ما إن قرر الرئيس الفلسطيني محمود عباس وقف العمل بالاتفاقيات الموقعة مع “إسرائيل” منذ 1993، حتى بدأت الضغوط العربية والدولية عليه من كل جانب، للتراجع عن خطوته، التي ترى أطراف أن من شأنها إفساد مشروع “التطبيع العربي” الجديد في المنطقة.

وبحسب ما صرح به مسؤولون؛ فإن القرار أغضب عديداً من الدول العربية وعلى رأسها السعودية ومصر، اللتان بدأتا بالتحرك من أجل إيجاد حلول للتراجع عنه، أو تعطيل تنفيذه على أرض الواقع؛ خوفاً من تعطُّل مصالحهما وتأثر العلاقات التي تشهد تطوراً إيجابياً غير مسبوق مع “إسرائيل”.

ويقول القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، فتحي القرعاوي: “إنه ورغم أن قرار عباس حل الاتفاقيات السياسية والاقتصادية والأمنية كافة مع دولة الاحتلال، فإن قضية التنفيذ على أرض الواقع لا تزال غامضة وبحاجة لخطوات إضافية”.

لماذا غضبت السعودية؟

وأوضح قرعاوي أن القرار قد يعطل مصالح دول عربية تحاول التقرب من “إسرائيل” من خلال العلاقات الاقتصادية والعسكرية وحتى السياسية، وفي حال نفذ عباس ذلك ستكون مصالح تلك الدول مهدَّدة وقد تفسد مشاريعها الجديدة بالمنطقة.

ولفت إلى أن “السعودية ومصر وغيرهما من الدول العربية التي تلهث خلف التطبيع العلني والمتقدم، لا تريد أي خطوة فلسطينية من شأنها أن تعكر صفو علاقتها مع دولة الاحتلال، وستحاول بكل جهد وطرق ممكنة أن تمارس ضغوطها من أجل التراجع أو تعطيل تنفيذ الفلسطينيين لخطوات الانفصال عن إسرائيل”.

وأشار القيادي في “حماس” إلى أن خطوة عباس حتى هذه اللحظة لا تزال بعيدة عن التنفيذ على أرض الواقع، مؤكداً أن تنفيذها “يعني عملياً حل السلطة الفلسطينية (التي تأسست عام 1993)، وهذا الأمر لن يسمح به الغرب ولا حتى الدول العربية”.

وأعلن عباس الخميس (26 يوليو 2019)، عقب اجتماع عقده في رام الله باسم “القيادة” (مصطلح يشير إلى اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وكبار مسؤولي السلطة) وقف العمل بجميع الاتفاقات الموقعة مع “إسرائيل”، وسط ترحيب فلسطيني ومطالبات بترجمة تلك القرارات على الأرض.

وقال عباس: إن القرار جاء “بسبب إصرار سلطة الاحتلال على التنكّر لجميع الاتفاقيات الموقعة وما يترتب عليها من التزامات”، مؤكداً أن “لا سلام ولا أمن ولا استقرار في منطقتنا والعالم دون أن ينعم شعبنا بحقوقه كاملة”.

بدوره أكد محمود العالول، نائب رئيس حركة “فتح”، أن القرار يشمل كذلك التنسيق الأمني، معتبراً إياه “صرخة فلسطينية أمام الانتهاكات التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي من عمليات الهدم والدمار والقتل، وأننا لا يمكن قبول استمرار الوضع القائم على ما هو عليه”.

في حين أشعلت هذه الخطوة الغضب الإسرائيلي، وسط تهديدات بأن من سيدفع ثمن التنفيذ هم الفلسطينيون، وفق تهديدات صريحة صدرت عن وزير الاقتصاد والصناعة وعضو الكابينت إيلي كوهين.

