق وخريص بالمنطقة الشرقية، بواسطة طائرات مسيرة وصواريخ كروز، تقول الرياض إنها إيرانية، فيما تعلن جماعة “الحوثي” اليمنية في كل مرة مسؤوليتها عن هذه الهجمات.

هذه الهجمات المتكررة أكدت عجز “قوات الدفاع الجوي السعودي”، عن حماية سماء المملكة ومجالها الجوي، وأنها باتت ضحية لتزايد كثافة غارات الطائرات المسيرة الحوثية، حيث لا يمكن لبطاريات باتريوت الأميركية صدها بشكل كامل.

لذا تسعى السعودية بجدية للحصول سرا على منظومة مكونة من أجهزة استشعار وصواريخ ومراكز تحكم وسيطرة، تكون قادرة من خلالها على التعامل مع التهديدات، وتدارك الإخفاق المستمر في هذا الشأن.

 

مضادات الطائرات

مجلة “إنتيليجنس أونلاين” الفرنسية المتخصصة في الشؤون الاستخباراتية، نشرت في 7 أبريل/ نيسان 2021، تقريرا عن سعي السلطات السعودية للحصول على منظومة أسلحة مضادة للطائرات المسيرة.

وقالت المجلة: “تستعد الرياض للاختيار من بين 3 متنافسين لقيادة برنامج عسكري كبير يرمي لتزويد المملكة بغطاء مضاد للطائرات المسيرة”.

ورجحت إنتيليجنس أونلاين أن شركة “رايثيون” الأميركية هي الأوفر حظا للفوز بالعقد، حيث تتولى الشركة بالفعل عقد صيانة واستبدال صواريخ باتريوت، كما أنها تعرف طريقها في المملكة جيدا.

كما أن “رايثيون” زودت القوات الجوية الملكية السعودية بمركز قيادة لمنظومة السيطرة، والقيادة، والاتصالات، والاستخبارات، وتحاول أن تحظى بثقة ولي العهد محمد بن سلمان، لتنال حظوظا أوفر في عقود التسليح القادمة.

وأضافت: “المنافس الثاني هي شركة “إل 3 هاريس” الأميركية أيضا، والتي تبذل كل ما في وسعها كي يتم اعتمادها من قبل البنية الجديدة لصناعة الدفاع السعودية”.

تلك الشركة تحديدا، تواصلت في فبراير/ شباط 2021، بشأن مشروعها المشترك الذي دام لعامين مع شركة “سامي” السعودية المحلية لإثبات توافقها مع مشاريع ولي العهد.

كما وظفت بعض المهندسين السعوديين الذين عملوا في “معهد الأمير سلطان لأبحاث التقنيات المتقدمة”، التابع لوزارة الدفاع السعودية، والذي يعمل على أول منظومة مضادة للطائرات المسيرة في المملكة.

وكشفت إنتيليجنس أونلاين عن الشركة الثالثة وهي “إم بي دي أيه” الأميركية، التي دخلت على خط العروض المقدمة للسلطات السعودية.

وذكرت أن “الشركة تعمل بقيادة فريق مبيعات يعمل على الترويج لمنظومة القيادة الخاصة بها، والتي تسمى (ليكورن)، وهي منظومة تجمع بين الصواريخ من طراز (ميسترال) والقاذفات من طراز (أطلس آر سي)”.

وأوردت أن العائق الأساسي أمام “إم بي دي أيه” هو سرعة الامتثال لمتطلبات كل من الشركات السعودية “جامي” و”سامي”، لتأسيس شركة محلية مشتركة تمكنها من المنافسة بشكل أكثر فاعلية.

يذكر أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، فرضت حظرا على بيع الأسلحة للرياض حتى لا يتم استخدامها في الصراع في اليمن، ومع ذلك، أرسل البنتاغون مؤخرا مستشارين وقوات للمساعدة في حماية المملكة من هجمات الطائرات المسيرة، التي تسببت في خسائر فادحة للبلاد على الصعيد الاقتصادي.

 

بحث مستمر

لا شك أن الهجوم العاصف من قبل “الحوثي”، على منشآت “أرامكو” أثبت الحاجة إلى وجود سلاح مضاد من ذات النوع، كما أنها دفعت القوات المسلحة السعودية، للسعي إلى تطوير القدرات الصاروخية الدفاعية المتعلقة بالطائرات المسيرة، في ظل العجز الكامل للدفاعات الأميركية القائمة، فذهبت إلى القوى الخارجية للبحث عن منظومة دفاع جوي، قادرة على حماية أراضيها.

استغل خصم واشنطن اللدود، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الوضع القائم، بالإضافة إلى التوترات السياسية بين الولايات المتحدة والسعودية، بسبب عودة الاتصالات الأميركية الإيرانية، فانطلق إلى الرياض يوم 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، كي يعرض السلاح الروسي على المملكة لحماية بنيتها التحتية من أي هجمات.

