في ظل وباء فيروس كورونا المستجد والأزمة الاقتصادية المرافقة لتفشي الجائحة في أنحاء العالم اتخذت المملكة العربية السعودية خطوة جديدة عبر تغيير اسم “مؤسسة النقد العربي السعودي” إلى “البنك المركزي السعودي” مع تعديلات على أعماله ونشاطاته.

وقد تسبب الوباء بانخفاض أسعار النفط مصحوباً بقلة الطلب عليه، وهو ما أثر سلباً على اقتصادات دول الخليج المنتجة للخام؛ لا سيما السعودية.

ويفتح القرار الجديد تساؤلات عن أسباب تغيير اسم المؤسسة السعودية في الفترة الراهنة، وعن إمكانية اتصال التوجه الجديد برؤية 2030، والتي تعمل الرياض جاهدة لتوفير موارد اقتصادية تقلل من اعتمادها على النفط.

 

التحول لـ “بنك مركزي”

وفي توقيت مفاجئ أقرت الحكومة السعودية تغيير تسمية مؤسسة النقد العربي السعودي إلى “البنك المركزي السعودي”، مقروناً بقوانين مصرفية جديدة.

ويحدد القانون الجديد أهداف البنك المركزي التي تشمل الحفاظ على الاستقرار النقدي وتعزيز استقرار القطاع المالي ودعم النمو الاقتصادي، مع تقديم تقارير مباشرة إلى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء السعودية “واس”، يوم الثلاثاء (24 نوفمبر 2020).

وأسست مؤسسة النقد عام 1952 في عهد الملك الراحل عبد العزيز آل سعود، واتخذت من “ساما” اختصاراً لها، ورغم تغيير الاسم الرسمي للمؤسسة فإنه سيتم الاحتفاظ بالاختصار “ساما”؛ وقد عللت الحكومة ذلك بأهميته التاريخية ومكانته محلياً وعالمياً.

وأوضحت المؤسسة أن “الأوراق النقدية التي تحمل اسم مؤسسة النقد العربي ستستمر في الاحتفاظ بصفة التداول القانوني والقوة الإبرائية”.

من جانبه، أشار أحمد الخليفي، محافظ البنك المركزي السعودي، إلى أن “إقرار النظام الجديد يعد مواكبة لأفضل الممارسات العالمية، وتحقيق الصالح العام منذ تأسيس مؤسسة النقد العربي السعودي حتى وقتنا الحاضر”.

وأوضح الخليفي أن مؤسسة النقد العربي السعودي عملت خلال الفترة الماضية على دراسة أفضل الممارسات الدولية في قوانين البنوك المركزية والتوصيات ذات العلاقة، وإخضاع تلك الدراسات للتحليل، لضمان انسجامها مع البيئة المحلية واقتصاد المملكة.

وتربط السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، عملتها الريال بالدولار عند 3.75 لكل دولار أمريكي، وهو سعر لم يتغير منذ عام 1986.

ويتبع البنك المركزي السعودي، مثل جيرانه في الخليج، مجلس الاحتياطي الاتحادي الأمريكي في تحركات أسعار الفائدة هبوطاً أو صعوداً.

ويعد صندوق النقد السعودي من الأكثر جديّة ومهنية في القطاع المصرفي في منطقة الخليج. وأفضل مدير للمخاطر على مستوى البنوك المركزية في العالم للعام 2018 ـ 2019 بحسب لجنة البنوك المركزية العالمية.

 

ما سبب هذا التغيير؟

ويعتقد أحمد القاروط، الباحث في الاقتصاد السياسي، أن “السعودية لم تغير اسم المؤسسة فقط، الأهم من ذلك هو تغيير عمل المؤسسة أيضاً عبر تغيير القانون الأساسي فيها، من خلال إدراج مهام فيها مرتبطة بتطور قطاع المال السعودي والنظام المصرفي؛ مثل إصدار السندات الحكومية والديون لتمويل السيولة النقدية في المملكة”.

وقال القاروط: إن “هناك تحولاً حاصلاً في النظام المالي السعودي، ومطابقة للنظام المالي العالمي؛ بنك مركزي يصدر عملة مركزية، وله أدوار تتعلق بتعزيز الاستقرار المالي من خلال التحكم بأسعار الصرف ونسب الفائدة”.

وأضاف أن “نص القانون المعدل للبنك المركزي الجديد ليس معلناً، لكن كشفوا عن التغير في أهداف السلطة النقدية في المملكة”.