وبحسب رصد خاص فإن الاتفاقيات الثماني التي ستوقفها السلطة مع “إسرائيل” هي “أوسلو الأولى 1993، وغزة-أريحا 1994، وطابا (أوسلو الثانية) 1995، وواي ريفر الأولى 1998، وواي ريفر الثاني 1999، وتقرير ميتشل 2001 ، وخارطة الطريق 2002، واتفاقية المعابر 2005”.

“في حال نفذ عباس تهديده، وقطع العلاقات السياسية والأمنية والاقتصادية كافة، فإن أكثر المتضررين هي الدول العربية التي ترى في التطبيع طريقاً للوصول للحضن الإسرائيلي، بعد إزاحة القضية عن طريقها”، يقول القيادي حسن خريشة، النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي الفلسطيني.

ويضيف خريشة إن “هذه الخطوة من شأنها أن تخلق جواً متوتراً ومشحوناً، وتعكر صفو حملات التطبيع التي تجاوزت كل الحدود، وستكون هناك خطوات فعلية من الدول العربية على الفلسطينيين للتراجع عن هذه الخطوة، التي ستشكل قلقاً مزمناً بالنسبة لها”.

ولفت إلى أن وضع السلطة الحالي وتمسُّكها بالتنسيق مع الاحتلال شجعا الدول العربية على التطبيع العلني وليس السري فقط، لكن قرار الفلسطيني قطع كل تلك العلاقات “قد يجمدها بالكامل”.

وذكر أن تلك الدول سعت لتهميش القضية الفلسطينية وإزاحتها من طريقها للوصول إلى دولة الاحتلال، بدعم “صفقة القرن” الأمريكية، وكذلك مشاركتها الفاضحة في ورشة المنامة التي عُقدت بالبحرين، نهاية يونيو الماضي.

وفي السياق ذاته، لم يستبعد النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي أن يكون قرار عباس المفاجئ، والذي طال انتظاره، وهو قطع العلاقات مع “إسرائيل”، جاء بالتشاور مع الأردن، الذي وقف صامداً أمام كل الضغوط الإسرائيلية والأمريكية وحتى العربية ضد تمرير “صفقة القرن”.

وكان عباس التقى الأربعاء (24 يوليو 2019) في عمّان، العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، خلال اجتماع قالت وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية (وفا): إنّه تناول “آليات التنسيق المشترك بين البلدين” إزاء آخر التطورات الحساسة في المنطقة.

وجاء القرار الفلسطيني عقب أيام من هدم قوات الاحتلال عشرات الوحدات السكنية في حي وادي الحمص ببلدة صور باهر في القدس المحتلة، وهي بالمناطق الخاضعة للسلطة وفق اتفاقية أوسلو التي وقعتها منظمة التحرير مع “إسرائيل”.

ومنذ تولي ترامب الرئاسة الأمريكية، بدأ باتخاذ قرارات للضغط في إطار تنفيذ “صفقة القرن”، كان أولها إعلان القدس عاصمة لـ”إسرائيل”، ووقف تمويل “الأونروا”، والعمل على تطبيق الخطة التي تجبر الفلسطينيين على تقديم تنازلات مجحفة لـ”إسرائيل”، في ملفات القدس واللاجئين وحدود عام 1967، مقابل تعويضات واستثمارات.

ومنذ صعود ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ازداد التقارب السعودي مع “إسرائيل”، وشهدت الأشهر الماضية الحديث عن لقاءات وزيارات تطبيعية بين الطرفين، كما تسارعت العلاقات بين الجانبين في الآونة الأخيرة، وتصاعدت التصريحات التي تؤكد أهمية العلاقات بين الطرفين في ظل المصالح المشتركة بينهما.

ومؤخراً كشف محمود نواجعة، منسّق اللجنة الوطنية لمقاطعة الاحتلال الإسرائيلي المعروفة بحملة مقاطعة الاحتلال “BDS”، عن توافر معلومات لديهم تفيد بأن السعودية تسعى لجولات جديدة من التطبيع مع “إسرائيل” خلال 2019.