كان أهم ما عرضه بوتين على الإدارة السعودية، مدهم بمنظومة دفاع مضادة للطائرات المسيرة، وهي دعوة قررت الرياض التعاطي معها سياسيا في ظل جفاء واضح مع البيت الأبيض.

وعلقت “كوري شاكه” مديرة السياسات الدفاعية والخارجية في معهد “أميركان إنتربرايز” يوم 10 مارس/ آذار 2021، على بحث السعودية عن أسلحة روسيا ومنظومتها الدفاعية، قائلة: “لو كنت مكان السعوديين، لسلكت طريقا إلى موسكو، وآخر إلى بكين، بحثا عن شريك أكثر ثقة من الولايات المتحدة”.

لم يكن الروس وحدهم المعنيين بإيجاد حل لحكام المملكة، لمواجهة الهجمات المتكررة والمقلقة، ففي 16 مارس/ آذا 2021، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن “السعودية تريد شراء طائرات مسيرة مسلحة من تركيا”.

ورغم الخلافات العميقة بين أنقرة والرياض، والتي بدأت تذوب جزئيا، إلا أن شركات الدفاع التركية الكبرى استحوذت على عدد من عقود التسليح داخل المملكة، والمفاوضات جارية بشأن المسيرات التركية.

 

القبة الحديدية

قد يلجأ ولي العهد، للتعاون مع إسرائيل، لتجاوز التهديد الإيراني الحوثي، خاصة وأنه منذ بداية حرب اليمن وانطلاق عملية عاصفة الحزم في مارس/ آذار 2015، أطلقت “الحوثي” مئات الصواريخ اتجاه السعودية، بالإضافة إلى هجمات المسيرات المرعبة.

وصل عدد ضحايا المسيرات والضربات داخل أراضي المملكة، ما يقرب من 100 مواطن، إما بسبب الهجمات المباشرة، أو شظايا صواريخ الاعتراض الأميركية عند محاولة إصابتها الهدف.

وفي 12 سبتمبر/ أيلول 2019، كشف موقع “الخليج أونلاين”، أن هناك مفاوضات بين تل أبيب والرياض خاصة بشراء منظومة للقبة الحديدية، لوضعها على الحدود مع اليمن، بسبب كثافة الصواريخ وهجمات المسيرات المستمر من هناك.

وذكر الموقع الخليجي أن السعودية سعت خلال الفترة الأخيرة للحصول على منظومة القبة الحديدية “الإسرائيلية”، وأنها تتفاوض مع الجانب العبري لبيعها عبر وساطة قوية من قبل واشنطن، خلال اللقاءات الثلاثية السرية التي جرت في أميركا، في إطار ملف التطبيع والتواصل بين تل أبيب والرياض.

 

سد الثغرات

الفشل العسكري للدفاعات الجوية السعودية، دفع وسائل الإعلام والمحللين العسكريين، لسرد الأسباب، حيث ذكر موقع “إنترفاكس” الروسي، في 20 سبتمبر/ أيلول 2019، أن “نظام الدفاع الجوي في السعودية يشمل 88 منظومة (باتريوت)، إضافة إلى 3 مدمرات أميركية مزودة بأنظمة (أيجيس) للدفاع الجوي تتمركز في مياه الخليج”، تلك المنظومة أصبحت عاجزة على حماية السعودية من المسيرات.

وذكر: “السعوديون يعتقدون أن منظومة الباتريوت الأميركية لم تقدم شيئا لبلادهم، كما لم تحمها من طائرات الحوثيين، التي استهدفت بشكل متكرر منشآت نفطية ومصالح خدمية ومدنا سعودية”.

وفي 25 سبتمبر/ أيلول 2019، قدم كل من “مايكل نايتس”، متخصص الشؤون العسكرية والأمنية في معهد واشنطن للدراسات، والمقدم “كونور هايني” زميل الشؤون العسكرية في نفس المعهد، تقريرا بعنوان “سد الثغرات في الدفاعات الجوية السعودية”.

البحث قال: “ليس هناك سر غامض في أسباب فشل المملكة في اعتراض الهجوم الأخير على بقيق وخريص، فقد فاقت دفاعاتها الجوية طاقتها، وافتقرت بشكل كبير إلى التنسيق، ناهيك عن عدم تشغيلها في ظل أجواء مهيأة للحرب”.

وأضاف: “لا يعني هذا الفشل أن ضربات الطائرات بدون طيار (الدرونز) ستنجح في كل مرة، لكنها تؤكد ضرورة تقديم مساعدة دفاعية عملية من الخارج، واستعادة الردع أمام إيران”.