ويعود التغيير المفاجئ في عمل مؤسسة النقد السعودية، وفق “القاروط”، إلى تطوير النظام المالي، حيث زادت أعداد المصارف الداخلية والخارجية وشركات التداول وأنظمة الدفع؛ ما تسبب بزيادة التزامات مؤسسة النقد العربي السعودي الذي لم يكن بالضرورة تاريخياً يقوم فيها، ما دفع الحكومة لتحويله إلى بنك مركزي يضم مؤسسات داخلية تقوم بإدارة هذه المهام المتراكمة.

ولفت الباحث الأكاديمي إلى أن “المؤسسة النقدية كانت تابعة بشكل أكبر للحكومة، فيما أصبح البنك المركزي اليوم أكثر استقلالية ما سيسمح بثقة أكبر بالريال السعودي دولياً، من أجل الحصول على ثقة المستثمرين المحليين والأجانب، الذي سيسعى لنيل ثقتهم من أجل أن يستثمروا بالسندات السيادية التي سيطرحها البنك خلال الفترة القادمة”.

ويرى كذلك أن “الخطوة الجديدة هي مقدمة لتحرير صرف العملة بعد عقود من تثبيت سعر الريال أمام الدولار، حيث هو نقطة بارزة في دعم النمو عبر تحرير الصرف للتحكم بأسعار الفائدة بالزيادة أو النقصان لدفع عجلة الاقتصاد حين التعثر، أو لزيادة الفوائد للتقليل من التضخم في وقت النمو”.

ورجح، في حديثه، أن المملكة اليوم تسعى للتخلص الضمني من الاتفاق التاريخي “النفط مقابل الدولار” (البترودولار)، وهذا ما يعني تنويعاً أكبر للرياض في مواردها المالية.

وأكّد القاروط أن “التحول الجديد سيساهم في تقوية الشرعية السياسية الداخلية في النظام الملكي، عبر استخدام الديون والقروض الخارجية لتقوية خزينتها، حيث يحاول ولي العهد محمد بن سلمان إثباث ركيزة للمجتمع الدولي تقول إنه مجدد اقتصادي ويربط هذه الأشياء به، والبنك المركزي مرتبط مباشرة بالملك، وهذا يعني أن المتعامل مع هذا البنك سيتعامل معه شخصياً وهو ما يزيد من نفوذه وقوته في البلاد”.

 

ما مهام “النقد العربي السعودي”؟

وعندما أنشئ “النقد العربي السعودي” لم يكن للمملكة أي نظام مالي خاص بها، وكانت العملات الأجنبية تستعمل في التعاملات التجارية بالإضافة إلى العملة السعودية الفضية.

وانطلاقاً من ذلك كان أول ما قامت به “ساما” بعد إنشائها استحداث نظام مصرفي واستصدار عملة وطنية ورقية، بالإضافة إلى تنمية العمل المصرفي واستصدار نظام للمصارف وتنظيم عملها.

وفي مارس 1961 تم التحول إلى الريال السعودي، حيث ركزت المؤسسة في السبعينيات والثمانينيات على السيطرة على التضخم، إذ إن الاقتصاد السعودي نما نمواً مطرداً.

وطرحت المؤسسة منذ الستينيات حتى عام 2017، 6 إصدارات من العملة المحلية الريال، حيث كانت تتغير إصدارته مع قدوم كل ملك جديد إلى السلطة.

وكانت مهام “النقد العربي السعودي” منحصرة بالأعمال المصرفية الحكومية، وسك وطبع العملة الوطنية “الريال السعودي”، بالإضافة لدعم النقد السعودي وتثبيت قيمته الداخلية والخارجية وتقوية غطائه.

كما يعمل على إدارة احتياطات المملكة من النقد الأجنبي، ويدير السياسة النقدية بهدف المحافظة على استقرار الأسعار وأسعار الصرف.

ويراقب عمل المصارف التجارية ومبادلات العملات، وشركات التأمين التعاوني، وشركات التمويل، وشركات المعلومات الائتمانية.

وبإمكان “ساما” فرض عقوبات على المؤسسات المالية التابعة لإشرافها داخل المملكة، إن خالفت شروط العمل المنصوص عليها بالقانون.

وبالفعل كان للمؤسسة قبل صدور قرار تعديل اسمها وبعض مهامها، الثلاثاء (24 نوفمبر 2020)، عقوبات على 30 مؤسسة مالية خاضعة لتقييمها؛ وذلك بسبب مخالفتها لمبادئ التمويل المسؤول للأفراد مع توجيهها بتصحيح الخلل الناتج عن تلك المخالفات.