بقلم: عبد الله الجريوي

دائمًا ما يتعجب بعض من لا يعرفون الواقع المعاش في بلادنا بعد كل جريمة تقوم بها السلطات السعودية، أين صوت الناس ونبض الشارع، أين المؤسسات المدنية والحراك الشعبي السلمي؟

 

هل هم راضون أمام كل ما يحدث؟

وفي الواقع، السؤال في محله، لماذا لا يخرج الناس للاحتجاج عن ما يسوؤهم أو يدافعوا عن رؤيتهم بشكل سلمي منظم، وفي الوقت نفسه نرى دعوات البعض للناس بالتظاهر “لإسقاط النظام”، في الوقت الذي لم نعتد فيه على مشاهد الاحتجاجات بشكل يومي في بلادنا.

للتنويه: السعودية من الدول التي شهدت فيها مظاهرات عدة في مختلف المناطق في أزمنة وأسباب مختلفة سرعان ما قامت السلطة السعودية بقمعها، وهنا أحاول ذكر بعض أهم النقاط التي تجعلنا لم نشهد على مثل هذه المشاهد وهي على سبيل المثال لا الحصر:

 

طبيعة الدولة الريعية

لقد كان لبسط السلطة يدها على النفط وآلية توزيعه إيراداته تأثير سلبي علينا، فلم تحاول أن تبني دولة منتجة، بل توجهت الى تثبيت دعائمها عبر شراء الولاءات والمخصصات الملكية والهبات والعطايا، بدل أن تبني بهذه الإيرادات دولة منتجة، لتحولنا إلى دولة مستهلكة تعتمد على الاستيراد، ممّا ساهم هذا في ضرب اقتصاد الناس في الداخل كالمزارعين وأهل الحرف والمهن، ثم حاولت استقطابهم للوظائف الحكومية في المدن الكبرى، وهذا ما اضطر المزارع أن يترك القرية والمزارع وينتقل للمدينة للإعتماد على الوظائف الحكومية، كما فعلت هذا أيضًا مع أهل البادية ما جعلتهم يتركون حياة البادية وينتقلون إلى المدينة وأن يعتمدوا على الوظائف الحكومية كالقطاعات العسكرية.

فما قامت به السلطة جعلت الناس تخسر اعتمادها على نفسها ورزقها وتضطر للإعتماد على السلطة في كل شيء وهذا ما يصعب على الناس في ظل هذه البيئة أن تسترجع استقلاليتها.

 

الاستبداد واستهداف أي حراك مدني

السلطة دائمًا ما ترسّخ للشعب أنهم في حاجة لها، وأنها لن تقبل أن يخرج منها من يقوم عبر مؤسسات المجتمع المدني (المستقلة عنها)، أو حتى بأي جهد الشخصي لا يتبع لمؤسساتها، أن يتحدث في أي مظلمة أو أن يساهم باسترداد بعض الحقوق، فالسلطة التي تتمثل الآن فيما يرى نفسه بطل مخلص “محمد بن سلمان” هي المخول الوحيد باختيار ما يتناسب لنا من حقوقنا والمصالح التي تراها مناسبة لنا، أما الناس فلها الثناء والشكر.

 

غياب حس المسؤولية وتبريرها بتفسيرات دينية وغيرها.

قال لي أحد مرة: “أمرنا بالطاعة فقط أما ما نعاني منه بسبب معاصينا ومالنا إلا الاستغفار والانتظار حتى يأتي الفرج من الله” مثل هذه التبريرات الانهزامية مِن مَن يعاني من ظلم السلطة ورآها بأم عينه، فكيف بمن يبرر لجرائم السلطة بمبررات دينية والتي تعتبر إحدى وسائل السلطة لتمكينها السياسي.

 

التحرك اللحظي وأثره السلبي.

إن التحرك اللحظي والتضحية التي لا تكون في محلها أو في عمل له استمرارية وديمومة، التي للأسف يعززها البعض لم تساهم أبدًا في تأثير على الناس لا في توعيتهم بما يحدث، لأن الناس تعرف ما تكون به السلطات من قمع واستهداف لأي شخص يعارض بعض توجهاتها، كما أنها لن تساهم بتحريك الشارع، فمن يعتقد أن الشباب والبنات مجرد أرقام في استهدافهم سبيل لتحرك الناس فقد خدع نفسه ولن يتضرر منها إلا المضحين الذين ستضيع أعمارهم خلف الزنازين الظلم والقمع، لابد أن نسأل نفسنا في أى عمل يؤدي إلى تضحية، هل ما نقوم به هو بالفعل ضمن إطار العمل التراكمي الذي سيحدث التغيير؟  هل هذا العمل يؤثر على أرض الواقع أو له استمرارية؟

 

أسئلة يجب أن نجيب عليها.

المطالب الفئوية وعدم استيعاب مشاكل المجتمع.

أن تلك المطالب التي لا نخص فيها إلا من يشابهنا في الفكر، الدين، المظلمة، لن نؤثر إلى من يشابهنا فيه، أما أن يكون هدف حراكنا هدف وطني فلابد أن نكون واعين بما يعاني الناس من هذه السلطة منادين بالعدالة الاجتماعية خطاب وطني يشمل الجميع، لا أن نحقق ما تريده السلطة لنا من التمزيق المجتمعي أو مثل ماسماه نمر النمر: “تمييز سلطوي”.

 

خاتمة:

نحن إزاء ازدياد شريحة المعارضين لهذا النظام، ولأسباب مختلفة غالبًا منها بسبب تردي الوضع المادي، لكن نحن، وأقصد  من نريد مواجهة هذا النظام لا بد أن نكون سياسيين نعرف كيف نتعامل ونواجه هذا النظام بعمل منظم، لا أن نكون مجرد غاضبين، لا أن نضحي بأنفسنا في حراك لحظي لا يؤثر على المدى البعيد وكأننا أوراق مشتعلة تذهلك بسرعة اشتعالها وقوة لهيبها لكن سرعان ما يطير رمادها في الهواء وكأن شيء لم يكن، والحركيين ليسوا مجرد رقم بل أشخاص حمايتهم وسلامتكم مهمة بالنسبة لنا.